إعلان شركة «رينو» الفرنسية للسيارات عن فتح معمل جديد لصناعة السيارات في إيران يمثل تحدياً أوروبياً للعقوبات الأميركية على إيران. فالعقوبات التي فرضها الرئيس ترامب أزعجت في شكل كبير القطاع الاقتصادي الأوروبي الذي كان هرول للاستثمار في إيران بعد رفع العقوبات الأوروبية على هذا البلد إثر الاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي. ومجموعة «رينو» التي يرأسها اللبناني كارلوس غصن لم تترك إيران حتى خلال العقوبات عليه. وشركة «توتال» للنفط عادت إلى إيران بعد رفع العقوبات للاستثمار في إنتاج الغاز من حقل «بارس». ومشروع استثماره بالبلايين وهو مهم جداً لـ «توتال» الفرنسية. كما باعت شركة «إرباص» مئات الطائرات لإيران فور رفع العقوبات عنها. أما الآن فالعقوبات الأميركية ستعقد الأمور للأوروبيين إذ إن البنوك الأوروبية تتخوف من العمل مع شركات إيرانية وضعت على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة لأنه سبق لبنك فرنسي مهم هو «بنك باريس الوطني» BNP أن اضطر إلى دفع غرامة بقيمة ٨.٩ بليون دولار لأنه خرق الحظر. إلا أن الصناعيين الأوروبيين يظهرون نية في البقاء على قرارهم بالدخول إلى السوق الإيرانية لأنهم يعتبرون البلد واعداً من ناحية حاجاته في جميع القطاعات.
إن وضع الاقتصاد الإيراني على رغم تحسن بسيط ما زال يعاني من توترات اجتماعية شديدة مع بطالة تصل إلى ١٦ في المئة وتمس الشباب. ومعظم القطاع الاقتصادي تسيطر عليه مؤسسات «الحرس الثوري» الذي يصرف أموالاً باهظة لتمويل الحروب وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. فإيران تمول «حزب الله» وحربه في سورية ووجوده وهيمنته على لبنان، وأيضاً تمول نفوذ قاسم سليماني في العراق وسورية. و «الحرس الثوري» يمول أيضاً الحوثيين وعلي عبدالله صالح في اليمن. فالانفتاح الاقتصادي الذي يصبو إليه الشعب الإيراني وخصوصاً الشباب منه سيصطدم بسياسة «الحرس الثوري» والمجموعة التي تدير سياسة إيران في الداخل والخارج وهي عازمة على إبقاء ثروة البلد في يدها. والدليل أن تعطش إيران إلى الاستثمارات الخارجية جعل البرلمان الإيراني يوافق على شروط عقود استثمار في قطاع النفط أكثر جاذبية من السابق. فكانت الشركات النفطية العالمية في السابق وقبل العقوبات مترددة في الدخول في عقود خدمات غير جاذبة للمستثمرين. ولكن القيادة الإيرانية أدركت بعد رفع العقوبات الأوروبية عنها أنها بحاجة إلى تحسين هذه الشروط لجذب الاستثمار لأن «الحرس الثوري» المسيطر على قطاع النفط عانى الكثير من قلة العائدات التي يحتاج إليها للتدخل وتوسيع النفوذ في كل المنطقة.
مما لا شك فيه أن إيران دولة كبرى مع طبقة اجتماعية مثقفة ولها تراث قيم ولكن قيادتها حالياً أهدرت كل ذلك ولو أن أوروبا وشركاتها تهرول للاستثمار فيها. فالقطاع الخاص في إيران يمثل نحو ٢٠ في المئة من مجمل الاقتصاد والباقي هو لـ «الحرس الثوري». ولا شك أن العقوبات الأميركية على إيران ستؤثر في عمل الشركات الأوروبية في هذا البلد، علماً أن لدى الأميركيين وخصوصاً دونالد ترامب خلفية أخرى في استراتيجيته في العقوبات وهي منع القطاع الاقتصادي الأوروبي من أن يستفيد في غياب الأميركيين، علماً أنه بعد الاتفاق مع إيران حول النووي سمحت إدارة أوباما لشركة «بوينغ» أن تبيع قطع غيار لطائرات إيران وكانت إيران ستعقد صفقة شراء طائرات «بوينغ» من الولايات المتحدة. ولكن في عهد إدارة ترامب تغيرت الأمور ولو أنها من دون استراتيجية ورؤية لما تريده من إيران. فمن جهة يقول ترامب إنه لا يريد أي نفوذ إيراني في سورية ولا يريد بشار الأسد، ومن جهة أخرى لا يظهر كيف يريد مكافحة النفوذ الإيراني في سورية. فهو يسحب الدعم المسلح للمعارضة الديموقراطية ويوقف تمرين قواتها ولا يعطي الانطباع أنه فعلاً ضد توسع النفوذ الإيراني في سورية. فالعقوبات الأميركية على إيران معاقبة أكبر لأوروبا.