أولاً: السيرة النبوية في معاملة الأسرى...
ترك النبي محمد (ص) سُنناً واضحة في حُسن معاملة الأسرى بعد معركة بدر ووقوع عددٍ من مشركي قريش أسرى بين يديه، فقد ذكر ابن إسحاق في السيرة النبوية أنّ رسول الله (ص) فرّق الأسرى بين أصحابه، وقال: استوصوا بالاسارى خيراً. وكان أبو عزيز بن عُمير بن هاشم، أخو مُصعب بن عمير لأبيه وأمه في الاسارى، فقال أبو عزيز: مرّ بي أخي مصعب ورجلٌ من الأنصار يأسرني، فقال: شُدّ يديك به، فإنّ أمّه ذات متاع، لعلّها تفديه منك، قال: وكنتُ في رهطٍ من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز، وأكلوا التّمر، لوصية رسول الله إياهم بنا، ما تقع في يد أحدهم كسرة خبز إلاّ نفحني بها. فأستحي فأرُدّها على أحدهم ، فيردّها عليّ ما يمسّها. فسألت أمُّه عن أغلى ما فُدي به قُرشي؛ فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ،ففدته بها.
إقرا أيضا: من واشنطن إلى عرسال.. اضطراب السياسة الحريرية
وكان في الاسارى أبو وداعة بن ضبيرة السّهمي، فقال النبي: إنّ له ابناً كيّساً تاجراً ذا مال، وكأنّكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه، وما لبث ابنه المطلب أن قدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم وانطلق به.
وقدم مكرز بن حفص ابن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو، فقاولهم وانتهى إلى رضاهم، قالوا: هات الذي لنا: قال: اجعلوا رجلي مكان رجله، وخلّوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه، فخلّوا سبيل سهيل، وحبسوا مكرز مكانه. وكان عمر بن الخطاب قد قال للرسول: دعني أنزع ثنيّتي سهيل بن عمرو، ويدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطنٍ أبدا؛ فقال رسول الله: لا أُمثّل به فيُمثّل الله بي وإن كنتُ نبيا.
وكان أبو العاص بن الربيع (زوج زينب بنت الرسول) في الاسارى، فبعثت زينب في فدائه بمالٍ، وبعثت فيه بقُلادةٍ لها ،كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، فلمّا رآها الرسول رقّ لها رقّةً شديدة وقال: إن رأيتم أن تُطلقوا لها أسيرها، وتردّوا عليها مالها، فافعلوا ؛ فقالوا، نعم يا رسول الله. فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها.
إقرا أيضا: نصرالله، جعجع، الحريري.. الحلف الثلاثي المقدّس الجديد
وذكر ابن إسحاق أنّ أبو عزّة، عمرو بن عبدالله بن عثمان ابن جمح، كان في الاسارى ، وكان محتاجا ذا بنات، فكلّم رسول الله فقال: يا رسول الله، لقد عرفت ما لي من مال، وإنّي لذو حاجة، وذو عيال، فامنُن علي، فمنّ الرسول عليه، وأخذ عليه ألاّ يُظاهر عليه أحداً.
شابت قضايا اسارى بدر شائبة قتل النضر بن الحارث وعُقبة بن أبي معيط صبراً، إلاّ أن الرسول بعدما سمع ما قالته قُتيلة بنت الحارث ترثي أخاها النضر فتقول:
أمُحمّدٌ يا خير ضئن كريمةٍ
من قومه والفحلُ فحلٌ مُعرقُ
ما كان ضرّك لو مننت وربما
منّ الفتى وهو المغيظُ المُحنقُ
فالنّضرُ اقربُ من أسرت قرابةً
وأحقُّهم إن كان عتقاً يُعتقُ.
وقيل أنّ الرسول قال بعد أن سمع قولها: لا يُقتلُ أحدٌ بعد اليوم صبرا، أي مُقيّداً. إلاّ أنّ الدواعش لم يصلهم بعدُ هذا الحديث.
ثانياً: فرحة عودة الأسرى...
لا تعادل فرحة الأسرى وأهاليهم ورفاقهم وأبناء بلدهم بتحرُّرهم من أسر الذّل والعذاب فرحةً أخرى في هذه الدنيا الفانية. عندما يجري التفاوض والحديث عن إطلاق الأسرى، بغضّ النظر عن الجانب الذي هم فيه، تنتعش الآمال، وتُحبسُ الأنفاس، وتتضرّع القلوب لنجاح المفاوضات وإطلاق الأسرى . نُبارك بقلوبٍ عامرة بالغبطة والرحمة والرضا، لأسرى حزب الله الذين عادوا لاحضان أهاليهم وإخوانهم ورفاقهم، وما كان وسيبقى: إلى حضن الوطن وأرض الأجداد والاحفاد.