بدا من المواقف المتناقضة حول موضوع تطبيع العلاقة مع سوريا أنّ الحكومة قد تكون مهدَّدة بتصعيد سياسيّ متبادَل يُعرّضها لانقسامٍ، وربّما إلى أكثر من ذلك، قد لا تشفع معه دعوةُ رئيس الجمعهورية إلى حوار اقتصادي ـ مالي يلبس لبوساً سياسياً في سلسلة الرتب والرواتب وضرائبها الاثنين المقبل. ويرى مراقبون أنّ ما حصل في جلسة مجلس الوزراء حول العلاقة مع سوريا من باب البحثِ في زيارة وزراء إلى دمشق يكشف أنّ فريقاً من القوى السياسية قد اتّخَذ قراراً بالدفع في اتّجاه وضعِ العلاقة اللبنانية ـ السورية على سكّة التطبيع في ضوء تحرير جرود عرسال والمتغيّرات في الميدان السوري، وفي حال لم يتمّ التوافق الجماعي رسمياً على هذا الأمر فإنّ هذا الفريق سيذهب إلى «التطبيع بمنطق الأمر الواقع». ولكن في المقابل بدا أنّ هناك فريقاً آخر يعارض هذا التطبيع لأنه يَعتبر النظامَ السوري «فاقداً الشرعية»، ويستند هذا الفريق إلى المواقف الإقليمية والدولية التي تنزع الشرعية عن هذا النظام، كذلك يستند إلى معطيات تشير إلى أنّ واشنطن ربّما تكون الآن في صَدد خوض مواجهة مع إيران على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد إنجاز تحرير جرود القاع ورأس بعلبك، والذي يرجَّح أن يتزامن مع صدور الدفعة الجديدة من العقوبات الأميركية على طهران و«حزب الله» والتي اقتربَ موعدها.
في غمرة الانقسام الحكومي حول موضوع التنسيق اللبناني ـ السوري، نَقل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الإشكالية التي تثيرها سلسلة الرتب والرواتب الى مستوى جديد من النقاشات، من خلال دعوته المجتمعَ اللبناني بكلّ قطاعاته، الى التحاور في قصر بعبدا إلى جانب وزراء يمثّلون، إلى حقائبهم، القوى السياسية التي ينتمون إليها، والتي تتكوّن منها الحكومة. وتحوّل الحوار بالتالي حواراً مثلّث الأضلع بين أرباب العمل والعمّال والقوى السياسية في البلد.

ودعا عون، الذي استقبل وزيرَ المال علي حسن خليل، إلى لقاء حواري في بعبدا الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل «للبحث في مختلف وجوه الخلاف والتناقض واختلاف الآراء حول قانونَي سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، وإحداث بعض الضرائب لغايات تمويلها، في حضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء المختصين، وحاكِم مصرف لبنان، وممثّلين عن الهيئات الاقتصادية والعمّالية والمالية، ونقباء المهن الحرة، والمدارس الخاصة، والمعلمين في المدارس وأساتذة الجامعة اللبنانية».

تعقيدات واضحة

وتَبيَّن من خلال مضمون الدعوة الى هذا الحوار أنّ المتضرّرين والمستفيدين والمعترضين على السلسلة أو الضرائب سيكونون على طاولة واحدة لتبادلِ الآراء. لكنّ علامة الاستفهام المطروحة تدور حول ما هو الجديد الذي سيقدّمه كلّ طرف، ما دامت المواقف مفرَزة ومعروفة، وهي تتناقض الى حدِّ المواجهة الحادّة؟ فهل سيكون مسموحاً تحويل الحوار الاقتصادي سوقَ عكاظ؟

وما هي الخلاصات التي قد يخرج بها حوار محكوم بتوقيت قصير المدى، إذ سيكون أمام عون نحو أسبوع فقط إذا أراد ردّ قانونَي السلسلة والضرائب؟ وهل هذه الفترة كافية للتوصّل إلى تفاهمٍ حول لائحة طويلة من المطالب والثغرات والشوائب المخالفة للقوانين؟

مصادر بعبدا قالت لـ«الجمهورية» إنّ عون «دعا إلى الحوار لكي يستنيرَ بآراء المعنيّين بملف السلسلة، تمهيداً لممارسة حقّه الدستوري في اتّخاذ القرار المناسب، والهدف الأساس هو الاستماع الى آراء الجميع وتقويم الصورة». وأوضَحت المصادر أنّ «الدعوة تشمل جميعَ المعنيين بالشأن المالي والاقتصادي، من هيئات نقابية ومطلبية واقتصادية، أي ما يعني جميعَ شركاء الإنتاج في كلّ القطاعات».

واستغربَت «محاولة تصوير الدعوة إلى الحوار وكأنّها اختزال للمؤسسات، لأنّ الحوار أصلاً هو مِن الأسس التي يَرتكز عليها لبنان، وإذا فقِد هذا الحوار فمعنى ذلك أنّ علّة وجود لبنان فقِدت، ومِثل هذا الحوار كان يُفترض أن يجري في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، ولكنْ والحال التي نحن فيها أوجبَت الدعوة إلى هذا الحوار حول موضوع حسّاس يفترض أن يقارَب بكلّ عقلانية وموضوعية».

برّي

واعتذرَ رئيس مجلس النواب نبيه بري عن تلبيةِ دعوةِ عون إلى المشاركة في اللقاء الحواري، لكنّ وزراء حركة «أمل» سيَحضرونه . ولم يشَأ التعليق أمام زوّاره على هذا التوجّه الرئاسي سلباً أو إيجاباً.

