أزماتٌ كثيرة حاولت الحكومة معالجتها، فاعتمدت في بعضها سياسة «النأي بالنفس» عنها، كطلب سحب ملف النازحين السوريين من دائرة المناقشات، فيما أخذت في البعض الآخر موقفاً رمادياً، حيث فتحت الجدال واسعاً أمام الأفرقاء بين مؤيّد ومعارض، كدور «حزب الله» في تحرير جرود عرسال من «جبهة النصرة».
يواحه الجيش اللبناني معركة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في جرود القاع ورأس بعلبك. صحيح أنّ الحكومة أعطت الضوءَ الأخضر للقيادة العسكرية، مع تغطية كاملة لكلّ أعمالها في هذه المعركة، إلّا أنّ الأزمة بدأت داخل الحكومة في هذا الموضوع حول طلب التنسيق مع القيادة العسكرية السورية أو عدمه، كون الجغرافيا هناك يحكمها كثير من التداخل.
ويبقى موضوع الزيارة التي طالب بها وزير الإقتصاد رائد خوري، إضافة إلى عدد من الوزراء إلى سوريا، أزمة الأزمات. إذ أثار هذا الطلب مروحة كبيرة من الجدل الحادّ بين مَن وافق، ومَن عارض، ما دفع رئيس الحكومة الى إتّخاذ قرار بعدم تغطية رسمية لأيّ وزير يقوم بها، فسحب على مضض فتيلَ القطيعة بين الوزراء.
اللافت في معظم هذه الأزمات والقضايا التي تطرح على مجلس الوزراء، أنّها كلها تدخل في إطار الجدال الدائر بين مَن يريد فتح باب الحوار مع الحكومة السورية، ومَن يرى في هذا الحوار تعويماً جديداً لنظام بشار الأسد، كما ذكر رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.
أمام هذا النقاش الحاد بين الأفرقاء، تُطرح الإشكالية الآتية: هل هذا التنسيق يخدم القضايا اللبنانية التي لها علاقة بين البلدين؟ أم إنّه امتداد لتسوية إقليمية تعطي الشرعية الدولية للحكومة السورية، ولنظام الأسد فيها؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحرب الإقليمية تمتدّ جذورها في صلب الحياة اللبنانية، الأمر الذي يضع الحكومة أمام حيثية واقعية ستدفع بها عاجلاً أم آجلاً إلى التفاوض مع الحكومة السورية لبتّ المسائل العالقة بين البلدين، أو المشتركة، خصوصاً أنه لا تلوح في الأفق أيّ بشائر حلّ في مستقبل سوريا، طالما أنّ موضوع بقاء الأسد لم يعد من أولويات الدول الكبرى.
لهذا، لا يجب أن يكون قرارُ التفاوض مع النظام السوري، أم عدمه، منطلقاً من مشاعر العداء أو الصداقة لهذا النظام. بل يجب أن يُبنى على أساس المصلحة العليا للبلد، خصوصاً أنّ بعض المسائل لا تستطيع الدولة اللبنانية معالجتها، حتى مع المجتمع الدولي.
إنّ مسألة النظام السوري واستمراره ترتبط بمشروع روسي - إيراني في المنطقة، إضافة إلى التخاذل الأميركي في حسم الموقف منه. لذا، لا يستطيع اللبناني الإنتظار كثيراً، إلى أن يحصل تحوّلٌ في المنطقة، مع ملايين النازحين الذين باتوا يشكلون ضغطاً إقتصادياً وإجتماعياً، وحتى أمنياً من خلال عمليات السرقة والقتل وغيرها. ومع إرهاب متربّص على حدوده الشرقية، قادر على اختراق الداخل عبر عمليات إرهابية تنفّذها خلاياه النائمة.
أخيراً، لا شكّ في أنّ الحكومة ستكون أمام استحقاقات كبيرة، قد يشكل البعض منها مفاجأة غير سارة لها على صعيد ديمومتها. لهذا، فمن المنتظر منها اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، والدفع بالقضايا والأزمات التي قد تشكّل خطراً على تماسكها إلى عدم البتّ بها، لأنّها من الأساس وُلدت حكومة بهدف وضع قانون إنتخابي لإجراء الإنتخابات، وليس معالجة الأزمات التي بات بعضها مستعصياً، طالما أنّ حياتها لا تتعدّى بضعة أشهر، في انتظار إجراء الإنتخابات النيابية في أيار 2018.