شكّل اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، أمس، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور كامل الأعضاء مناسبة لتجديد القيادة السياسية الثقة بالجيش والمؤسسات الأمنية وتفويضه بالتنسيق مع القيادات الأمنية الأخرى اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات.
 

كما جدّد لبنان الرسمي تعهّده بتحرير الأراضي اللبنانية من الارهابيين، والتزامه موجبات وجود لبنان من ضمن «التحالف الدولي ضد الإرهاب» وعدم إضاعة أي فرصة لمكافحته والتصدّي له وردعه واستعادة العسكريين المخطوفين لدى «داعش».علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية استهلّ الإجتماع بالإشارة إلى المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها البلاد قياساً الى حجم الإستحقاقات الكبرى التي نواجهها، ولا سيما المواجهة المفتوحة مع الإرهابيّين على الحدود وفي الداخل على السواء، لافتاً الى أنّ لبنان عضو في التحالف الدولي ضد الإرهاب وهو ملتزم هذه الحرب على أرضه وكامل حدوده مصمّماً على طرده نهائياً من كل شبر من الأراضي اللبنانية وعدم تفويت أيّ فرضة لاستعادة عسكريّيه المخطوفين.

وبعدما عدَّد الأسباب التي دفعته الى الدعوة لهذا الإجتماع الموسع، أكّد عون أنّ الظرف يفرض علينا جميعاً أن نكون سياسيّين ومسؤولين وفي أيّ موقع كنّا يداً واحدة وقلباً واحداً الى جانب المؤسسة العسكرية، ومعها كل المؤسسات الأمنية في البلاد والتي تخوض أقسى المواجهات، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر وعلى اكثر من جبهة في الداخل وعلى الحدود الشرقية.

ولفت عون الى أنّ الثقة التي تتمتّع بها القيادة العسكرية وتستحقها تدفع بنا جميعاً لنكون خلفها تاركين لها التقدير في كل الخطوات التي تنوي اتخاذها والتي تراها مناسبة، فهي قادرة على هذه المهمة ولا تنتظر منا سوى الدعم السياسي وما تملكه المؤسسات المختلفة من قدرات.

وأكد عون أهمية أنّ الثقة بالمؤسسات العسكرية والأمنية لا تتجزّأ، ولها وحدها أن تُحدّد أسلوب المعالجة في مواجهة أي حادث عادي او عند أي طارئ، ولا اعتقد أننا بحاجة لتأكيد هذه الثقة او التشكيك فيها تحت اي ظرف.

ولمّا طلب رئيس الجمهورية من القادة العسكريين تقديم ما لديهم من معلومات ومعطيات، تحدث قائد الجيش العماد جوزف عون فقدم عرضاً شاملاً ينقسم الى ثلاثة اقسام أساسية:

الأول: تناول القدرات العسكرية المخصّصة للمواجهة وما يمكن تسميته تقويماً للخطة المعتمدة للإمساك بالأرض، والتحكّم بالجبهات كما هي اليوم وتلك المحتملة في حال تغيّرت مواقع القوى.

الثاني: يتعلّق بالقدرات المقدّرة للمجموعات الإرهابية وأسلحتها والمواقع التي بنتها وأهمية المواقع التي يتحصّنون فيها، وما لديهم من خيارات محتملة عند وقوع المواجهة. وتناول عناوين الخطة التي اعتمدها الجيش في الأيام الماضية وأهداف العمليات العسكرية التي استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المدفعية والصاروخية من البرّ والجو وما حققته من نتائج.

الثالث: تناول الظروف المحلية والإقليمية التي تحيط بالمهمة التي يقوم بها الجيش ومواقف الدول الداعمة له والإستعدادات التي تبلغها بالدعم العسكري واللوجستي الذي يحظى به لبنان وما طلبه وما حصل عليه من أسلحة وذخائر.

من جهته، قدّم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عرضاً من شقين سياسي وأمني. فبدأ عرضه بتقرير شامل عن المفاوضات التي خاضها في المرحلة الأولى مع كلّ من وَفّر دعماً لهذه المهمة التي أفضَت الى ترحيل المجموعات الإرهابية من «جبهة النصرة» والعائلات السورية النازحة التي رغبت في ترك المخيمات وانتقالها الى الأراضي السورية، وهي التي رافقت المسلّحين في عملية الترحيل الأخيرة. كما تناول التحضيرات الجارية لنقل مجموعات إضافية مسلّحة ما زالت في المنطقة مع من يرغب من المدنيين النازحين الراغبين في المغادرة.

وفي الشق السياسي، قدّم ابراهيم عرضاً لطريقة التعاطي الإقليمي والدولي مع لبنان في هذه المرحلة وتوقعاته في شأن المرحلة المقبلة وشكل التعاطي المحتمل مع مسلّحي «داعش»، لافتاً الى أنّ مفتاح أيّ مفاوضات مقبلة مع هذه المجموعات يقف على كشفهم عن مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين لديهم قبل ثلاث سنوات، كاشفاً عن وجود ما يمكن تسميته بـ«قناة جدية» يمكن استخدامها في المفاوضات، وأنّه لن يوفّر جهداً على كل المستويات.

وتحدث الرئيس سعد الحريري مُبدياً ارتياحه للتقارير التي قدّمها قائد الجيش والمدير العام للأمن العام، مُثنياً على الجهود التي بذلت في المرحلة الأخيرة ومعرباً عن اطمئنانه لمسار المرحلة المقبلة ووعي القيادة العسكرية تجاه ما تتطلّبه من مواقف واستراتيجيات واضحة. ولفت الى أنّ النقاش في الغطاء السياسي المُعطى للجيش تحديداً وللقادة الأمنيين ليس في محلّه.

فالوقائع تثبت أنهم قادرون على تحمّل مسؤولياتهم كاملة، وأنّ كلّ القدرات يجب ان تكون في تصرفهم. وشدّد الحريري على أهمية أن يقوم الجيش بمهماته من دون أيّ قوة خارجية رديفة، فالمهمة واضحة وللجيش حرية الحركة على الأرض، فهي أرضه وهو من يقدّر الخطوات التي يجب أن يقوم بها وتوفير ظروف نجاحها، وقد أثبت ذلك غير مرة في العمليات الإستباقية التي قام بها من قبل.

وفي أول تقويم تلى الاجتماع، كشف احد المشاركين لـ«الجمهورية» أنَّ المجتمعين اتفقوا على أهمية أن يبقى التنسيق قائماً بين مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية وتجنيد كل الطاقات لهذه المهمة.

وطلب من المعنيّين السعي الى وضع خطة إعلامية تُواكب المرحلة المقبلة مع الاحتفاظ بحرية الإعلام المسؤول، أيّاً كان شكل المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، فليس هناك تصوّر واضح ونهائي لِما ستكون عليه هذه المواجهة في المرحلة المقبلة، فتقديرها وتقريرها في يد قيادة الجيش التي لها وحدها حقّ التصرف من ضمن تقديرها للموقف من كل النواحي اللوجستية والسياسية والعسكرية.