ليست بريئة على الإطلاق محاولات إثارة المسائل الخلافية داخل اجتماعات مجلس الوزراء، والتي من شأنها توسيع الشرخ الحكومي وتعميق الانقسام بين مكوناتها، رغم ان الجميع يسلم بوجود التناقضات داخلها منذ لحظة تشكيلها، حتى بات يُطلق عليها «حكومة الزواج بالاكراه».
وإذا كان من حق كل مكون حكومي ان يطرح ما يريد من ملفات ورؤى سياسية، إلا ان اللافت مؤخراً كان في توقيت طرح هذه المسائل قبل وأثناء انطلاق معارك تحرير الجرود في السلسلة الشرقية، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع النظام السوري، تارة عبر وجوب قيام تنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لإعادة النازحين السوريين، وتارة بضرورة التنسيق بين الجيشين لخوض معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك، وصولاً إلى مسألة زيارات الوزراء للعاصمة السورية، رغم ان الجميع يعرف ان هذه الزيارات قائمة وتتم بدواع شخصية، وسبق للوزير السابق سجعان قزي أن كشف بأن أكثر من 7 وزراء في حكومة «استعادة الثقة» يزورون دمشق اسبوعياً.
وفي تقدير مصادر حكومية، انه إذا كانت ضغوط «حزب الله» على الحكومة مفهومة، في إطار محاولاته تعويم النظام السوري وتوفير مظلة شرعية لممارساته، إلا انه ليس مفهوماً ان تثار مسألة زيارات الوزراء إلى سوريا الا بقصد تأمين غطاء رسمي لهذه الزيارات، تحت عنوان عريض، ومثير للشهية، وهو «إعادة اعمار سوريا»، مع ان الجميع يعرف ان أي مؤتمر لاعمار سوريا، والذي تتجاوز كلفته الـ500 مليار دولار، لا يمكن ان يقوم الا باموال عربية وأميركية وأوروبية، ولا يستطيع ان يوفّر مثل هذه الكلفة لا إيران ولا روسيا ولا حتى النظام الذي دمر سوريا مع حلفائه مثل حزب الله والميليشيات الأخرى، وهو ما احبطه الرئيس سعد الحريري في اللحظة الأخيرة عندما طلب شطب كامل محضر النقاش حول زيارات هؤلاء الوزراء، وبعد المداخلة الحادّة لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي استغرب أسباب هذا التهافت على زيارة دمشق، والضجيج الاعلامي حولها، رغم ان العلاقات الدبلوماسية قائمة وقديمة بين البلدين، ولم تلغ أو تقطع، مشيراً إلى ان الحكومة غير معنية لا بالشكل ولا بالمضمون بهكذا زيارات.
وأعربت مصادر وزارية لـ«اللواء» عن اعتقادها أنه لم يكن بإمكان الحكومة أن تتخذ أي قرار أفضل من ذلك الذي اتخذته في ما خص زيارات وزراء إلى سوريا، مؤكدة أن الملف كاد أن يفجر الحكومة لولا المقاربة التي تم الاتفاق حولها. ولفتت إلى أن الحكومة ملتزمة بكل ما ورد في بيانها الوزاري ومصممة على مواجهة أي تصدع وان الوزراء المعترضين على بعض القرارات والذين يسيرون وفق مبدأ التعاطي ضمن الواقعية السياسية القائمة لن يكونوا السبب في إنفراط عقد الحكومة.
وبهذه النتيجة، ابتدع مجلس الوزراء مخرجاً للأزمة المستجدة حول زيارة وزراء المال والصناعة والزراعة علي حسن خليل، وحسين الحاج حسن وغازي زعيتر الى سوريا، فقرر «انه اذا أراد الوزير زيارة سوريا يذهب بنفسه وعلى عاتقه وليس بقرار من مجلس الوزراء، وذلك بناء لكلام الرئيس الحريري بالنأي بالنفس وعدم توريط لبنان في صراع المحاور الاقليمية»، وهو القرار الوارد في البيان الوزاري للحكومة.
