الاستقرار السياسي النسبي غير المعهود بلبنان في الفترة الحالية في ظل محيط جغرافي ملتهب، لم يعد كافياً لدى عدد من اللبنانيين، الذين يرون أن بلاد الأرز أصبحت مشوهة جمالياً ومزعجة للعين بسبب تغيير المعالم الجغرافية الأساسية في بيروت التي دائماً ما كانت توصف بالجميلة.
الكاتبة الصحافية اللبنانية رولا خلف نائب رئيس تحرير صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، اعتبرت في مقال بالتايمز أن التجميل في بيروت أصبح مسئياً لها وغير ملامحها حتى وصفته بالتجميل المضطرب.
وقالت خلف هناك أجزاء قليلة من بيروت الكبرى تبدو مزعجة للعين مثل شارع الأوزاعي، الذي كانت الشواطئ الرملية البيضاء تتخلل شريطه الساحلي. ولكن على مدار عدة عقود، تدهورت المنطقة لتصبح حياً فقيراً سيئ السمعة يتألَّف من منازل غير قانونية وسوقٍ لتجارة قطع غيار السيارات.
وأضافت خلف عندما انهارت الدولة اللبنانية في الحرب الأهلية، ما بين عامي 1975 و1990، وتدفَّق النازحون إلى بيروت قادمين من الجنوب، استُبدلت الخرسانة بأسقف القصدير التي كانت تظهر بطول الشريط الساحلي، وعندما حل السلام، حاولت الحكومة عبثاً أن تطرد واضعي اليد على الأراضي، ومن ثم أنشأت طريقاً سريعاً موازياً إلى الجنوب يتجاوز شارع الأوزاعي. وبعد معاناة مع الفقر والإهمال، وقع شارع الأوزاعي ببطء تحت سيطرة "حزب الله".
وعبرت خلف عن اندهاشها عندما زارت عائلتها في هذا الحي خلال عطلتها الصيفية، قائلة: زاوية صغيرة من شارع الأوزاعي تبدلت بشكلٍ كامل، إذ امتلأ الشارع الرئيسي بالحفر وستجد نفسك في "أوزفيل"، وهو حي صغير تحول إلى تشكيلة من الألوان والزخارف الفنية.
ووصفت خلف الزهور، وحوريات البحر، والنجوم، والحلزونات بأنها تحدق إليك من جداريات ضخمة، أو منازل متهالكة أُعيد طلاؤها لتلمع في أضواء الصيف. حتى جذوع الأشجار وفروعها طُليت بدهانات ملونة. وكما علمت حينها، تمتلك "أوزفيل" صفحاتها الخاصة على الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وإنستغرام.
فكرة مشروع أوزفيل
وتعود فكرة مشروع أوزفيل بحسب الكاتبة اللبنانية إلى إياد ناصر، وهو مطوِّر عقاري عاش من قبل في هذه المنطقة، ويؤكد أنه لا يطمح لشيء سوى محو القبح الحضري. منذ عامين، وعندما كانت بيروت تعاني من أزمة القمامة، دعا إياد وصديقته فناني الشوارع من جميع أنحاء العالم للسفر إلى لبنان وطلاء أكوام القمامة المتراكمة. وقبل أن يصل الفنانون، حلت الأزمة وجُمعت القمامة. بدلاً من ذلك، طلب إياد من الفنانين العمل على الجداريات.
ومثل القمامة، قدم هذا الجزء من منطقة الأوزاعي -والذي يقع بالقرب من مطار بيروت- وجهاً قبيحاً للبنان رآه المسافرون بمجرد أن هبطت طائراتهم، بحسب وصف خلف. وشكا إياد قائلاً: "يجب أن يكون الأوزاعي صورةً للبنان، ولكن لم يصلحه أحد لمدة أربعين عاماً، لا الحكومة ولا الأحزاب السياسية".
وأضاف قائلاً: "منطقة الأوزاعي مخيفة، والناس يكرهون الاسم، ولذلك قلنا أننا سنطلق على هذا الجزء من الأوزاعي "أوزفيل" وبدأنا الترويج له على الشبكات الاجتماعية. الآن يريد كل الفنانين اللبنانيين الذهاب إلى هناك".
ما زالت مساعي المشروع مستمرة، وما زال الفنانون يرسمون. ومع انتشار الخبر وتزايد اهتمام المقيمين والزوار، لاقى العمل في مطاعم الأسماك الصغيرة رواجاً أسفل البحر.
وأشارت خلف إلى أن توقيت مشروع أوزفيل كان مناسباً. بخلاف السنوات السابقة، عاد السياح إلى لبنان هذا الصيف. في بيروت، رأيت مرتحلين أوروبيين شباناً، من المرجح أنهم انجذبوا لتسلق الجبال بالإضافة إلى الحياة الليلية للمدينة.
وأضافت أبلغني إياد أنه يخطط لتوسيع مشروعه إلى أجزاء مختلفة من لبنان. وإلى الآن، لم تتوقف أوزفيل عن إثارة الجدل؛ إذ تذمر بعض اللبنانيين من أنه لا يوجد مبرر منطقي لتصميم رسومات جمالية في بلد ما زال يفتقد للخدمات الأساسية بعد أكثر من 25 عاماً على نهاية الحرب الأهلية، في ظل انقطاع الكهرباء المستمر، ونقص المياه، واقتصاد متراجع.
(هافغتون بوست)