كشفت الدعوة الرئاسية إلى لقاء حواري يعقد في قصر بعبدا، قبل ظهر الاثنين المقبل، للبحث في مسألة قانوني سلسلة الرتب والرواتب واستحداث بعض الضرائب لتمويل السلسلة، مدى حراجة الموقف الذي يواجهه الرئيس ميشال عون، بعدما وصل به خيار التوقيع على القانون أو رده بموجب الصلاحيات الدستورية الممنوحة له إلى الطريق المسدود، إذ ان أي قرار يفترض به ان يتخذه ستكون له تداعيات سواء على صعيد الوضع الاقتصادي العام في البلاد أو لدى النواب الذين أقروا القانون في 18 تموز الماضي، أو لدى المستفيدين من السلسلة من موظفين اداريين واساتذة وعسكريين عاملين ومتقاعدين، والذين يشكلون شريحة واسعة جداً من المجتمع اللبناني.
وفي تقدير مصادر نيابية، ان أكثر من عامل ساهم في حراجة الموقف الرئاسي، لعل أبرزها، ان الرئيس عون رفع السقف كثيراً إزاء ما يمكن ان ينشأ عن نفاذ السلسلة من حقوق المستفيدين منها، أو ما يرتبه من انفاق قد ينعكس سلباً على الانتظام المالي العام والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمالي في البلاد من جهة أخرى، ما دفعه إلى البحث عن غطاء يسمح له باتخاذ قرار، سواء باتجاه سوق مبررات ردّ القانون، أو التوقيع عليه، استناداً إلى ما يمكن ان يتوصل إليه المتحاورون في بعبدا من قرار على هذا الصعيد.
إلا ان السؤال الذي يمكن ان يطرح هنا: ماذا لو لم يتمكن المتحاورون من الوصول إلى قرار، وهذا مرجح، وبالتالي أعادوا الكرة إلى الملعب الرئاسي، بترك الخيار النهائي له، بالتوقيع أو ردّ القانون؟
بطبيعة الحال، يمكن ان يكون السؤال افتراضياً، وبالتالي الجواب عليه، بانتظار ما يمكن ان تسفر عنه طاولة الحوار، والذي رأت مصادر سياسية، في الدعوة إليها، انها أتت كاملة ومعللة بالأسباب، خاصة وأن الرئيس عون بحسب ما جاء في الدعوة سبق ان نبّه في اكثر من مناسبة وموقف معلن «الى ضرورة إقرار مشروع قانون الموازنة والموازنات الملحقة بها لسنة 2017 قبل إقرار قانون السلسلة وتمويلها أو بالتزامن معهما عملاً بالمادة 48 من الدستور، ما من شأنه ان يُعيد الانتظام المالي إلى ما يجب ان يكون عليه في الدول التي تعاني من مديونية عامة ومتعاظمة».
وأكدت المصادر ان الرئيس عون ستكون له مداخلة على الارجح تنطلق من ملاحظاته حول السلسلة والضرائب والتي كوّنها من دراسة الموضوعين بعدما استمع إلى شروحات بشأنهما من المعنيين، يبدو انها لم تساعده في اتخاذ خياره، بسبب التناقض في وجهات النظر، بين المستفيدين من السلسلة وبين الهيئات الاقتصادية والتي سبق ان طالبته برد السلسلة خوفاً من تفاقم الوضع الاقتصادي.
ولفتت إلى انها المرة الأولى التي يشهد فيها قصر بعبدا طاولة من هذا القبيل تجمع أصحاب الاختصاص في حضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوزراء المختصين وحاكم مصرف لبنان وممثلين عن الهيئات الاقتصادية والعمالية والمالية ونقباء المهن الحرة والمدارس الخاصة والمعلمين في المدارس وأساتذة الجامعة اللبنانية.
وفيما لم يصدر أي موقف أو تعليق من قبل الرئيس نبيه برّي، أو من قوى سياسية، رأى وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري لـ«اللواء» ان دعوة عون خطوة من شأنها ان تفتح في المجال أمام عرض رأي الهيئات الاقتصادية من موضوعي سلسلة الرتب والرواتب والضرائب والمطالب والمشاكل حولهما، لافتا إلى أن كل النقاط ستطرح تمهيدا للوصول إلى وضع تصور لكيفية التوصل إلى حل على أن ما أعلنه الرئيس عون في البيان الصادر عنه أمس يشكل مبدأ للانطلاق منه نحو المعالجة.
