أقسم حسن روحاني اليمين الدستورية لتسلمه رئاسة الجمهورية لولاية ثانية. من المؤكد حتى الآن، أن فترته الرئاسية الجديدة لن تكون أسهل من الأولى، حتى وإن كانت مفاوضات الملف النووي في الولاية الأولى قد حمّلته أعباء ومواجهات داخلية وخارجية لا تُحتمل، ولا شك أن الشيخ روحاني استثمر كل خبراته وحنكته وصبره بشجاعة وكفاءة حتى استطاع مواجهة كل الاستحقاقات التي منها ما كان خطيراً ومصيرياً، والانتصار عليها داخلياً وخارجياً وصولاً إلى توقيع الاتفاق.
الشعب الإيراني الذي يبدو مُبعداً عن القرار، كافأ الشيخ الرئيس واقترع له بكثافة نادرة في ظل غياب «الحصن – الحصين» الشيخ هاشمي رفسنجاني، ومتابعة «الرئيس – الفيلسوف» محمد خاتمي.
أمام الرئيس روحاني أسبوعان حسب التقديرات العامة من المماحكات والمحادثات إلى حين تشكيل حكومته. حتى الآن يبدو أن روحاني يعتمد التحرك بحرية أكبر مع أخذه في الاعتبار أن للمرشد آية الله علي خامنئي الحق باختيار وزراء الحقائب السيادية وأبرزهم الدفاع والأمن بعد أن تم الاتفاق كما يبدو على بقاء جواد ظريف وزيراً للخارجية كما كان، بعد أن جرى لغط كثير حول إبعاده.
خطاب الرئيس روحاني بعد القَسَم، أكد وجود تباعد من دون افتراق بينه وبين المرشد آية الله خامنئي. روحاني «يريد أن ينال الشعب حقوقه في بناء مجتمع عادل وضمن نهج معتدل، يكون الهدف منه توفير النمو». طبعاً لا جديد في كل ذلك فقد سبق لروحاني أن كرّر ذلك مرّات، حتى وإن أضاف مقدمة لهذا الخطاب هذه المرة بالقول: «بعيداً عن الشعارات البرّاقة». المقصود بها شعارات المرشد المتعدّدة. لكن هذا التنويه لا يحول دون التذكير بأن «سيادة الشعب الدينية قد فتحت نافذة أمام العالم..».
هذه «السيادة» منحها الشعب الإيراني قوّة دفع ضخمة عندما اقترع حوالى 77 في المئة منه، ومنح المرشح الوسطي حسن روحاني 57 في المئة من أصواته، منحّياً بذلك مرشح المرشد السيد ابراهيم رئيسي بعيداً عن حِلمَي الرئاسة وخلافة المرشد. هذه الثقة الشعبية الاستثنائية، هي «شيك» برصيد مفتوح، لكنه تحت رقابة شعبية دائمة يحتاج ثقتها الرئيس روحاني، ليس فقط في ممارسة صلاحياته الرئاسية، وإنما أيضاً في إنجاز عملية فتح الطريق أمامه لخلافة المرشد خامنئي. فقد أصبح شائعاً في إيران أن روحاني هو المرشح الأبرز لخلافة خامنئي متى دقّ الجرس.
أمام هذا الاحتمال، على روحاني تحمّل اختيارات واستحقاقات يومية مع مختلف القوى السياسية من داخل «جبهة الأمل» التي تدعمه قبل «جبهات» المتشددين الذين يرون في زحفه الهادئ والمصمم «حرباً» يومية ضدّ نفوذهم وحتى هيمنتهم على الدولة. روحاني الذي عندما أُبعد بعد نجاحه في المفاوضات النووية عام 2003 وأنقذ إيران من الهجوم الأميركي، قَبِلَ بالدخول في عالم الصمت السياسي الرهيب (بعد أن فُرض عليه كما خاتمي اليوم)، مقتنعاً برئاسة «مجلس الأبحاث الاستراتيجية»، متابعاً عن كثب تاريخ ومفاعيل «سيادة الشعب الدينية» وحفظ غيباً ما حدث للرؤساء الذين سبقوه وكانت الحصيلة مع الرؤساء الإيرانيين المنتخبين:
] رئيس «مطرود» وما زال في المنفى في باريس رغم مرور 36 سنة تقريباً وهو أبو الحسن بني صدر.
] رئيس «مقتول» في عملية تفجير منظمة هو الرئيس رجائي.
] رئيس ما زال موجوداً وقوياً لأنه فهم اللعبة وتابع تنفيذها ببراعة نادرة بعد أن ترك الرئاسة إلى خلافة الإمام الخميني هو علي خامنئي أي المرشد الحالي.
] رئيس مات ولا أحد يمكنه أن يجزم هل مات بسبب إهمال مقصود، أم اغتيل، أم أنه دقّت ساعته؟ هو هاشمي رفسنجاني.
] رئيس «ممنوع» من الظهور والكلام فلا هو سجين ولا هو طليق رغم كل صفاته السياسية والثقافية، أي الرئيس محمد خاتمي.
] رئيس «مردود» أي رغم أنه كان رئيساً للجمهورية لكن لأنه اقتحم «دائرة قداسة» «الولاية المطلقة»، فقد رُدَّ ترشيحه للرئاسة أي أحمدي نجاد.
] رئيس «الله يعينه» هو حسن روحاني.
إلى جانب هذا، فإن نظام «سيادة الشعب» والانتخابات الشعبية النادرة في الشرق الأوسط لم تحل دون استمرار «الولي الفقيه» منذ ثلاثة عقود في إمتلاك صلاحيات لا يملكها ولم يملكها أي زعيم في الشرق الأوسط، في إدارة إيران، واضعاً نظاماً لا مثيل له، من ذلك فرض «كاتم الصوت» (ليس بالمسدس) والإخفاء ومنع الظهور الشعبي حتى في الصورة على أي معارض مهما علت رتبته، من دون محاكمة ولا مساءلة. من ذلك أن محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي، ومعهم السيد حسين محتشمي، وعبدالله نوري، ومجموعة من الصحافيين البارزين جداً ومنهم ما شاء الله شمس الواعظين وعلي حكمت، أمّا المهجرون أو النازحون في الخارج فإن عددهم أكبر بكثير.
الرئيس روحاني يتمهّل في إعلان حكومته حتى لا يقع تحت ضغوط لا يمكنه مقاومتها سواء من «يساره» في جبهة الإصلاحيين والوسطيين أو من «يمينه» من المحافظين المتشدّدين، لكنه أيضاً يرغب في أن تأتي انتخابات رؤساء البلديات كما يأمل ومعه خاتمي، أي فوز المرشحين المعتدلين والإصلاحيين، ويُقال إن بلدية طهران مضمونة لأن التنافس يدور بين خمسة إصلاحيين قد ينسحب واحد منهم للآخر، كذلك بلدية مشهد التي تبدو مضمونة رغم وجود رئيسي «حاضناً للحضرة الرضوية»، وهكذا معظم المدن الكبرى عدا أصفهان، فإن المعركة فيها قاسية، وهي حتى الآن مناصفة بين الجبهتين.
يبقى أن فوز روحاني ونجاحه في تشكيل حكومة معتدلة، لا يعني تغييراً إنقلابياً في السياسة الخارجية الإيرانية لأن هذا التغيير مرتبط بالكثير من الأسباب والشروط والعوامل الإقليمية والدولية، لكنه بكل تأكيد يُساهم ويدفع باتجاه نمو إيجابي يزداد عمقاً وأثراً متى لاقاه اعتدال خارجي سواء كان دولياً أو إقليمياً.