تقرير لموقع "المونيتور" الأميركي لفت إلى أن محمد بن سلمان، حين كان ولي ولي العهد السعودي قال، في أيار 2017، في مقابلةٍ تلفزيونية إنَّ الحوار مع إيران مستحيل بسبب الإيمان الإيراني بالمُخلِّص الشيعي "المهدي". وأضاف بن سلمان حينها: "إنَّ إيران تنتظر المهدي وتريد تحضير بيئة خصبة له، وتريد السيطرة على العالم الإسلامي". ثُمَّ تساءل: "أين نقاط الالتقاء التي يمكن أن نتفاهم فيها مع هذا النظام؟".
وبعد 3 أشهر تقريباً، في 31 تموز 2017، استقبل بن سلمان بعد أن أصبح ولي العهد في مدينة جدة الساحلية غربي المملكة، رجلَ الدين العراقي الشيعي مقتدى الصدر. والصدر هو قائد ومُؤسِّس ما جرت العادة على تسميته "جيش المهدي"، الذي سُمِّي تيمناً بالمُخلِّص الشيعي نفسه المذكور سلفاً، والذي يبدو أنَّ الصدر يؤمن به. كما أن هذا الزعيم الديني الشيعي العراقي سبق أن عبَّر علناً عن وجهات نظر لاذعة بشأن السعودية. ففي عام 2016، ردَّ على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي المعارض نمر النمر بدعوة الشيعة السعوديين للنزول إلى الشوارع، واصفاً السلطات في المملكة بأنَّها تشبه "الدواعش الأنذال".
ورغم تلك التراشقات الطائفية، لم يجد بن سلمان ولا الصدر صعوبةً في الالتقاء والتقاط الصور، بينما كانا يناقشان "مسائل ذات اهتمامٍ مشترك"، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
الطائفية مجرد غطاء
ومرةً أخرى كان اللقاء دليلاً إضافياً على أنَّ الطائفية في الشرق الأوسط هي مجرد غطاء رقيق يُغطّي أصل الصراع الحالي في المنطقة، أي الصراع حول السياسة. وهذا هو ما أحضر الصدر إلى السعودية، ودفع السعوديين لفتح أذرعهم والترحيب به عبر سفيرهم السابق لدى بغداد، ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي الحالي ثامر السبهان، والذي اعتبرته السلطات العراقية في السابق شخصاً غير مرغوبٍ به.
وكان لافتاً أن كشف الصدر، الأربعاء 2 آب 2017، أنه بحث مع الجانب السعودي، خلال زيارته للمملكة "افتتاح قنصلية عامة في النجف (جنوبي العراق، وتضم أبرز المزارات الشيعية بالبلاد)، وسرعة إنشاء خط جوي بين البلدين". ونقلت وكالة الأناضول عنه قوله، إن "الجانب السعودي أبدى رغبته في تعيين سفير جديد للمملكة في بغداد؛ للنهوض بمستوى العلاقات". وليس الصدر هو أول رمز شيعي بارز يزور المملكة مؤخراً.
ففي 18 تموز 2017، زار السعودية وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، الحليف الوثيق لطهران، وذلك بعد شهرٍ واحد فقط من بدء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي جولةً إقليمية بدأها بزيارة الرياض، ثُمَّ بعدها زار طهران والكويت.
حقيقة الوساطة العراقية ومطلب بن سلمان
وأثارت تلك الزيارات العديد من التساؤلات. على سبيل المثال: هل تُمثِّل حقاً جزءاً من محاولة عراقية للتوسُّط بين إيران والسعودية؟ وهل هناك قناة عراقية لتبادل الرسائل بين طهران والرياض؟ أم أنَّ كل ذلك هو خطة سعودية للحد من النفوذ الإيراني عن طريق احتضان العرب الشيعة في البوابة الشرقية للعالم العربي.
حينما وصل الصدر إلى جدة، غرَّد مدوِّن مجهول على تويتر يحمل اسم "مجتهد"، وهو مُدوِّن معروف بتسريبه المستمر لتطوراتٍ مزعومة داخل بيت آل سعود السري، قائلاً إنَّ "الاستقبال الدافئ للصدر، ومن قبله الأعرجي، ومنح الآلاف من تأشيرات الحج لأفراد الحشد الشعبي، والاحتفال بتحرير الموصل، كلها محاولات للتودُّد إلى إيران حتى تشفع عند الحوثيين لعلهم يرحمون بن سلمان".
