سنة 2013، أعدّت مجموعة من الباحثين تقريراً أصدرته لجنة متابعة العلاقات الاقتصادية والأمنيّة بين الصين والولايات المتّحدة. وذكر تقرير اللجنة التي أنشأها الكونغرس في تشرين الأوّل من العام 2000، أنّ الصين وإيران دخلتا خلال 30 سنة في "شراكة فاعلة لكن محدودة" وقد تعاونتا في عدد من المواضيع السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة. فقد شكّلت إيران سوقاً مهمّاً لتصدّر الصين أسلحتها إليها بعدما دخلت الثانية في عصر تطوير صناعتها العسكريّة. واستفادت طهران من علاقتها العسكريّة مع بيجينغ خصوصاً خلال حربها مع العراق وبطريقة "مباشرة".
توزيع المهام العسكريّة بين كوريا والصين
ففي حين اعتمد الجيش الإيراني على الروس والكوريّين الشماليّين في صناعة الصواريخ البالستيّة، أدّى الصينيّون دورهم في الصناعة العسكريّة البحريّة للإيرانيّين، فقدّمت صواريخ من طراز كروز مضادّة للسفن سنة 1986. وبعد سنتين وافقت الصين على تأمين التكنولوجيا المطلوبة لتطوير طهران نماذجها الخاصّة من صواريخ أرض-أرض. وحتى بعد انتهاء الحرب العراقيّة الإيرانيّة استمرّت الصين بتأمين التقنيات العسكريّة للإيرانيّين إذ بلغت قيمة التعاون العسكريّ بين الطرفين مليار دولار بين عامي 1993 و 2000. ومع مطلع الألفيّة الثالثة هبطت قيمة الصادرات العسكريّة الصينيّة بشكل لافت لكنّها لم تتوقّف. وتدنّت هذه القيمة إلى حوالي 50 مليون دولار بين عامي 2007 و 2010 بعد فرض العقوبات الدوليّة على إيران.
"إيران تميل دائماً للشرق"
وترتاح الصين في تعاونها مع إيران، لأنّها قوّة مناوئة للأميركيّين في المنطقة بحسب بعض الخبراء. عمليّاً، كان الرئيس الصيني #شي_جنبينغ الرئيس الأوّل من بين مجموعة الدول الست الذي يزور طهران بعد الاتفاق النووي ويلتقي مرشد الجمهوريّة في أواخر كانون الثاني الماضي، في زيارة شرق أوسطيّة له. وقال خامنئي حينها إنّ إيران لن تنسى تعاون الصين معها خلال العقوبات الدوليّة عليها، مشيراً إلى أنّ "إيران تميل دائماً نحو الشرق، وأنّ الغرب لم يستطع يوماً كسب ثقة الشعب الإيرانيّ". أمّا الرئيس الصينيّ فأعلن أنّ البلدين يكمّلان بعضهما البعض وتحدّث عن استعداد بلاده ل "تعزيز التعاون العسكريّ والأمنيّ والثقافي والتعليميّ مع إيران في إطار شراكة استراتيجيّة". ثمّ لفت النظر إلى "ضرورة إيجاد آليّات لتعزيز التعاون الأمني بين إيران والصين لمواجهة الإرهاب والقضايا المعقّدة في المنطقة".
"تطورات مقلقة"
لا شكّ في أنّ الصين ترى تنامي القوّة الإيرانيّة كرافعة لنفوذها في مواجهة الولايات المتّحدة على أكثر من صعيد. فإذا كانت واشنطن تستغلّ وجودها العسكري الأميركيّ في شرق آسيا لمحاولة فرض طوق نفوذ على الشواطئ الصينيّة، يمكن لبيجينغ أن تردّ على واشنطن في الشرق الأوسط حيث يواجه الدور الأميركي عقبات كبيرة منذ سنتين وربّما أكثر. من هنا، يمكن فهم بعض من الأسباب التي تدفع الصين إلى التعاون العسكريّ مع الإيرانيّين وتوقيع تفاهمات مشتركة حول المواضيع الأمنيّة والعسكريّة. ففي أواخر السنة الماضية، وقّع وزيرا الدفاع في البلدين اتفاق تعاون من أجل تعزيز التعاون العسكري في عدد من المجالات من بينها التدريبات المشتركة وعمليات مكافحة الإرهاب. وكانت البحريّتان قد تدخلتا في أولّ مناورات مشتركة بين البلدين قبل الاتفاق النووي سنة 2014 في الخليج العربي. وينقل فرانز ستيفان غادي أنّ تلك التدريبات "تطوّرات مقلقة" للمخطّطين العسكريّين الأميركيّين بسبب "الأخطار" التي تفرضها على المنشآت الأميركيّة في الشرق الأوسط وآسيا.
"ورقة قوّة محتملة"
ويرى البروفسور الفخري في مدرسة سام نان للشؤون الدوليّة ضمن معهد جورجيا الأميركيّ للتكنولوجيا أنّ تاريخ إيران في العداء لواشنطن هو "ورقة قوّة محتملة" تستخدمها بيجينغ في حال تدهور العلاقات الصينيّة الأميركيّة. وكتب في دراسة نشرها "معهد الشرق الأوسط" الأميركيّ ومقرّه واشنطن، أنّ التعاون العسكريّ الإيرانيّ الصينيّ أثمر اكتساب طهران صواريخ أرض-أرض وأرض-بحر إضافة إلى الألغام البحريّة. وتمّ استخدام العديد من هذه الأسلحة لمواجهة الأنظمة العسكريّة التي يتمتّع بها الجيش الأميركيّ في الخليج. وأشار كذلك إلى أنّ الأسلحة الدفاعيّة التي تستخدمها الصين من أجل منع واشنطن من الاقتراب من شواطئها، يمكن أن تُستخدم هي نفسها في إيران.
"فرصة فريدة"
ويمكن لإيران أن تؤدّي دور "الفرصة الفريدة" في تأمين "موطئ قدم استراتيجيّ" للصين في الشرق الأوسط لكن أيضاً في آسيا الوسطى. هذا ما يشدّد عليه الأستاذ المحاضر في جامعة "الإمام الصادق" محمّد حسن خاني خلال حديث أجراه مع "معهد تورينو للشؤون الدوليّة" في إيطاليا. ويشير خاني إلى محاوره أنّ إيران قادرة على إلهاء الجيش الأميركيّ في منطقة الخليج ممّا يصعّب عليها نقل نفوذها إلى إلى آسيا الشرقيّة. وترحّب إيران بالحضور المتنامي للصين في الشرق الأوسط من أجل أن يوازن الحضور السياسيّ والعسكريّ للأميركيّين والأوروبّيّين.
غير أنّ العلاقات الصينيّة الأميركيّة ذات طابع تنافسيّ لا عدائيّ. فهي على سبيل المقارنة أفضل من علاقة الأميركيّين مع الروس. من هنا، يعترف الأستاذ الجامعيّ الإيرانيّ بكون الصورة الديبلوماسيّة بين الولايات المتحدة والصين متشابكة، ولذلك، يجد أنّ "الزعماء الإيرانيّين حاولوا تعديل توقّعاتهم تجاه الصين واعتماد مقاربة براغماتيّة" إزاء إمكانيّة أن يتفق الصينيّون مع الأميركيّين على عدد من القضايا المشتركة.