مغادرة حمادة
وكانت الجلسة قد شهدت حماوة لافتة قبل انعقادها بسبب مواقف الوزراء المتضاربة حول زيارة سوريا، وبعد إنعقادها بخمس دقائق، حين طرح وزير التربية مروان حمادة السؤال عن مصير مرسوم قبول هبة من البنك الدولي لوزارة التربية بقيمة 150 مليون دولار لمساعدة الوزارة في تطوير المدارس والمناهج، والذي سبق واقر في مجلس الوزراء قبل مدة، فرد الرئيس الحريري انه لن يناقش اليوم لأنه ما زال بحاجة الى درس وعندما يجهز يعرض على مجلس الوزراء، فيما اعتبر وزير الخارجية جبران باسيل ان مجلس النواب سبق واقر هذه الهبة وبالتالي يجب ان يكون قرار مجلس الوزراء مطابقا لمااقره مجلس النواب. وهو ما ازعج الوزير حمادة الذي غادر الجلسة غاضبا فلحق به الوزراء نهاد المشنوق ومحمد كبارة ومعين المرعبي لثنيه عن المغادرة لكنه اصر وغادر السراي، فيما استؤنفت الجلسة بشكل عادي.
واوضحت مصادر وزارية ان سبب عدم توقيع المرسوم هو طلب الوزير حمادة تغيير شروط الهبة بما يجعل وزارة التربية هي الوصية على كل ما يتعلق بالهبات وعلى المركز التربوي التابع للوزارة والمعني بتوزيع الهبات.
أما مصادر الوزير حمادة فكشفت ان سبب رفض الهبة يعود الى رغبة «التيار الوطني الحر» في حصر موضوع الهبات بموظفة في الوزارة (صونيا خوري) سبق وعيّنها الوزير السابق الياس بوصعب، بينما هذا الامر هو حصرا بيد الوزير. وقد اتصل حمادة بعد مغادرته بكل من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ووضعهما في صورة ما جرى.
واكتفى حمادة بالقول بعد الجلسة لموقع جريدة «الانباء» الناطقة بلسان الحزب التقدمي الاشتراكي: خرجت من الجلسة احتجاجاً على تجاوز صلاحيات المجلس والوزراء وإمتناع الرئاستين الأولى والثالثة عن توقيع مرسوم أقره مجلس الوزراء، ووقعت بموجبه إتفاقية الهبة المقدمة من البنك الدولي لمختلف قطاعات وزارة التربية، من مناهج عبر المركز التربوي ودعم هيكلية الوزارة البنيوية والبشرية ومساندة مشروع تعليم الأولاد غير اللبنانيين.
اضاف «يبدو ان إصرار البعض من وزراء ظل وغرف مغلقة على وضع تنفيذ الهبة خارج التراتبية الملحوظة في القوانين المرعية الإجراء، وتخطي المديريات العامة والمركز التربوي، وقرب نفاد المهلة المتفق عليها مع البنك الدولي لإطلاق التنفيذ، وبالتالي تعطيل إطلاق الورش التي يطالب لبنان يومياً المجتمع الدولي بدعمه ثم يؤخرها لأغراض شخصية وإنتخابية، كل هذه الأسباب مجتمعة دفعتني إلى الخروج من جلسة مجلس الوزراء وربط نزاع اساسي يتعلق بأحكام الدستور واتفاق الطائف».
وحول موضوع زيارة الوزراء الى سوريا، اعترض وزراء «القوات اللبنانية» والوزير محمد كبارة على اعطائها الطابع الرسمي بعلم وقرار من مجلس الوزراء، طالبين توضيح اسبابها واهدافها «وما اذا كان وراءها دوافع اخرى غير المشاركة في معرض دمشق»، واصروا على ان تكون زيارة خاصة وانه لا يمكن تطبيع العلاقات اللبنانية – السورية. بينما رد وزير الخارجية جبران باسيل ان العلاقات الرسمية ما زالت قائمة بين لبنان وسوريا، مشيراً الى ان مجلس الوزراء سبق وعين في الجلسة السابقة سفيرا جديدا للبنان في دمشق. وايده في ذلك وزراء حركة امل و«حزب الله» ووزير الحزب القومي علي قانصو.
وتردد ان وزير الداخلية نهاد المشنوق طرح ان يعرض الموضوع على التصويت، لكن الرئيس الحريري اقفل النقاش وطلب سحب الموضوع من محضر الجلسة نهائيا وكأن النقاش لم يحصل حوله.
