يرصد متابعون للشأن العراقي حراكا نشطا داخل حزب الدعوة الإسلامية والتيارات القريبة منه والمنضوية ضمن كتلة دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، معتبرين ذلك الحراك مؤشّرا على بدء الاستعدادات للانتخابات القادمة المقرّرة لربيع عام 2018 ووضع ترتيبات إعادة تقاسم السلطة في ظلّ ظروف صعبة باتت تطرح تحدّيات جدّية على الأحزاب والشخصيات القائدة للعملية السياسية والممسكة بزمام السلطة، من بينها تراجع شعبيتها بفعل تراكم فشلها الذريع في مقابل صعود قوى أخرى رافعة لشعارات مغرية من قبيل التغيير والإصلاح وتجاوز الطائفية.
ويضع المختصون في الشؤون السياسية العراقية، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي زعيم حزب الدعوة على رأس الفاقدين لثقة الشارع لبقائه ثماني سنوات على رأس السلطة التنفيذية، بين سنتي 2006 و2014، أفضت إلى الوضع الكارثي الحالي على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ويقول هؤلاء إنّ طموحات المالكي لاستعادة منصب رئيس الحكومة في 2018 لا تصطدم فقط بتدهور شعبيته، بل أيضا باستحالة مراهنة القوى الخارجية عليه لقيادة العراق في مرحلة ما بعد الحرب على داعش.
وبدا أن المالكي وحلفاءه من كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية، قدّ مروا إلى السرعة القصوى في وضع ترتيبات تضمن عدم خروج السلطة من أيديهم، وذهابها لقوى أخرى غير مرضي عنها إيرانيا.
وقال خبراء ومحلّلون سياسيون لـ”العرب” إنّ الاتهامات التي وجهها المالكي إلى جهات أميركية بمحاولة ضرب حزب الدعوة الذي يتزعمه والعمل على تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، تؤكد أن رئيس الوزراء السابق أدرك رهان الولايات المتحدة على تشجيع التيارات الرافعة لشعار إعادة صياغة العلاقة مع إيران ومصالحة العراق مع محيطه العربي.
ويصف الخبير الاستراتيجي مهند العزاوي اتهام المالكي لواشنطن باستهداف حزب الدعوة بأنه غير حقيقي لأنّ الولايات المتحدة هي من منحت السلطة لهذا الحزب بعد الغزو. وعندما كانت هناك ضرورة لتغيير المالكي جيء بشخص آخر من الحزب نفسه.
ويقول العزاوي إن هناك أحزابا مرتبطة كليا بإيران وتنفذ أجندتها في العراق، يقابلها عدد كبير ممن يشغلون الفراغ السياسي وينظرون إلى الخارج لإيجاد شرعية لهم، ولَم يفكر أحد منهم بأن الشرعية تنبع من الشعب العراقي نفسه.
ويلمس أستاذ العلوم السياسية في الجامعة البريطانية سعد ناجي جواد مسوّغا لتخوف المالكي، فمن وجهة نظره أنّه بدأ يستشعر أن طموحاته للعودة كرئيس وزراء أو حصوله على أي موقع متقدم في الدولة من خلال الانتخابات المزوّرة والمتلاعب فيها بالمال الفاسد والمسروق، بدأت بالتراجع الواضح، خصوصا بعدما أشيعت أخبار عن أنّ نوابا من كتله بصدد تركه والانضمام إلى معسكر حيدر العبادي داخل حزب الدعوة.
ويقول إن ما سيحصل في العراق متوقف على النية الأميركية لتشجيع إحداث تغيرات في طريقة حكم البلد. ويتابع أن الخطة الأميركية مبنيّة على تشجيع التيارات المناهضة لإيران، وتشجيع التقارب مع السعودية، وتقوية تيار العبادي.
توجد متغيرات حقيقية في المشهد العراقي على رأسها انفجار الصراع في نطاق البيت السياسي الشيعي الواحد
ويقول الخبير العسكري سليم شاكر الأمامي “إن المالكي اعتبر الحكم إرثا إلهيا لا ينازعه فيه أحد، حتى أنه أراد فرض الطاعة على المكون الشيعي بكامله، وحين لم يرضخ له التيار الصدري استخدم ضدّه سلاح الدولة في ما أسماه صولة الفرسان، وفرض على القضاء تغليب كتلته على كتلة إياد علاوي مستغلا ما قيل عن فيتو إيراني على تولي علاوي رئاسة الوزراء”.
ويشير إلى أنّ المكونات الشيعية نفسها هي من رفضت فوز المالكي بولاية ثالثة، بل وحتى طهران نفسها اضطرت للتبرّؤ منه.
ولا يعتقد الأمامي أن واشنطن جادّة في إزاحة النفوذ الإيراني المستحكم بالعراق لأن العلاقات الأميركية الإيرانية، كما يقول، ليست علاقات عدائية بل علاقة تنافس سياسي واقتصادي ونفطي.
ويلفت الباحث العراقي الاستراتيجي المقيم في كندا باسل بشير إلى وجود متغيرات حقيقية في المشهد العراقي فاجأت إيران نفسها صاحبة الدور الكبير في عملية ترتيب شؤون السلطة بالعراق، على رأسها انفجار الصراع في نطاق البيت السياسي الشيعي الواحد. ويرى أنّ المنافس اللدود للمالكي يتمثل بكل من رئيس الوزراء حيدر العبادي المعزّز بتجربة ناجحة في الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي غزا العراق في عهد المالكي بالذات، ومقتدى الصدر الذي يمتلك ميليشيا سرايا السلام وتيارا شعبيا منضبطا إلى حد كبير ويدين له بالولاء.
وفي المقابل، يشرح بشير، أن نوري المالكي ليس عديم الحيلة إذ تقف إلى جانبه ميليشيات الحشد الشعبي وأبرز قادته الموالون لإيران والمؤتمرون بإمرة قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني، مثل أبومهدي المهندس وهادي العامري زعيم ميليشيا بدر، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي.
ومن أخطر السيناريوهات، وفق باسل بشير، أن يتم استخدام هذه القوّة من قبل المالكي وحزب الدعوة لتنفيذ انقلاب وتشكيل حكومة مؤقتة أو حكومة إنقاذ وطني وتعليق العمل بالدستور.
ويذكّر الكاتب العراقي المقيم في الولايات المتحدة أحمد زيدان، بزيارة المالكي الأخيرة لموسكو، معتبرا أنّها جزء من مساع إيرانية لإعادة التمكين لزعيم حزب الدعوة عبر الاستعانة بروسيا حليفة طهران القوية.
ويطرح الأمين العام للجبهة الوطنية العراقية المعارضة عبدالكاظم العبودي سيناريو مختلفا، معتبرا أن لا مستقبل لحزب الدعوة، فحتى حيدر العبادي سيخرج من شرنقة هذا الحزب لأنه بات يشكل عائقا أمام طموحه السياسي المرتبط بقرارات الإدارة الأميركية وتوجهاتها المقبلة.
ولا يستبعد العبودي تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ تحت حماية أميركية مباشرة أشبه بحالة انتداب، واستصدار قرار من مجلس الأمن يتضمّن إلحاق الحشد بالجيش والشرطة وفتح حوار سياسي بين العراقيين تحت إشراف أممي وبدعم عربي.