ورأى انه من السابق لأوانه إطلاق توقعات عن الخلاصة النهائية من الحوار منذ الآن، مشيراً إلى أن حوارا كهذا يبعث بالطمأنينة لأنه يجري مع المعنيين بملفين كبيرين، مشددا على أن هم الرئيس هو المحافظة على حقوق الدولة والشعب معا.
الا ان معلومات «اللواء» تؤكد ان خطوة الرئيس عون جاءت بالتفاهم مع الرئيس برّي، عبر الزيارة التي قام بها وزير المال علي حسن خليل إلى قصر بعبدا، قبل توجيه الدعوة للحوار.
وأشارت مصادر مطلعة إلى ان جانباً كبيراً من لقاء عون – خليل، تناول مسألة الموقف من السلسلة والذي يفترض ان يتخذه الرئيس قبل المهلة الممنوحة له بموجب الدستور، وهي 27 آب الحالي، مع ان بعض الاجتهادات تقول انها في 17 آب، أي بعد شهر من إقرار المجلس النيابي للقانون.
ولفتت مصادر رئاسة الجمهورية لـ«اللواء» إلى أن الرئيس عون سيحاول من خلال الحوار الاقتصادي الوصول إلى قواسم مشتركة واستنتاجات في ما خص الملفين المعروضين للبحث. وأشارت إلى أن شعور الرئيس بوجود تناقض بين الفرقاء اللبنانيين حولهما، والتخوف أملى قيام اضطرابات اجتماعية في حال تطور هذا التناقض، أمل عليه هذه الدعوة خصوصا أنه التقى مؤيدين ومعارضين للسلسلة والضرائب وكان أمام خيارين اما التوقيع عليها وهو ما سيغضب كثيرين أو ردها، وهو ما يغضب أيضا فئات كثيرة، وأتى قرار الحوار بين هذين الفريقين المتناقضين للوصول إلى خلاصة معينة.
وقالت إن الرئيس عون سيسعى إلى إيجاد حل او قواسم مشتركة في ظل غياب المجلس الاقتصادي الاجتماعي. وتحدثت عن حضور جميع المعنيين بالملفين من وزراء دفاع والاقتصاد والمال والسياحة والعدل والتربية والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام وجمعية الصناعيين والنقابات الحرة والمعلمين والأساتذة الثانويين المتعاقدين.
زيارات الوزراء
في هذا الوقت، بقي الوضع الحكومي مرشحاً لمزيد من التأزم، على خلفية إعلان وزراء في فريق الثامن من آذار عزمهم على التوجه إلى سوريا تلبية لدعوات تلقوها من نظرائهم في دمشق، ما ألهب سجالاً داخلياً عنيفاً وضع التسوية السياسية التي أنتجت الانتخابات الرئاسية برمتها على المحك، ووضع الحكومة في وضع لا تحسد عليه، أو التكهن في الحجم الذي ستأخذه القضية، وإن كان الجميع يسلم بأن لا أحد يمكنه ان يراهن على التفريط بالحكومة، أقله حتى اجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.
ولكن كان لافتاً للانتباه، إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في ثاني مؤتمر صحفي يعقده خلال يومين أن «زيارة أي وزير الى سوريا ستهز الاستقرار السياسي الداخلي للبنان، ولا سيما ان نتيجة هذا الاستقرار هي الاستقرار الأمني والعسكري، كما سيصنف لبنان على أثرها في خانة المحور الايراني في الشرق الأوسط، ما يعني أن ما تبقى لنا من علاقات مع أكثرية الدول العربية سينقطع كلياً، وبالتالي سيزداد الوضع الاقتصادي سوءا وسيختنق لبنان أكثر فأكثر»، ودعا كل الفرقاء السياسيين الى «تجنب الخلافات الاستراتيجية والانصراف الى الاهتمام بالأمور المعيشية التي تهم المواطن اللبناني».
وذكّر هؤلاء الوزراء الراغبين بزيارة سوريا لأهداف يدعون انها اقتصادية، بفقرة من نص البيان الوزاري للحكومة جاء فيها أن «الحكومة تلتزم بما جاء في خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من أن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النار المشتعلة حوله في المنطقة بفضل وحدة موقف الشعب اللبناني وتمسكه بسلمه الأهلي. من هنا ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا…».
