وحده رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، خرج بأكثر من موقف علني معارض لزيارة أي من الوزراء في الحكومة إلى سوريا. خلال 24 ساعة، دأب جعجع على اتخاذ موقف تصعيدي من التطبيع مع النظام السوري، معتبراً أن التسوية الرئاسية لم تبنَ على هذا الأساس، ولا عليه أيضاَ تشكّلت الحكومة. ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها جعجع مدافعاً عن "السيادة"، أو حسبما يشبهه البعض، بأنه الزعيم السنّي الأول في لبنان.
ليس صحيحاً أن الحسابات الانتخابية أو المزايدات الشعبية هي ما يدفع جعجع إلى اتخاذ هذا الموقف. هذا المنطق بالنسبة إلى القوات منطق تسخيفي، على غرار الاتهامات التي طالت الرئيس سعد الحريري حين قرر السير في انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، إذ اتهم بأنه يبرم هذه التسوية لأجل الحصول على أموال. يبدي القواتيون أسفهم لهذا المنطق، الذي يعتبر أن لكل موقف سياسي سعراً ومردوداً. ويعتبرون أن هذا المنطق يجتهد حزب الله في تعميمه، لتسخيف قضايا خصومه وشعاراتهم.
يتحدث جعجع عن مخاطر عديدة قد تنجم عن التطبيع مع النظام السوري وإعادة العلاقات والتنسيق معه. وهذه المخاطر تبدو متوافرة من خلال معلومات لديه، بناء على موقف عربي وخليجي تحديداً معارض أي تنسيق مع الأسد. وكذلك بالنسبة إلى الموقف الدولي. لم يتوان جعجع عن التلميح إلى احتمال الانسحاب من الحكومة، وهي التي أصبحت عبئاً على أصحابها، على قاعدة أن الاستمرار على هذا الأساس غير ممكن، لأن طرفاً واحداً في حكومة جامعة، يريد تغليب وجهة نظره وسياسة محوره وتوجهاته الإقليمية على أطياف الحكومة. وهذا ما لا يمكن القبول به. حتى الآن، مسألة الانسحاب أو الاستقالة من الحكومة، غير واردة، لا لدى القوات ولا حتى لدى تيار المستقبل والرئيس الحريري، بخلاف ما حاول البعض الترويج له.
لكن حتى لو راودت هذه الفكرة جعجع مستقبلاً، فستكون لجملة أسباب أولها التنسيق مع النظام، وليس آخرها الخلافات مع التيار الوطني الحر ومساعيه الاحتكارية والتدخلات في كل الوزارات، بالإضافة إلى ما يُحكى عن صفقات وفساد ومحاصصات. لكن لحظة ذلك لم تحن بعد، وفق مصادر متابعة، فيما يعتبر جعجع أن رفع الصوت أصبح أكثر من ضرورة، بعد كثرة التمادي في تهميش أفرقاء أساسيين داخل الحكومة، ازاء القرارات المتخذة إدارياً واجرائياً، والاستئثار بالقرارات السيادية. وهذا ما لم تتعود القوات على التطبيع معه.
يشبّه البعض ما يفعله جعجع بالثورة على الذات، وعلى الحلفاء وعلى الجميع. ووفق مصادر متابعة، فهو وجد نفسه مضطراً إلى رفع الصوت والمواجهة، بعد الالتباسات التي حصلت مع معركة جرود عرسال التي خاضها حزب الله بعيداً عن الدولة والجيش. وهذه المواقف تهدف إلى قطع الطريق إستباقياً على أي تحرك مشابه يريد حزب الله أن يكرره في جرود رأس بعلبك والقاع، من خلال المواقف التي يطلقها الحزب بين حين وآخر، تارة أن التنسيق واجب بين الجيشين اللبناني والسوري، وطوراً بأن الحزب جاهز للمشاركة في تلك المعركة.
تهدف هذه المواقف إلى إزالة أي التباس يعترى الموقف من معركة جرود عرسال، وتصحيحه، إذ تتحدث المصادر أنه خلال تلك المعركة، لم يكن لدى جعجع معلومات واضحة ودقيقة عن أعداد المقاتلين من جبهة النصرة هناك. إذ كانت التقديرات تشير إلى أن الأرقام أكبر من الرقم الحقيقي بكثير. لذلك، حصلت ليونة في المواقف ازاء خوض حزب الله المعركة، للتخفيف عن الجيش اللبناني، بما أن المعطيات كانت تشير إلى أن المعركة ستطول وقد تذهب إلى حالة الاستنزاف. بالتالي، بهدف التخفيف من الخسائر في صفوف الجيش من جهة، ولأجل عدم حصول أي توتر سنّي مع الجيش اللبناني بسبب هذه المعركة، وكي لا يتم استثماره بالطريقة الخطأ. أما اليوم فإن الموقف تغيّر، وجعجع يريد التأكيد أن ما حصل في جرود عرسال لا يمكن أن يحصل في جرود القاع، وبأن خطأ التسليم مع منطق حزب الله يجب تصحيحه.
لا تخفي المصادر أن جعجع يحاول توسيع الجبهة المعارضة للتطبيع مع النظام السوري، كما حاول سابقاً توسيع جبهة معارضة التسويات التحاصصية والصفقات التي وصفت بالفاسدة. وتلفت المصادر إلى أن جعجع يراهن على الحريري في هذا الموقف، لكنها تشير إلى أن ثمة عتباً غير ظاهر لدى جعجع على الحريري، بأنه غالباً ما يتم التوافق بينهما على مسألة معينة، فيما الحريري يتراجع ولا يستمر بها حتى النهاية بشكل فعلي وحقيقي، بدون معرفة السبب وراء ذلك.