يسود اعتقاد في بيروت أن مشهدية "انتصار جرود عرسال"، وما رافقها من حملة إعلامية منظمة ﻹظهارها بمظهر "الانتصار الاستراتيجي الأضخم" لحزب الله، ليست إلا تعبيراً عن سعي الحزب اخفاء حقيقة المشهد الأكبر. ومبعث هذا الاعتقاد، وفق مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت، أن الحزب اختار توقيت معركة الجرود، بينما كانت تخلط الأوراق في سوريا في غير مصلحة الحزب وحليفه الإيراني.
ليست الاتفاقات الروسية مع المعارضة السورية إلا جزءاً من هذا الخلط، الذي بات يرسم خريطة سياسية جديدة يتفرمل فيها المشروع الإيراني "الأولي". فالاتفاق الروسي مع المعارضة السورية في الغوطة، الذي أخذ حيزاً وتغطية واسعين في الإعلام الروسي مقابل تجاهله في إعلام حزب الله، لم يكن الأول ولن يكون الأخير. فهو أستتبع بعد أيام قليلة باتفاق ثانٍ ضم مناطق شمال حمص، حيث 170 ألف سني معارض لم يسعف الوقت إيران لتطالهم بمشروع الترانسفير المذهبي، إلى مناطق خفض التصعيد. وكان لافتاً أن تشرف الشرطة الروسية بنفسها على وقف اطلاق النار في شمال حمص، حيث نشرت حواجزها الأمنية في قلب مناطق نفوذ حزب الله والإيرانيين.
من هنا، تُطرح أسئلة كثيرة في بيروت عن حزب الله في ظل المتغيرات الجديدة في سوريا، ومنها ما يحصل في مناطق نفوذ الإيرانيين وما بات يعرف بـ"سوريا المفيدة"، وعن الدور المستقبلي للحزب في سوريا وانعكاساته على الداخل اللبناني.
انتهت الحرب في سوريا، تقول المصادر الديبلوماسية الغربية في بيروت، التي تتحدث عن تقسيم سوريا بين نفوذ أميركي في الحسكة والجنوب، ونفوذ تركي في إدلب حيث يستعد درع الفرات لخوض معاركه فيها، ونفوذ روسي في دمشق والساحل. وبات من شبه المؤكد، وفق المصدر نفسه، أن الاتفاقات الأميركية- الروسية جعلت الدور الإيراني ثانوياً وغير مقرر في تطورات الأحداث. فالأميركا أظهرت في الأيام الماضية ايجابية، في توقيفها المساعدات العسكرية للمعارضة وسحب بعضها، مقابل ما تصفه المصادر نفسها بـ"تعهد روسي بتقليص حضور إيران في سوريا".
ويبدو أن التحرك الروسي لإبرام اتفاقات مع المعارضة وفصائلها، المحاصرة إيرانياً والموجودة في قلب مناطق نفوذ إيران، يصب في هذا الاتجاه. وحزب الله ليس غافلاً عن كل ذلك، وهو، في رأي مطلعين، يقرأ جيداً خلط الأوراق وما يسرب من النقاشات التي تحصل داخل الدوائر الغربية، وأخطرها بالنسبة إليه أن الانتهاء من داعش سيفقد إيران وأذرعها حجة البقاء في سوريا. ما سيحول إيران حينها من دولة تسوق نفسها كرأس حربة في محاربة الارهاب إلى مشكلة فعلية.
هكذا، بدأ حزب الله التعامل مع المرحلة بهدوء، مستجمعاً أوراقه لزمن "ما بعد داعش"، ومن ضمنها ملف اللاجئين السوريين في لبنان، الذي ليس إلا ورقة قوية في يد الحزب. وفي اعتقاد المصادر، فإن إصرار حزب الله على إعادة اللاجئين بالتنسيق مع النظام السوري، وسعيه إلى بناء رأي عام ضاغط في هذا الاتجاه، مرده إلى مخاوفه من أن تلعب هذه الورقة ضده في الحل النهائي.
لذلك، يستعد الحزب الأرضية للمصالحة مع اللاجئين، وهو بدأ بالفعل هذا التواصل مع المخيمات السورية على مساحة لبنان، تمهيداً لإعادة ساكنيها إلى سوريا. لكن إلى مناطق نفوذه وبشروطه وتحت سيطرته، خصوصاً أن سوريا مقبلة في نهاية المطاف على انتخابات رئاسية باشراف الأمم المتحدة، وأن يكون مليون ونصف مليون سوري في مناطق يسيطر عليها حزب الله خير من أن يعودوا بحل دولي يُفرض على الجميع.
أما عن "مشهدية انتصار الجرود"، فإبحثوا عن اخفاقات المشروع الإيراني في سوريا، يقول المصدر الديبلوماسي.
علي رباح