«الحماسة» الأميركية للحسم «تتراجع»... والحريري «منزعج» من بري


في اول رد عملي سلبي على الفرص الضئيلة للتوصل الى «تسوية» تخرج المجموعات الارهابية من جرود رأس بعلبك والقاع، بادر تنظيم «داعش» هجوما بالامس مستهدفا مشاريع القاع ومحيط احد مراكز الجيش في البلدة بصواريخ «غراد»، فهل تسرّع هذه «الخطوة» بداية العملية العسكرية؟ ام للجيش حسابات أخرى؟ وماذا عن موقف واشنطن في ظل معلومات عن تراجع «الحماسة» الاميركية «للحسم» السريع بعد أن اختلف حساب «الحقل» عن حسابات «البيدر؟ اسئلة ستحسم اجوبتها اليوم خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع الذي دعا اليه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا لاستعراض الاوضاع الامنية في البلاد، وفي مقدمتها التطورات العسكرية على الحدود الشرقية...
في هذه الاثناء، اكدت اوساط معنية بهذا الملف، ان ساعات الليل شهدت تقويما على قدر عال من الجدية لدلالات هذا القصف، وسيتم اتخاذ القرارات المناسبة في هذا السياق، لكن من المسلم به ان الجيش لن يمنح «داعش» اي فرصة لاسترداد زمام المبادرة، الرد القاسي على اطلاق «الصواريخ» كان في هذا الاطار، مع العلم ان امتلاك «التنظيم» هذه الصواريخ ليس بالامر المفاجئ، وسبق ان استخدمها في وقت سابق، اما توقيت اطلاقها فواضح انه رد عملي على المحاولات «الخجولة» لفتح 
 «نافذة» للتفاوض، وهي محاولة يائسة من التنظيم لرفع معنويات افراده بعد القصف المدفعي والصاروخي المركز على مواقعه خلال الايام الماضية، لكن ما لا يدركه هؤلاء ان «الجد» لم يبدأ بعد، ومرحلة الاستطلاع بالنار ليست الا «بروفة» مصغرة على ما ينتظر «التنظيم» في الجرود عندما تبدأ العملية العسكرية... «داعش» ارسل بالامس الاشارة العملانية الاولى التي تفيد بأنه لا يريد التفاوض وسيقاتل حتى النهاية... وتبقى طبيعة الموقف لجهة تقديم موعد العملية العسكرية رهناً بالساعات المقبلة؟
 

 نجاح «الضغط»


لكن ما تؤكده تلك الاوساط، انه مهما كان القرار فان «داعش» لن يستطيع استدراج الجيش الى عملية عسكرية  وفق التوقيت الذي يناسبه، والخطط العملانية للمؤسسة العسكرية وضعت لتتلاءم مع نجاح العملية، وهي ستنطلق في التوقيت المناسب بعد استكمال كافة جوانب نجاحها، مع العلم ان «التوقيت» مرن وليس جامدا وقد تتم برمجته وفقا للحاجة الميدانية... لكن ما هو ثابت حتى الان ان الوحدات القتالية نجحت من خلال الضغط المتواصل على اجبار «داعش» للخروج من مواقعه المحصنة، والمؤسسة العسكرية تستفيد حتما من هذا الاستدراج للكشف عن تجمعات افراد التنظيم، واماكن منصات الاطلاق، وكذلك مخازن الاسلحة... وكلها معلومات حاسمة في المواجهة المرتقبة... ولذلك لا يجب ان يساور اهالي بلدتي القاع ورأس بعلبك اي قلق ازاء خطر هذا التنظيم الذي «يلفظ انفاسه» الاخيرة...
في غضون ذلك تفيد المعلومات بأن الجانب السوري وحزب الله انهيا استعداداتهما في الجانب الاخر من الحدود، وهما بانتظار تحديد الجيش اللبناني «ساعة الصفر» لانطلاق المعركة، مع العلم انهما يفضلان عدم تأخيرها للاستفادة من زخم انهيار «جبهة النصرة»، وعدم السماح لـ«داعش» بالمبادرة الى تنفيذ عمليات «استعراضية» قد تؤدي الى وقوع خسائر بشرية في القرى المحاذية على الجانب اللبناني من الحدود...
 