وفي تقدير مصادر سياسية، أن كل الصخب والسجال المفتعلين أو المبالغ فيهما حول زيارة بعض الوزراء الى سوريا، او حول موقف الولايات المتحدة الاميركية من تعديل القرار 1701 ليشمل نشر قوات دولية عند الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، أن يؤثر على خريطة الوضع السياسي الداخلي ولا على التوازنات اللبنانية الدقيقة المشغولة ببراعة النحات ودقة «الجوهرجي»، مهما بلغ حجم الضغط الداخلي والخارجي على «حزب الله»، طالما ان رئيس الجمهورية او الحكومة، او اي طرف سياسي لن يستطيع ان يحتمل مخاطر تغيير هذه التوازنات التي تحكم الوضع الداخلي، بحيث قد يؤدي العبث بها الى تطيير الاستقرار إن لم يكن تطيير صيغة الحكم كلها، وهي صيغة التوافق التي تحكم البلد منذ ما بعد اتفاق الطائف.
وبقطع النظر عما تهدف اليه المساعي الاميركية لتعديل القرار 1701، فإن وزيرالخارجية جبران باسيل قال ل «اللواء» امس رداعلى سؤال حول ما اذا كان لبنان قد تلقى اي مطلب اميركي أو أُممي: ان كل ما يُثار حول الموضوع لا زال مجرد كلام، وليس هناك اي طلب لتعديل القرار 1701، وكذلك لم يطلب لبنان اي شيء بهذا الخصوص ولا يوجد موقف رسمي لبناني من الموضوع.
من جهتها، نفت مصادر حكومية لـ«اللواء» ان يكون أي مسؤول أميركي قد طرح مع الرئيس الحريري أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، أي شيء يتصل بموضوع تعديل صلاحيات قوات الأمم المتحدة «اليونيفل» في جنوب لبنان، بموجب القرار 1701.
ولفتت المصادر ذاتها إلى ان القرار الدولي لا يمكن تعديله، ولكن أي تعديل في صلاحيات القوة الدولية يحتاج إلى قرار جديد، يفترض ان توافق عليه الحكومة اللبنانية، التي كانت اتخذت قبل أسبوعين قراراً بتجديد انتداب القوة الدولية سنة جديدة اعتباراً من نهاية شهر آب الحالي.
الحريري في الكويت الأحد
إلى ذلك، رجحت مصادر وزارية، ان يعود مجلس الوزراء إلى الاجتماع يوم الأربعاء المقبل في بعبدا، حيث سيكون على جدول أعماله تعيين محافظ جبل لبنان المرشح له القاضي محمّد مكاوي، ان تعيين محافظ البقاع والمرشح له القاضي رولان شرتوني، فدونه إشكالية لم تحل بعد، مما يستوجب تأجيل هذا التعيين، إلا إذا ارتأى الرئيسان عون والحريري تأجيل الموضوعين معاً.
وأكدت المصادر ان الرئيس الحريري الذي غادر بيروت في زيارة خاصة إلى الخارج، بعد ان رعى حفل إطلاق المنصة الالكترونية لربط المغتربين بوطنهم الام بغياب وزير الخارجية جبران باسيل، رغم انه الوزير المعني بالمغتربين، وكان مدعواً إلى الحفل، سيزور الكويت يوم الأحد المقبل ليوم واحد، حيث سيلتقي اميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ونظيره الكويتي وكبار المسؤولين، بقصد تعزيز العلاقات بين لبنان والكويت، بعدما أرخت تداعيات الاتهامات التي وجهتها محكمة التمييز في الكويت «لخلية العبدلي» بثقلها على هذه العلاقات.
جرود رأس بعلبك
وفي انتظار الساعة صفر لبدء معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك من الإرهاب المتمثل بوجود تنظيم «داعش» في هذه الجرود، واصلت عواصم القرار مدّ المؤسسة العسكرية بدعم مادي ومعنوي، وفيما يرتقب ان تتسلم مدرعات «برادلي» أميركية في الساعات المقبلة، أكّد القائم بالأعمال البريطاني بن واستينج من السراي «دعم المملكة للجيش اللبناني باعتباره المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان، وهو الوحيد الذي نجح وبمفرده في صد غزو داعش في العام 2014، والذي يُشكّل الحجر الأساس للسيادة اللبنانية».
في هذا الوقت، واصلت مدفعية الجيش سياسية اشغال ارهابيي التنظيم في الجرود، عبر القصف المتقطع لمواقعهم وتحركاتهم، وقد أعلنت قيادة الجيش مديرية التوجيه في بيان «أن وحداتها استهدفت بالمدفعية الثقلة وراجمات الصواريخ والطوافات، عدداً من مراكز الارهابيين وتجمعاتهم في جرود منطقة رأس بعلبك والقاع، وحققت اصابات مباشرة في صفوفهم.