منذ فترة، يكرّر حزب الله ضرورة إعادة العلاقات مع النظام السوري إلى شكلها الطبيعي، ويدعو إلى التنسيق معه أمنياً، لمواجهة تنظيم داعش في المناطق الجردية اللبنانية والسورية. تساؤلات عديدة طرحت بشأن هذا الإصرار للتنسيق مع النظام السوري، بهدف يتجاوز التنسيق العسكري والأمني، الى السياسي، لإظهار أن ثمة محوراً إنتصر على آخر. تتعزّز هذه النظرة، في إعلان وزراء حزب الله وحركة أمل باستعدادهم لزيارة سوريا في الأسبوع المقبل، لبحث سبل التعاون بين البلدين.
لا شك في أن خطوة كهذه لها رمزيتها التي يريد حزب الله تكريسها، رغم أنها ستخلق اجواء سياسية متشنّجة وانقسامية، خصوصاً أن الوزراء الذين سيزورون دمشق، هم أعضاء في حكومة سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل الأكثر خصومة للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد. للخطوة دليل واضح بشأن مدى الغلبة التي ينطلق منها حزب الله. فهو لا يريد أن يترك مناسبة إلا ويؤكد من خلالها أنه المنتصر، وأن المعادلات في سوريا ستعود الى ما كانت عليه قبل العام 2011. صحيح أن هناك أصواتاً ستخرج معترضة، لكن السؤال الأساسي يبقى عما يمكن لهذه الأصوات أن تفعل أو تؤثّر لتمنع هذه الزيارة.
ليست الزيارات شكلية، بل هي تنسيقية، ولها دلالاتها التي أراد حزب الله تكريسها منذ فترة، بأن النظام السوري عاد الى سالف عهده. وبعدما كرر السيد حسن نصرالله الدعوة الى الحكومة للتنسيق مع النظام السوري، ولم يستجب أحد لدعواته، لجأ إلى الخطة (ب)، وهي فرض التنسيق بفعل الأمر الواقع. ثمة من يعتبر أن هذه الزيارات تم تنسيقها والتحضير لها، لدى زيارة مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان وسوريا قبل أيام. خلال الزيارة، تم إيجاد المخرج لهذا التنسيق، عبر توجيه دعوات رسمية من وزراء في سوريا الى نظرائهم في لبنان، لأن هذه الصيغة يصبح من الصعب رفضها ولا بد من تلبيتها. وهذا ما حصل.
ولدى سؤال مصادر عن سبب حصر الدعوات بوزراء أمل وحزب الله، تجيب بأن هذا لن يسبب حرجاً لأفرقاء آخرين. ووزراء أمل سيعملون على تلبية هذه الدعوات بدون قدرة اعتراض. وبذلك، سيكون التنسيق اللبناني السوري قد افتتح وأعيدت عملية التطبيع الرسمية اللبنانية مع النظام بدون اعتراض. فيما هناك من يهمس بأكثر من ذلك، معتبراً أن هناك وزراء آخرين يزورون سوريا أسبوعياً وهم محسوبون على رئيس الجمهورية، لكن ذلك يحصل بشكل غير علني، ويندرج في إطار التنسيق والتواصل.
يؤكد حزب الله وحركة أمل أن هذه الزيارات ضرورية، لأن كل الأوضاع تحتاج الى تنسيق بين لبنان وسوريا. ولبنان يتنفس من الرئة السورية، فيما يرتكز الخلاف بشأن إخراج هذه الزيارات، كي لا تحرج الحكومة. وفيما يعتبر تيار المستقبل أن الزيارات إلى سوريا غير أخلاقية وغير منطقية، ولا يمكن لها أن تحصل بدون الحصول على موافقة من مجلس الوزراء الذي يجب على أي وزير يريد اجراء زيارة الى دولة أخرى، وضع المجلس بتفاصيلها وخلفياتها، ثم يعود ويضعه بتفاصيل مباحثاته. بالتالي، فهؤلاء يعتبرون أنه لا يمكن حصول الزيارة بدون موافقة الحكومة. فيما هناك من يخرج أرنباً آخر يفيد بأن الوزير هو صاحب الوصاية على وزارته ويمكنه عدم أخذ الإذن من أي طرف لدى اتخاذه أي قرار. فيما هناك من يعتبر أن الحلّ الوسط سيتمثل بأن الزيارات تحصل بطريقة شخصية وغير رسمية.
في أي حال، وبمعزل عن هذه التفاصيل، فإن ذلك لا يلغي مبدأ دفع لبنان للعودة الى حضن النظام السوري. وثمة من يؤكد أن هذا لا يمكن أن يحصل بشكل منفصل عن التطورات الإقليمية والدولية، إذ يعتبر هؤلاء أن أي زيارة من هذا النوع، هي دليل على ميزان القوى الإقليمي، الذي يميل لمصلحة الأسد، أو أن هناك محاولة استباقية من جانب إيران وحزب الله، لأي متغيرات دراماتيكية في المستقبل، ضد النظام السوري. بالتالي، فهم يريدون استباق التنسيق، لإظهار موقفهم المنتصر.