وفي تغريدةٍ، في 31 تموز 2017، هاجم وزير الدولة لشؤون الخليج العربي الحالي ثامر السبهان النسخة الخمينية من المذهب الشيعي، وأشاد بما وصفه بـ"المذهب الشيعي الأصيل". لكن، وبعد أقل من 24 ساعة، حُذِفَت تلك التغريدة. ومن غير الواضح ما إذا كان الصدر حقاً يحاول التوسُّط بين طهران والرياض.
رد فعل إيران
عبَّر مسؤولٌ إيراني، تحدَّث إلى موقع المونيتور شريطة عدم الكشف عن هُويته، عن شكّه في أن ينجح هذا المسعى في إنهاء التنافس بين القوتين الإقليميتين.
وقد حظي التقارب السعودي العراقي الواضح باهتمامٍ أكبر، مع تعبير العديد من المراقبين عن صدمتهم من رؤيتهم سريعاً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره السعودي عادل الجبير، يتصافحان ويحتضنان بعضهما البعض بإسطنبول، في الأول من آب 2017.
وكان الوزيران موجودين في المدينة التركية للمشاركة في الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، حول التطوُّرات الأخيرة في القدس.
وشارك كلا الرجلين في عدة تجمُّعات في العام الماضي 2016، أحدها كان في سويسرا في 16 تشرين الأول. وفي هذا التجمُّع الأخير، وبينما كان كلاهما مواجهاً للآخر، لم يبدُ حتى أنَّهما قد نظرا لبعضهما. وبينما نفى ظريف سريعاً التكهُّنات بشأن ذوبان الجليد في العلاقات بين الدولتين، قائلاً إنَّه والجبير قد "عرفا بعضهما طويلاً، وكان ذلك ببساطة مجرد تحيةٍ أخرى"، أضاف إنَّه على الرغم من أنَّ إيران "لا تتفق مع كثيرٍ من سياسات السعودية، فإنَّ سياستها (أي إيران) كانت دوماً قائمة على إقامة علاقاتٍ جيدة مع جيرانها".
وجاء اللقاء المفاجئ في إسطنبول على نحوٍ لافت للنظر أيضاً، بالتزامن مع وصول أوائل الحجاج القادمين من إيران إلى السعودية، للمشاركة في أول رحلة حجٍّ منذ عامين؛ وكجزءٍ من هذا الأمر، منحت السعودية 10 دبلوماسيين إيرانيين تصريحاً للتواجد في 3 مدن سعودية، من أجل رعاية الحجيج الإيرانيين، حتى بعدما قطعت السعودية العلاقات مع إيران في عام 2015.
تسوية أم هدنة
وفي حين قد لا تكون هناك أرضية مشتركة بين البلدين في الوقت الحاضر، فإنَّ بعض الخطوات قد تساعد في حال كانت هناك نية لتجسير الفجوات بينهما. ولدى العراق الإمكانية للعب دورٍ هام في جهدٍ كهذا، وفي حين يحظى الإيرانيون باليد العليا في بغداد، فإنَّ السعوديين ربما يساعدون في إدماج السُّنَّة العراقيين في العملية السياسية هناك. وقد يكون لذلك تداعياتٌ لاحقة، ربما على الأزمة اليمنية والوضع في سوريا.
في الوقت الراهن، لا يمكن للجميع سوى التكهن بما سيحدث؛ إذ لا توجد أي أدلة مُحدَّدة على وجود مبادرةٍ جادة لتعزيز التوافق، مدفوعة بموافقة كلا الطرفين. حيث يشعر السعوديون بقلقٍ بالغ من احتمال حصول إيران على نفوذٍ في بعض الدول العربية، وهذا وحده من وجهة نظر السعوديين يُقوِّض قدرة الرياض على رسم سياسات المنطقة. وتُعَد سوريا، واليمن، ولبنان أمثلةً جيدة في هذا الصدد.
ورغم المؤشرات الكثيرة التي تشير إلى العكس، قد تشهد السعودية وإيران هدنةً، أو وقفاً للأعمال العدائية، أو تحْظَيَا بتفاهمٍ تُقدِّم كلٌّ منهما فيه للأخرى بعض التنازلات. لكن حتى ذلك لن يعني أنَّ تنافسهما سينتهي. ففي أفضل الأحوال، سيعني هذا مجرد استراحة قبل بدء المواجهة التالية.
(هافغتون بوست)