 «برود» اميركي


في هذا الوقت برز «برود» أميركي لافت ازاء العملية العسكرية ضد «داعش» في الجرود، وبعد ان كانت واشنطن «متحمسة» لقيام الجيش اللبناني بالعملية العسكرية في «اقرب وقت ممكن»، افادت مصادر دبلوماسية في بيروت ان الجانب الاميركي اكتشف ان الاستثمار السياسي في العملية ليس على القدر المأمول منه، خصوصا بعد دخول حزب الله والجيش السوري شريكين واقعيين في حسم المواجهة بفعل تداخل منطقة العمليات جغرافيا، فالقيادة الوسطى الاميركية بعدما نجحت في الاستثمار بعلاقة «تشاركية» مع الاكراد في شمال سوريا وبات لديها هناك نحو عشر قواعد برية، وتشارك على الارض بقوات خاصة في معركة الرقة، وخلقت لنفسها منطقة نفوذ «للتفاوض» مع الروس لاحقا، وفيما تحاول من خلال غاراتها الجوية على دير الزور، وقصفها البري امس من داخل العراق على مواقع «داعشية» في سوريا، الدخول كشريك «مضارب» في العملية العسكرية للجيش السوري وحلفائه في المواجهة المفتوحة في البادية، لا تجد ما تكسبه على الجبهة اللبنانية، وبعد محاولتها «الاستثمار» بدعم الجيش لتحقيق انتصار معنوي يمكن صرفه في السياسة لاحقا، على خلفية المساعدات العسكرية التي تقوم بتقديمها للمؤسسة العسكرية، اكتشفت ان حدود «ارباحها» سيكون محدودا لان قيادة الجيش ليست في وارد الدخول في اي عملية «استثمار» سياسي لخدمة احد، كما ان الاوضاع السياسية الداخلية لا تسمح لها بالحصول على مكاسب جوهرية، وبعد الحسم السريع الذي حققه حزب الله في معركة جرود عرسال، وتحديد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «لقواعد» اللعبة في المعركة المقبلة، بردت «الحماسة» الاميركية، دون ان تتراجع عن دعم الجيش في المواجهة، ولو ان ثمة ضمانات بأن التاجيل قد يقلل من «ارباح» الحزب لما ترددت واشنطن في ممارسة ضغط سياسي على الحكومة لتحقيق ذلك، لكن ما هو ثابت حتى الآن ان واشنطن «تواضعت» في حساباتها، ولذلك لم تحمل السفيرة الاميركية خلال لقائها مع رئيس الجمهورية بالامس اي «رسالة» نوعية سوى الكلام العام على دعم بلادها للبنان في مواجهة الارهاب»...
 

 «سرقة» الانتصار  


في هذه الاثناء، ثمة ضيق في «اليرزة» من حملات الدعم السياسية المبالغ فيها في دعم المؤسسة العسكرية، ووفقا لاوساط مطلعة فان بعض الامور التي تجري ليست مفيدة، فثمة واجب وطني يقضي بتحرير ارض محتلة من الارهابيين، فالجيش ليس في وارد ان يمنن احد بما هو اصلا جزء من مهماته. محاولات البعض «سرقة» انتصارات الجيش باتت «مفضوحة»، المطلوب ان يتوقف «العبث» السياسي الداخلي ووقف نظم «ابيات الشعر» في حب المؤسسة العسكرية، لان البعض ممن يحاولون حشد التأييد الشعبي للجيش يظهرونه في موقف من يحتاج الى هذا الزخم والدعم، وكان ثمة من في لبنان يشكك في مصداقية المؤسسة العسكرية، مع العلم انها وحدها من تحظى باجماع وطني، ولا تحتاج في معركتها مع الارهاب «للكلام» بل «للعمل»، ولذلك بات «صمت» البعض ضروريا لاخراج المواجهة المرتقبة من دائرة «الفولكلور» الوطني واعادتها الى مسارها الصحيح باعتبارها مهمة عسكرية سيخوضها جيش كفوء ومجرب في ظل قيادة عسكرية لا «تدغدغ» مشاعرها اي طموحات سياسية... لا يحتاج الجيش الى دعاية من هذا النوع لاثبات جدارته العسكرية، فالكل يدرك ان المشكلة في القرار السياسي وليس في العقيدة العسكرية او في القدرات القتالية للجيش...
 

 الحريري «منزعج» من بري؟


في سياق آخر، تحدثت اوساط وزارية بارزة عن «انزعاج» جدي لدى رئيس الحكومة سعد الحريري من كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري في طهران حيال ضرورة تطوير العلاقات الثنائية الرسمية بين دمشق وبيروت، وانتقاده سياسة الحكومة في هذا الاطار، وسط معلومات عن استعداد وزيري حركة امل علي حسن خليل وغازي زعيتر لزيارة دمشق قريبا، وكذلك وزير حزب الله حسين الحاج حسن... ومن المفترض ان يلتقي الحريري بري خلال الايام المقبلة لاستيضاح هذا الموقف «ليبنى على الشيء مقتضاه»، حيث يشعر رئيس الحكومة انه بات محاصرا في هذا الملف، وباتت الامور خارجة عن «السيطرة»، خصوصا اذا ما تفرد بعض الافرقاء السياسيين في الحكومة في فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية دون قرار سياسي جامع في الحكومة... ووفقا لتلك الاوساط لم يتخذ الحريري قرارا حاسما في طبيعة الموقف الذي سيتخذه، في ظل غياب الوضوح في الموقف السعودي خصوصا مع تضارب الانباء حيال حقيقة ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لوفد المعارضة السورية حول حتمية بقاء الرئيس بشار الاسد في الحكم والاستعداد للتعامل مع هذه المعادلة كأمر واقع..