سبق لحزب الله في بداياته أن رفع شعار الثورة الإسلامية في لبنان، وكان هدفه يومها إقامة الجمهورية الإسلامية في لبنان على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران، كون الحزب هو أحد إفرازات إنتصار ما سمي بالثورة الإسلامية في إيران سنة ١٩٧٩، على الرغم من أن تلك الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه لم تكن إسلامية، بل كانت ثورة شعبية متعددة الإنتماءات السياسية والفكرية.
إقرأ أيضاً: نشوة عرسال الكاذبة: المشنوق يواجه السلاحَ وحيداً
تأسس حزب الله سنة ١٩٨٢، وبدأ العمل من أجل إقامة جمهوريته الإسلامية، فرفع علم إيران مكان العلم اللبناني، ورفض الإعتراف بالدولة اللبنانية، وأطلق عليها إسم "السلطان الجائر" وخاض معارك مع القريب والبعيد، بدءاً بحركة أمل مروراً بالحزب السوري القومي، وصولاً لجيش النظام السوري الذي كان متواجداً يومها في لبنان، لكنه إصطدم في تعقيدات تركيبة المجتمع اللبناني العصية على التطويع والتدجين، فأدرك بأن شعار الثورة الإسلامية في لبنان غير صالح، وإقامة دولة إسلامية في لبنان هو هدف صعب المنال، فأزال عن علمه جملة "الثورة الإسلامية في لبنان"، ووضع مكانها "المقاومة الإسلامية في لبنان" لما للمقاومة من مكانة في وجدان الشعب اللبناني، ونجح حزب الله بتجميع رصيد شعبي كبير حول شعار المقاومة، وعمد الحزب إلى إحتكار العمل المقاوم من خلال التضييق على جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي أطلقها أمين عام الحزب الشيوعي الشهيد جورج حاوي وأمين عام منظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، حيث شكل الشيوعيون عمودها الفقري ، وكان النظام السوري هو صاحب القرار بالإجهاز على المقاومة الوطنية لأنه عجز عن حصرها بمنطقة أو بمذهب، وبالتالي يصعب عليه إستغلالها والتحكم بحركتها، على عكس المقاومات المذهبية، فتعاضمت قوة حزب الله، وتصاعدت عمليات مقاومته الإسلامية، وحصل التحرير في ٢٥ إلى أيار من العام ٢٠٠٠، وعاد حزب الله إلى الداخل يحمل في جعبته إنتصار كبير وتعاطف شعبي ضخم تخطى حدود الطائفة التي ينتمي إليها، وبدأت مطالبة الحزب بتسليم سلاحه والدخول في ورشة بناء الدولة، لكن الرفض جاء من إيران لأن دور هذا السلاح لم يتنهِ بعد، وبالتالي أصبح سلاح حزب الله شأن إقليمي ومرتبط بالأجندة الإيرانية في المنطقة، رفض حزب الله الدخول في كنف الدولة اللبنانية، ورفض تسليم سلاحه، وبدأ الإنقسام السياسي بالإزدياد يوماً بعد يوم، ثم جاءت حرب تموز وتبعها إنقسام سياسي حاد تتوج بأحداث سبعة أيار الدموية، وعندما بدأ الربيع العربي وإندلعت الثورة في سوريا في العام ٢٠١١، تبين جلياً الدور الذي كان ينتظر سلاح حزب الله، وكان الدخول في الحرب السورية دفاعاً عن النظام السوري بطلب من النظام الإيراني. ترافق ذلك مع أزمة سياسية حادة في لبنان بلغت ذروتها مع الفراغ الرئاسي الذي فرضه حزب الله على إمتداد سنتين ونصف، من أجل فرض الرئيس الذي يريد، وتكريس معادلة سياسية أتت على شكل تسوية أعطت لحزب الله الأمرة والقيادة المطلقة، ليتبين بالملموس بأن حزب الله لا يريد الدخول في الدولة اللبنانية بمنطق الدولة اللبنانية، ولا يريد بل لا يستطيع إقامة دولة إسلامية، بل يريد الدولة اللبنانية بأمها وأبيها، على أن يمسك هو برقبتها، كما جاء حرفياً على لسان رئيس كتلة حزب الله النيابية النائب محمد رعد. ومنذ أن فرض حزب الله رئيساً للجمهورية اللبنانية بقوة الفراغ الذي فرضه بقوة السلاح، وفرض تسوية سياسية هو الآمر والناهي فيها، يكون حزب الله قد نجح بالحفاظ على شكل الدولة اللبنانية بتركيبتها الطائفية كم هي تفادياً للإستفزاز الطائفي، وتحكّم بمضمونها وبكل قراراتها، وما نشهده هذه الأيام من معارك وحروب يخوضها حزب الله في الداخل والخارج، وفي طول المنطقة وعرضها على مرأى ومسمع الدولة اللبنانية، تاركاً لمؤسسات الدولة القيام بدور العلاقات العامة وتنظيم السير والإستقبالات وفرض الضرائب على الشعب، هو دليل أن حزب الله يريد الدولة وليس الدويلة، لأن الدويلة لا تتسع لمشاريعه وسلاحه ومسلحيه، بينما الدولة عندما تصبح بأمرته وبتصرفه، تكون أوسع وأرحب وأكثر مرونة وفعالية في خدمة المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة.