تأخر إنجاز الإتفاق المعقود بين حزب الله وسرايا أهل الشام، الذي يقضي بعودة مسلحي السرايا وعائلاتهم ومئات المدنيين إلى القلمون الشرقي. لا أسباب معلنة خلف هذا التأخير، لدى سؤال المعنيين من الطرفين عن الأسباب يشيرون إلى أنها لوجستية، ولا أسباب عسكرية أو سياسية تحول دون رجوعهم. ولا سبب يمكن أن يؤدي إلى سقوط الإتفاق وفشله.

ولا تخفي مصادر سرايا أهل الشام إنزعاجها من التأخير الحاصل، خصوصاً أنها مقيدة الحركة، وغير قادرة على التحرّك، في نقاط خاضعة لسيطرة الجيش اللبناني، وواقعة تحت إشراف عناصر حزب الله.

يوم السبت الفائت، اجرى المعنيون في السرايا اتصالات بالمعنيين من جانب حزب الله والجيش اللبناني والأمن العام، بأنهم غير قادرين على الاستمرار بهذه الحالة، ويريدون إستعجال عودتهم، فجاءهم الجواب بأن المسألة تحتاج إلى بعض الوقت لإنجاز الترتيبات اللوجستية لتوفير عودة آمنة لهم بعد التنسيق مع النظام السوري. وعادوا وأبلغوا بأن الأمن العام ينجز الاجراءات لبدء عمليات اجلائهم. وتؤكد المصادر أن الأمن العام يتعاطى معهم بإيجابية، ويسهّل لهم أمورهم، لكنهم يصرّون على المغادرة في أسرع وقت ممكن، فوصلهم جواب بأن مساء الاثنين، سيتم إبلاغهم بموعد الرحيل. وهذا ما لم يتبلّغوا به. فيما تلفت مصادر متابعة إلى أن عودتهم ستكون قريبة جداً.

وعلمت "المدن" أن الأسباب التي أدت إلى تأخير عودتهم، هي أن النظام السوري يرفض عودة هؤلاء إلى القلمون الشرقي وفق الإتفاق الذي أبرم بينهم وبين حزب الله، لأن انتقالهم إلى هناك، يعني أن النظام اعترف بخضوع تلك المناطق لسيطرة المعارضة المدنية والعسكرية. وهذا ما لا يريد أن يحسب عليه، وبالمعنى الأبعد فهذا يعني أنه في المرحلة المقبلة، التي قد تأخذ أشهر فإن النظام يستعد لفتح معركة في القلمون الشرقي لاستعادة بعض النقاط والمناطق الأساسية والإستراتيجية.

في مقابل ذلك، عرض النظام على السرايا المغادرة إلى إدلب، على غرار ما حصل مع مسلحي النصرة والمدنيين الذين رافقوهم. لكن هؤلاء رفضوا ذلك، لاعتبارات عدّة، أولاً لأنهم غير منضوين تحت لواء النصرة، ولا يريدون أن يحسبوا عليها، وثانياً لأنهم يريدون العودة الى قراهم، أو بالحد الأدنى الى مناطق قريبة من أراضيهم. كما أن الوضع في إدلب قد يكون مقبلاً على أيام صعبة عسكرياً. لذلك، لا يريدون أن يتحولوا الى كبش فداء في الصراعات ما بين الفصائل، أو ضحايا لأي تدخل دولي هناك.

ثمة من يشير إلى أن هذا الضغط المعنوي على سرايا أهل الشام، يحصل لدفعهم إلى القبول بالتعاون مع النظام السوري، والقتال في صفوفه. وهذا الرأي يرتكز الى مفاوضات سابقة حصلت بين الطرفين بطريقة غير مباشرة، إذ عرض عليهم العودة الى مناطقهم وأراضيهم بسلاحهم لكن بشرط أن يتحولوا إلى ما يشبه قوات الدفاع الوطني التي قاتلت في فترة الى جانب النظام. وهذه المفاوضات كانت الأساس الذي مهّد لعودة أكثر من 500 لاجئ من عرسال إلى بلدة عسال الورد القلمونية. لكن رفضهم اجراء مصالحة والعودة إلى حضن النظام هو ما أدى الى تعطيل هذه الصفقة، وعرقلة عودة 25 ألف لاجئ من عرسال إلى خمس قرى قلمونية. أما اليوم فإن النظام يحاول عبر الضغط عليهم، والتلاعب في أعصابهم، استمالتهم مجدداً وفرض عليهم القتال في صفوفه، إلا أنهم لا يوافقون على هذا الامر.

ولا شك في أن هذه الخطوة، لا يمكن أن تنفصل عن استعجال حزب الله والنظام السوري إلى إنهاء معركة جرود عرسال بالتفاوض، لأجل تحقيق جملة أهداف أبرزها، إعادة هؤلاء الى القلمون، مع عدد كبير من المدنيين، لأن ذلك سيشكل غطاء أساسياً لقتال الحزب هناك، للقول إنه لا يريد أن يحدث فرزاً ديمغرافياً في سوريا. والدليل أنه أعاد لاجئين ومعارضين الى هناك. والهدف الأكبر هو استعجال ربط الأراضي اللبنانية بالأراضي السورية، تمهيداً للمرحلة المقبلة التي سيكون فيها الفرز الأكبر لمناطق النفوذ، وللحزام الذي يريد الحزب انشاءه حول مناطق نفوذه في سوريا، كخطوة استباقية قبل أي تحول دراماتيكي قد يحصل، خصوصاً أن هناك أجواء تتنامى تشير إلى أن مرحلة ما بعد داعش، ستشهد مواجهة إيران وتحجيم نفوذها في سوريا، وإخراج القوات الموالية لها من هناك.