عون

وقال النائب آلان عون لـ«الجمهورية» إنّ رئيس الجمهورية «بعدما استمعَ إلى كلّ الاعتراضات والأفكار من كلّ جهة على حِدة، يسعى من خلال هذه المبادرة إلى جمعِ كلّ الجهات المعنية من وزارات وهيئات اقتصادية واتّحاد عمّالي عام إضافةً إلى حاكم مصرف لبنان، في نقاش مشترك بغية التوصّلِ الى توافق حول التعديلات التي يجب إجراؤها على قانَوني السلسلة والإيرادات.

إنّ هذه المبادرة الرئاسية الجامعة تنمّ عن حكمة ومسؤولية كبيرة يتحلّى بهما رئيس الجمهورية لمقاربةِ ملفّ شديد الحساسية والخطورة من ناحية تداعياته الاقتصادية والمالية، بعيداً من التسرّع والمزايدات التي خضَع لها هذا الملفّ سابقاً».

«الكتائب»

ورأى مصدر كتائبي مسؤول في دعوة عون إلى الحوار «إدانةً سياسية مباشرة للكتل النيابية التي صوَّتت على الضرائب عشوائياً بعيداً من المعايير العلمية والاقتصادية والمالية والاجتماعية الواجب أخذُها في الاعتبار».

وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ الخطوة الحوارية الجديدة تعكس التخبّط الذي تعاني منه المؤسسات الدستورية في ظلّ شلِّ عملِها وتحويلها معابرَ لتهريب التنفيعات من تلزيمات وتعيينات. والمدعوّون إلى الحوار من أهل السلطة هم المسؤولون عمّا وصلت إليه الامور، فهل تعالَج المشكلة بمن هم سبب المشكلة؟ وهل سيَحضر الحوار من اتّهم حزب الكتائب بالشعبوية لأنّه حذّر من مخاطر الضرائب العشوائية؟».

وأضاف: «كلّ مَن يفشل في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية في الدول الديموقراطية يستقيل من مسؤولياته. وبالتالي أيّ معالجة جدّية للوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي والاجتماعي يجب أن تمرّ حكماً برحيل أركان السلطة الذين أثبتوا فسادَهم وتفضيلَهم مصالحَهم الفئوية على المصلحة العامة.

لقد أثبتت التطوّرات مجدّداً أنّنا كنّا على حقّ في معارضتنا الضرائبَ العشوائية، وسبقَ لرئيس الحزب النائب سامي الجميّل أن رَفع إلى الرئيس عون قبل أسبوعين دراسةً تفصيلية مبنية على أسُس علمية في شأن الضرائب وانعكاساتها السلبية».

التنسيق مع سوريا
من جهة ثانية، ظلّ موضوع التنسيق مع سوريا والزيارة المقرّرة لبعض الوزراء الى دمشق موضعَ ردودِ فعلٍ وانقسام بين القوى السياسية، وذلك في ضوء ما شهدَته جلسة مجلس الوزراء أمس الأوّل من نقاش أظهَر عدمَ توافقٍ على هذا التنسيق.

أبي نصر

وقال النائب نعمة الله أبي نصر لـ«الجمهورية»: «إنّ الدولة اللبنانية تتعامل مع سوريا بنحوٍ غيرِ مباشر عندما تشتري الكهرباءَ منها وعندما يفاوض المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم باسمِ لبنان لتحرير جرود عرسال بعد تحرير راهبات معلولا والعسكريين. وعندما نصل إلى عودة النازحين السوريين يقول البعض ممنوع التعامل مع سوريا.

هناك فئة تريد بقاءَهم لأسباب ديموغرافية، ونَستغرب كيف أنّ لوزارة شؤون النازحين موقفاً معارضاً لعودتهم، فيما مهمتُها الأولى هي إعادتهم. هناك فئة مسرورة بالمساعدات التي تقدَّم لهم وتعمل لتجذيرهم في لبنان تمهيداً لمنحِهم الهوية اللبنانية، تماماً كما حصَل مع الفلسطينيين، حيث جُنّسَ منهم زهاء مئة ألف.

وأؤيّد التعامل مع سوريا قطعةً واحدة وبمواضيع معيّنة، فطلبُنا تحرير الجرود لا يَعني الارتماءَ في أحضانها، جميعُنا طالبَ بخروج جيشِها، فإلى متى سنبقى على هذا الوضع؟ مَن أوصَلنا إلى هنا هم من طالبوا بمجيء سوريا وهم أنفسُهم ينَظّرون اليوم ويَرفضون التعامل معها. ولذا علينا النظر إلى مصلحة لبنان العليا بثبات».

علّوش

وقال النائب السابق مصطفى علوش لـ«الجمهورية»: «هناك مجموعة من اللبنانيين المرتبطين سياسياً وأمنياً بالنظام السوري يحاولون الآن بأمرِ عمليات من قيادتهم في طهران إقحامَ لبنان واستتباعَه بمحور ما يسمّى الممانعة. لكنّ لبنان ملتزم بالشرعية الدولية، وهذا النظام الذي يريدوننا أن نتعامل معه لا يزال قيدَ البحث داخلَ الأروقة الدولية، وقادتُه سيذهبون إلى المحكمة الدولية في أيّ وقت».