يجزم العديد من السياسيين والمفكرين العرب أن اتفاق سايكس – بيكو انتهى، وأن بديله يجري رسمه في القاعات المغلقة بين واشنطن وموسكو أساساً، وعندما يحين الوقت يتم إدخال الآخرين من المعنيين بمنطقة الشرق الأوسط بالتتابع، وحسب الأدوار والمواقع والحاجات. حالياً لا يمكن الجزم حول وجهة المسارات ولا حدود الدول الوليدة، فالوضع يؤشّر ويؤكد إلى أن كل الأخطار قائمة، منها ما هو معروف لأنه ظاهر، ومنها ما هو مجهول، ومنها ما هو كامن مثل الألغام المزروعة. في مثل هذه الحالة وما تستولده يرتفع حجم التنافس والتزاحم والاقتتال الدموي، وصولاً إلى الانقلاب في التحالفات وتغيّرها أو تدعيم ما كان قائماً منها. الأخطر في هذا كله، ارتفاع منسوب الاستشراس والتضحيات المباشرة أو بالآخرين. أمام الحفاظ على المصالح والدفاع عنها، لا يوجد مستحيل، لأنها جزء من حروب الوجود.
وسط هذه الصورة السوداء، تبقى نقطة مضيئة هي لبنان رغم كل ما يمر به. يؤكد أحد المطلعين العرب والمتابع للتطورات عن قُرب أن قاعدة «لبنان أصغر من أن يُقسَّم وأكبر من أن يُبلع» ما زالت قائمة
ومستمرة. يوجد إجماع على الحفاظ على لبنان. المهم أن يُساعد اللبنانيون أنفسهم. يكفي أن العديد من الدول العربية ومنها العراق وسوريا تأمل «لبننة» نظامها، وأن يكون المدخل إلى ذلك مؤتمر «طائف» على وزن وحجم بلادهم.
بعد ذلك، ينهمر «شلال» المسارات القادمة. من ذلك أن العراق مثلاً وُلِدَ أصلاً وهو مقسَّم إلى ثلاثة أجزاء: قسم كردي في الشمال الشرقي، وقسم سُنّي في الشمال الغربي، وأخيراً القسم الشيعي في الجنوب. المشكلة ليست في إنجاز هذا التقسيم وإنما في مَن سيحكم ويدير كل قسم. لذلك فإن حرباً بين الأخوة ستقوم مثلها في ذلك مثل حروب مماثلة في سوريا وحتى في اليمن. من ذلك:
* في كردستان العراق، توجد حرب كامنة بين الأكراد أنفسهم أي بين «البرزانيين» و«الطالبانيين»، وأيضاً داخل البرزانيين بعد مسعود البرزاني وداخل الطالبانيين بعد جلال الطالباني. إلى جانب هذه الحروب لا أحد يمكنه تحديد نوعية «حرب» أخوية كامنة بين العرب السُنّة والأكراد أساساً وكيف ستكون التحالفات.
* القسم السُنّي توجد حرب ضدّ «داعش» ولكن أيضاً بين «داعش» وباقي السُنّة من العشائر.
* القسم الشيعي حروب الأخوة فيه جاهزة. نتائج الانتخابات التشريعية والبلديات التي ستجري في ربيع 2018 ستؤشر إلى حجم القوى. الجميع يستعد للمنازلة الكبرى. في وسطها النفوذ الإيراني الواسع، خصوصاً أن إيران عرفت كيف تقتحم المساحة المفتوحة أمامها في الوقت المناسب، فتحوّلت إلى طرف عداؤه مُكلف جداً وصداقته متعبة. لذلك فإن زيارة السيد مقتدى الصدر إلى السعودية ولقاءه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لاقت صدى عراقياً إيجابياً، بحيث أن الآخرين يريدون أن تتحوّل إلى مبادرة شاملة. ولذلك ينقل عن «بيت آل الحكيم أنهم كعراقيين وكمسلمين وكعرب يهمّهم ذلك وعلى قاعدة أن قيام علاقة أخوية يجب ألا تُشكل على قاعدة العداء مع إيران لأن خصوصية العراق حالياً تحول دون ذلك».
أيضاً، وهو مهم، إذا كان السيد مقتدى الصدر قد بادر لمواجهة الاستحقاقات القادمة ومنها الانتخابات التشريعية بالتوجه نحو السعودية، علماً أنه في الأصل ليس على توافق مع إيران، فإن السيد عمار الحكيم أقدم على قيام «تيار الحكمة» انطلاقاً منه، «فالتطور الحاصل في العملية السياسية يتطلب التغيير ومبادرات للتعبير عن تطلعات الشعب العراقي»..
ماذا عن سوريا في هذه الحالة؟
ما زال مستقبل سوريا في أعماق المجهول. التقسيمات غير واضحة. «حروب الأخوة» قائمة وهي ستزداد ضراوة وشراسة بين السُنّة أنفسهم بعد نجاتهم من «داعش» وحتى بينهم وبين سُنّة العراق إذا ما تم وصل جغرافي عراقي – سوري، لأن السؤال سيكون: مَن سيحكم الإقليم السُنّي الوليد؟ سُنّة العراق؟ أم سُنّة سوريا؟
أيضاً الأكراد مصيرهم معلق على القرار النهائي لواشنطن، وهم واقعون بين أقصى التفاؤل في قيام إقليم كردي مستقل وأقصى التشاؤم بالخسارة الكاملة لأن تركيا ترفض حتى نظام اللامركزية الكاملة لهم.
يوجد العديد من التصورات لـ «حروب الأخوة»، حتى اليمن، سيتقاتل حكماً الحوثيون مع «الصالحيين» نسبة إلى علي عبدالله الصالح. والجنوبيون مع الشماليين، وهكذا حتى يُولد اليمن الجديد الذي لا تُعرَف خريطته حتى الآن.
قاعدة «عندما يتقاتل الكبار، على الصغار تحييد أنفسهم» قاعدة ذهبية قائمة في كل وقت خصوصاً بالنسبة للبنان واللبنانيين.