واوضح الوزراء المؤيدون للزيارة انهم لم يكونوا يطلبون قراراً رسمياً من الحكومة بتغطية الزيارة بل كان طرحه لاخذ العلم بالزيارة، وهكذا كان. فيما قال وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري انه تلقى دعوة رسمية لزيارة سوريا من نظيره السوري لمناقشة العلاقات الاقتصادية بين البلدين وانه سيلبيها، لكنه تصرف وفق الاصول بحيث رفع كتابا الى وزارة الخارجية والى الامانة العامة لمجلس الوزراء يعلمهما بالدعوة ونيته بالزيارة للمشاركة ايضا في معرض دمشق الدولي.
وتطرق النقاش الى تحضيرات الجيش لخوض معركة تحرير جرود القاع وراس بعلبك، وكان تأكيد من جميع الوزراء على الثقة التامة بالجيش وتفويضه وحده تحرير المنطقة، فيما رفض وزراء «القوات» اي تنسيق بينه وبين الجيش السوري و«حزب الله».
الى ذلك، سحب وزير الداخلية بند تلف موسم الحشيشة في البقاع من جدول الاعمال، لحين تسنح الظروف اكثر في البقاع لتنفيذ القرار وعدم إشغال قوى الامن الداخلي والجيش به.
وفي حين لم يتطرق مجلس الوزراء الى موضوع الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان مثلما توقعت «اللواء» امس، الغى الرئيس الحريري اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة دراسة تطبيق قانون الانتخاب الجديد، الذي كان مقررا أمس، واستعيض عنه باجتماعات جانبية بين رئيس الحكومة وبعض الوزراء لمعالجة بعض المواضيع الخلافية التي شهدتها جلسة مجلس الوزراء امس.
وفي المعلومات ان وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبوعاصي طرح خلال الجلسة إمكان قيام وفد وزاري بزيارة الكويت لتأكيد العلاقات الأخوية المتينة التي تربط البلدين، فأجابه الرئيس الحريري انه ذاهب إلى الكويت في نهاية الأسبوع، وستكون الزيارة بمثابة تأكيد على هذه العلاقات.
السلسلة
وسط هذه الأجواء، عادت سلسلة الرتب والرواتب بقوة إلى دائرة الضوء، مع بوادر مواجهة بين الرئاستين الأولى والثانية حولها، ففي حين لم يتخذ رئيس الجمهورية ميشال عون بعد أي خطوة عملية حيال قانونها الذي أحيل من مجلس النواب الى بعبدا، فإما أن يوقّعه أو يردّه الى البرلمان لدرس بعض جوانبه مجددا، دلّت مواقف الرئيس عون أمس الى ان الخيار الثاني بات غالبا. مع ان مصادر بعبدا اقترحت طاولة حوار اقتصادية وبعدها يتخذ القرار.
اذ أعلن خلال استقباله وفدا من الهيئات الاقتصادية «أن قانون السلسلة قيد الدرس بعد احالته الى رئاسة الجمهورية، تمهيدا لاتخاذ الموقف المناسب منه على نحو يزاوج بين ما ترتبه السلسلة الجديدة من حقوق للمستفيدين منها من جهة، وما يحفظ الاستقرار الاقتصادي وسلامة المالية العامة». وأكد «ان معالجة الاوضاع المعيشية والاجتماعية الضاغطة والانعكاسات الاقتصادية، تحتاج الى عمل مشترك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لأن ما يصدر عن هاتين السلطتين يرتب مسؤوليات كبيرة ينبغي تحمل نتائجها».
وفي المقابل، شكّك الرئيس نبيه بري في إمكان «رد رئيس الجمهورية للسلسلة، علما ان توقيع القانون أو ردّه حق دستوري له»، مؤكدا ان «السلسلة حق مزمن لأصحابها». غير ان بعض النواب الذين شاركوا في «لقاء الاربعاء» كشفوا عن «احتمال تشكيل لجنة تدرس التعديلات التي يمكن إدخالها الى السلسلة».
وليس بعيدا، أعلن وزير العدل سليم جريصاتي من عين التينة «أننا سنتقدم باقتراح قانون معجل مكرر يخرج قانون صندوق التعاضد من السلسلة ويخصص القضاة في عطلتهم».
إنهاء خدمات صادر
وحول ما أثير بشأن القاضي شكري صادر، قال جريصاتي:«لقد تم التنسيق مع القاضي صادر قبل القرار ولكن وزارة العدل عملا بموجب التحفظ لا تعلن عما يجري .. ولفت إلى ان القاضي صادر قبل قرار نقله وهو تمنى انهاء خدماته وتمت تلبية طلبه وإتخذ مجلس الوزراء قرارا بإنهاء خدماته بناء لطلبه، كي يصبح رئيس مجلس الشورى الشرفي ويتمتع بحقوقه كافة بهذه الصفة.
