من ملف النازحين مروراً بمعركة الجرود وصولاً إلى الزيارات الوزارية.. تعددت المحاولات وهدفها واحد: فك عزلة نظام بشار الأسد والسعي إلى تسخير «الرئة اللبنانية» لإعادة إنعاش نظامه المخنوق عربياً وإقليمياً ودولياً. فبعد استخدام «حزب الله» معاناة النازحين في بازار التسويق لفكرة التنسيق مع النظام الذين هربوا من بطشه لإعادتهم إلى حضنه، وما تلا ذلك من استخدام معركة الجرود كمطيّة للنفاذ تحت غبارها نحو جادة التنسيق العسكري اللبناني مع جيش النظام السوري، ها هي محاولة يائسة جديدة يقودها الحزب لتطويع لبنان الرسمي وزجّه في عملية تطبيع مفتعلة مع الأسد تحت لواء «الزيارات الوزارية» إلى دمشق، لكن وكما سابقاتها من المحاولات التي اصطدمت من جهة بتمسك الحكومة الصلب بالقنوات الأممية والقوانين الدولية في عودة النازحين، ومن جهة أخرى برفض الجيش اللبناني أي تنسيق مع الجيش السوري و«حزب الله» في عملية تحرير الجرود اللبنانية وسط تأكيد المجلس الأعلى للدفاع التزام لبنان الرسمي «التحالف الدولي ضد الإرهاب»، سرعان ما لاقت المحاولة الجديدة موقفاً حازماً من الحكومة اللبنانية أجهضها ووضعها في مهب الحراك الوزاري الشخصي بلا أي غطاء أو تكليف حكومي.

وفي مجريات جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في السراي الحكومي، كما نقلتها مصادر وزارية لـ«المستقبل»، أنّ المسألة أثيرت حين أبلغ وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري مجلس الوزراء أنه تلقى دعوة سورية للمشاركة في معرض اقتصادي في دمشق، فتلقّف الوزير حسين الحاج حسن الموضوع لينادي باسم «حزب الله» بزيارات وزارية لبنانية إلى سوريا، ثم ما لبث أن اعترض وزراء «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» على زجّ الحكومة اللبنانية في أي عملية تطبيع مع النظام السوري، وقدّم وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في هذا الإطار مداخلة حادة إزاء الأمر مستغرباً توقيت طرح مثل هذه الزيارات إلى سوريا في وقت الديبلوماسية قائمة بين البلدين، وسط تشديده على كونه موضوعاً «لا يعني الحكومة لا من قريب ولا من بعيد» مع التحذير من مغبة «الانقسام والشرذمة في المواقف بين اللبنانيين».

ومنعاً للاستفاضة في هذه المسألة، حسم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري النقاش بإشارته إلى أنها «مسألة خلافية كبرى»، مذكراً بوجوب التزام «النأي بالنفس كسياسة عامة لحكومة استعادة الثقة وعدم توريط لبنان في صراع المحاور»، وشدد في ما يتعلق بمعركة جرود القاع ورأس بعلبك ضد «داعش» على قرار مجلس الوزراء «إعطاء الأمر للجيش لاتخاذ ما يلزم وفي الوقت الذي يراه مناسباً لحسم المعركة ضد الإرهاب». وبعد موقف الحريري، لفتت إشارة وزير الخارجية جبران باسيل إلى تأييد اعتبار أي وزير يقوم بزيارة سوريا إنما يزورها بصفته الرسمية من دون أن يكون مكلفاً من الحكومة، بينما عاد فلخّص وزير الإعلام ملحم رياشي للإعلاميين بعد انتهاء الجلسة خلاصة ما توصل إليه مجلس الوزراء إزاء هذا الموضوع بالقول: «اذا أراد الوزير زيارة سوريا يذهب بنفسه وليس بقرار من مجلس الوزراء الذي ينأى بنفسه عن الصراعات والمحاور الإقليمية بإعتبار أنّ الحكومة هي حكومة وحدة وطنية».

جعجع

ولاحقاً، برز المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب مؤكداً أنه «من المستحيل تعويم نظام بشار الأسد على حساب لبنان»، وقال: «فوجئنا بأن بعض الوزراء يريدون زيارة سوريا بصفة رسمية لإتمام بعض الاتفاقات الاقتصادية والمشاركة في معارض لإعادة الإعمار وكأنّ هناك اقتصاداً في سوريا»، مضيفاً: «الأمور كما طُرحت في مجلس الوزراء غير مقبولة على الإطلاق، فنحن لن نقبل بأي تعاطٍ رسمي بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية لسبب بسيط هو أن الأخيرة غير موجودة، ونعتبر أنّ هذه المحاولات هي في غير مكانها وتضرّ بالشعب اللبناني وتعزلنا عن بقية الدول العربية والمجتمع الدولي، وبالتالي لن تقدم أي شيء للبنان إلا مزيداً من عدم الاستقرار والقفز نحو المجهول»، وختم محذراً الأفرقاء السياسيين من «هذه التصرفات التي تُهدد وجود الحكومة».