بدا وحيداً نهاد المشنوق، أمام سيل "الوطنجية" المصطنعة، في ظلّ انهيار إعلامي كامل لخصوم الحزب، أمام منظومة حزب الله الدعائية والإعلامية "الجبّارة" والمتسلّلة إلى كلّ زاروب وكالة محلية ودولية، وإلى كل تلفزيون وموقع.
سمير جعج بعث رسائل "غزل" إلى هذا السلاح إثر معارك جرود عرسال، وقال بالحرف: "الداخل ارتاح" بعد المعركة. وليد جنبلاط حيّا "شهداء حزب الله لتحرير جرود عرسال"، وسعد الحريري قال: "حزب الله أنجز المهمة، والمهمّ النتجية". وميشال عون موقفه واضح إلى جانب الحزب.
وحده المشنوق بدا كمن يمسك عصا السيادة من وسطها: "لنعد إلى مناقشة استراتجية وطنية"، و"السلاح شرعيته بوجه إسرائيل". لم يردّ أحد على المشنوق. لا شكّ أنّ موقفه أربك المربكين أصلاً. أربك المستسلمين لنشوة كاذبة من "الإجماع" ستنتهي عند أوّل استنفار مذهبي أو خلاف على حصّة من هنا أو هناك. وأربك من يظنّون أنفسهم "يتذاكون" على حزب الله، فيسلّفونه بالجرود ما يريدون أن يقبضوا ثمنه في وسط بيروت. وينسى هؤلاء أنّ حزب الله حزب أمني لا يفرّق بين جرد وبين مدينة. فهو اجتاح بيروت في أيّار 2008، وحاول احتلال "الجبل"، وتتّهمه محكمة دولية باغتيال معارضيه المسيحيين في عدد من المناطق المسيحية ورفيق الحريري في وسط بيروت، ويعيث قتلاً وتهجيراً في مدنٍ وأريافٍ سورية، كما له محاولات أمنية في العراق واليمن والبحرين والكويت والسعودية، بشهادة تلك الدول.
إقرأ أيضاً: توماهوك المشنوق
لعلّ "السقطة" التي وقع فيها جمهور حزب الله هي شنّ هجوم إلكتروني، على تويتر وفيسبوك، مضمونه سؤال المشنوق: "أين كنتم في حرب تموز لو كنتم صادقين بأنّكم تؤمنون بحقّ سلاح حزب الله في مواجهة إسرائيل؟". هؤلاء من جيل "السوشال ميديا وذاكرته القصيرة. معظمهم كانوا "أطفالاً" قبل 11 عاماً، حين زار المشنوق السيد حسن نصر الله، وظهر على أكثر من شاشة مدافعاً عن المقاومة وواقفاً إلى جانبها بمواجهة إسرائيل ذات تموز وآب 2006.
دعوة المشنوق حزب الله للعودة إلى حضن الدولة من خلال استراتيجية دفاعية هي دعوة صادقة. لا يقولها فارس سعيد أو الياس عطا الله، ولا يردّدها متّهمون بوطنيتهم ضدّ إسرائيل. يقولها من وقف إلى جانب حزب الله بوجه إسرائيل، ويرفض الوقوف معه اليوم في محاولته الحلول محل الجيش الوطني الشرعي.
إقرأ أيضاً: سعد الحريري وحيداً: الصادق الواضح وسط متلوّنين
وإذ يستسلم شركاء المشنوق في الحكومة و"السلطة"، يقف المشنوق وحيداً، حاملاً غصن الزيتون السياسي، وداعياً إلى الكفّ عن تهشيم الدولة ومؤسساتها، على رأسها المؤسسة الأهمّ: الجيش. قبل أن يجرفنا الحصار الإقليمي والدولي، وربما الحروب الأهلية التي بدأت تتسلّل إلى لغتنا السياسية.