وكشف ان الملف اقفل، وانه تمنى على صادر الامتناع عن الكلام، فأكد له الأخير انه قاضٍ وسيبقى قاضياً، لكن صادر أكد لمحطة mtv مساء انه بات في حالة الطلاق مع الحكم وانه كان يتقاضى راتبه لمحاكمة الوزراء وليس لمسايرتهم.
تعديلات صلاحيات 1701
في غضون ذلك، نفت مصادر حكومة لـ«اللواء» ان يكون أي مسؤول أميركي قد طرح مع الرئيس الحريري أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، أي شيء يتصل بموضوع تعديل صلاحيات قوات الأمم المتحدة «اليونيفل» في جنوب لبنان، بموجب القرار 1701.
ولفتت المصادر ذاتها إلى ان القرار الدولي لا يمكن تعديله، ولكن أي تعديل في صلاحيات القوة الدولية يحتاج إلى قرار جديد، يفترض ان توافق عليه الحكومة اللبنانية، التي كانت اتخذت قبل أسبوعين قراراً بتجديد انتداب القوة الدولية سنة جديدة اعتباراً من نهاية شهر آب الحالي.
وجاء هذا التوضيح الرسمي في أعقاب ما اثير في واشنطن قبل يومين، من اتجاه لديها لمضاعفة الضغوط لانتزاع قرار دولي أكثر تشدداً حيال ما تراه الإدارة الأميركية الجديدة «انتهاكات» يمارسها حزب الله للقرار 1701، وتوافقها فيه الأمم المتحدة، حيث أكّد أمينها العام انطونيو غوتيرس قبل أيام انه «يدرس سبل تعزيز قدرة «اليونيفل» لمواجهة الانتهاكات المتمثلة بوجود أسلحة وبنية تحتية غير شرعية في منطقة عمل القوة الدولية».
وعلى أي حال، وفي انتظار ما سيقرّره مجلس الأمن في هذا الموضوع، فإن «ما يحصل على ضفة الـ1701، لا يمكن في الواقع فصله عن مسار دولي عموماً وأميركي خصوصاً، انطلق مع دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، هدفه تضييق الخناق على إيران واذرعتها في المنطقة، و«حزب الله» من أبرزها، لا سيما وأن الكونغرس الأميركي يستعد لإصدار رزمة عقوبات جديدة على «الحزب» لتجفيف منابع تمويله.
يُذكر ان الدول المشاركة في «اليونيفيل» ستعقد اجتماعاً تشاورياً في مجلس الأمن في 22 آب الجاري، يليه بعد يومين اجتماع تشاوري آخر حول «اليونيفيل» أيضاً، وقد أبلغ لبنان عبر القنوات الدبلوماسية المعنية بأن التجديد للقوات الدولية سيحصل بصورة اعتيادية، وأن لا اعتراضات أو عراقيل من أي جهة على الموضوع.
جبهة الجرود
في هذا الموقف، عادت السخونة إلى جبهة جرود القاع ورأس بعلبك، حيث أفادت المعلومات عن قيام الطيران الحربي اللبناني من نوع «سيسنا» مساء أمس بقصف مواقع تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والبقاع، متزامناً مع قصف مدفعي متقطع، مع تحليق للطيران المروحي على علو منخفض، قصف بدوره هذه المواقع.
وبينما غرد رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» داعياً إلى الكف عن هذا الضجيج الإعلامي حول عملية الجيش في القاع كشفت مصادر سياسية في الثنائي الشيعي عن معلومات وضعتها بالمهمة حول سير الخطة العسكرية إذا فشلت المفاوضات التي تتولاها أكثر من جهة لتأمين خط آمن لخروج إرهابيي «داعش» إلى سوريا، مقابل كشف مصير العسكريين المخطوفين، وفيها ان «حزب الله سيعمد إلى مؤازرة الجيش من خلال قصف مراكز «داعش» بالمدفعية والصواريخ واعطائه إحداثيات عن أماكن تواجدهم، فضلاً عن ان الطاقات السورية ستساند جواً على الجبهتين اللبنانية والسورية، إذ تعتبر هذه المنطقة متداخلة جغرافياً بين البلدين.