يظهر مقاتلو حزب الله في عملية عرسال في زي عسكري شبه نظامي، قد يشتبه البعض بهم فيظنهم جنودا في قوات نظامية في لبنان، تقود عملية عسكرية لإخراج مسلحين من مناطق حدودية، ولكن الجيش النظامي في لبنان لم يكن مؤهلا لا فنيا ولا عسكريا، ولا حتى عقائديا للقيام بعملية كهذه ضد مقاتلين جهاديين محترفين، متحصنين في الجبال.
فالجيش اللبناني اقتصر دوره في السنوات الأخيرة، على القيام بدور قوات الفصل بين المتحاربين، كما حصل عند احتلال «جيش حزب الله» لبيروت، أو كما يحصل دائما بين المقاتلين العلويين والسنة، في منطقة التبانة وجبل محسن في طرابلس، وإذا تصدى بنفسه لعملية عسكرية، فإنها غالبا ما تكون عملية محدودة من مهام قوات شرطية، أو أمن داخلي، وغالبا ما يخفق دون مؤازرة من المليشيات الطائفية الحزبية، كما حصل في الهجوم على مقر الشيخ الأسير في صيدا، عندما قاد مقاتلو حزب الله الهجوم، ولعلنا نذكر أن آخر عملية عسكرية حقيقية تصدى لها الجيش اللبناني، كانت في مخيم نهر البارد الفلسطيني، وقد كللت بفشل باهر، إذ أخفق الجيش اللبناني في السيطرة على المخيم القديم، بعد ثلاثة أشهر من المعارك والقصف، واكتفى بحصاره بعد أن عجز عن دخوله، هذا الحصار الذي تمكن مقاتلو فتح الاسلام بسهولة من اختراقه، عندما قرروا مغادرة المخيم في عملية فجائية، ليخرجوا ويختبئوا بعدة مواقع من جبال الضنية حتى عين الحلوة، عدا من اعتقل منهم بالصدفة وقتل كالقيادي المكنى «أبو هريرة».
كما باقي الأجهزة الأمنية في لبنان الخاضعة للمحاصصة، فإن الجيش ومحكمته العسكرية وجهاز مخابراته، خاضعة لنفوذ الضباط الموارنة والشيعة، وقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات من نصيب القوى السياسية السنية، مقابل هيمنة أخرى للقوى الشيعية على الأمن العام، الذي يتحكم بالمنافذ الحدودية وشؤون الاجانب، لذلك فالجيش في لبنان يمكن اعتباره «صيغة توفيقية»، أمكن من خلاله لحزب الله وحلفائه من التيار العوني، أن يسطوا على أكبر تشكيل عسكري رسمي في البلاد، واستخدامه للهيمنة تحت شعاره ومسماه «الوطني». ليس هذا جديدا في بلد معروف بانقسامه الطائفي الحاد كلبنان، لكن الجديد ربما، هو القبول بل التأييد الحاصل من ممثلي السنة في العملية السياسية في لبنان، فالحريري وباقي الشخصيات السنية التي تتولى مواقع رسمية، تعلن تأييدها ومباركتها لكل عملية يقوم بها الجيش والقوى الأمنية في مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال، رغم كل الدلائل الواضحة على أن هذه التحركات حولت الجيش إلى فصيل عسكري تابع لحزب الله، ينفذ أجندته، يقاتل حسب أولوياته، بل يعذب المعتقلين ويشتمهم طائفيا، نيابة عن حزب الله! ورغم ظهور أصوات حقوقية سنية، أو شخصيات قيادية ترفض هذه الهيمنة لحزب الله على مؤسسات الدولة اللبنانية، كاللواء أشرف ريفي، فإن القوى السنية الأخرى تبدو مستكينة تماما، أو أنها غادرت الاستكانة لمرحلة التأييد والتضامن مع الأجندة المؤيدة لحزب الله والأسد في لبنان، ليتحول وجود هذه القوى السنية في لبنان لديكور في حكومة توافقية شكلا، تجعل حزب الله وحلفاءه قادرين على حكم كل لبنان باسم هذه «المؤسسات الوطنية»، فالطائفة لكي تسود في بلادها، تحتاج دوما لمن يمنحها عباءة الشرعية الوطنية، تماما مثل حالة الجيش والقوى الأمنية في لبنان، وكما العراق وسوريا أيضا.
وائل عصام