116 هو عدد الحافلات التي خرجت أمس من عرسال، وعلى متنها مُسلحو جبهة النصرة وعائلاتهم إلى بلدة فليطا السورية في القلمون الغربي. فتكون بذلك المرحلة الأولى من تحرير جزءٍ من جرود عرسال، والتخلّص من تنظيم النصرة الإرهابي، قد طُويت بنجاح. الحافلات، التي رافقتها 17 سيارة من الصليب الأحمر نقلت جرحى «النصرة»، وصلت ليلاً إلى بلدة فليطا.
وبحسب «الإعلام الحربي»، فإنّ أعداد الذين غادروا من عرسال إلى إدلب هم 7777 (قتلت «النصرة» واحداً منهم قبل انطلاق القافلة)، ينقسمون إلى 6101 نازح و116 مُسلحاً من بلدة عرسال. أما من المنطقة الواقعة خارج سيطرة الجيش اللبناني في جرود عرسال، فخرج 1000 مُسلح و560 نازحاً. المُسلحون لا يشملون فقط المقاتلين، بل كلّ من حمل سلاحاً تحت راية «النصرة»، وكلّ من ساعدهم لوجستياً، وكلّ من قدّم لهم الخدمات استخبارياً. وإضافةً إلى تسليم «النصرة» ثلاثة موقوفين من السجون اللبنانية (عبد الغني شروف، عبد الرحمن زكريا الحسن، وعدنان محمد الصليبي) أول من أمس، سلّم الأمن العام أمس موقوفتين، هما خولة القصاب، وريهام حمدوش. جرت العملية بإشراف الأمن العام ومواكبته، مع انتشار عناصر المقاومة على طول الطريق إلى فليطا. وقبل الانطلاق، حاول «أمير» جبهة النصرة في الجرود (سابقاً) أبو مالك التلي تأخير الانطلاق، فتلقى تحذيراً دفعه إلى تسريع عملية الترحيل. ومن المنتظر أن تسلّم النصرة اليوم خمسة أسرى للمقاومة، فور وصول القافلة إلى حدود «إمارة إدلب الكبرى». ونشر التنظيم الإرهابي أمس فيديو يُظهر الأسرى الخمسة، وهم بصحة جيدة.
مرحلة ما بعد تحرير جرود عرسال، وخروج «النصرة» من لبنان، سيتحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عند الثامنة والنصف من مساء اليوم.
من جهته، بدأ الجيش اللبناني يتسلّم المواقع المُحرّرة، الواقعة في محيط وادي حميد، والتي لم يدخلها منذ الـ2011. وستُباشر قيادته في اليومين المقبلين بالمفاوضات لتنفيذ الاتفاق مع سرايا أهل الشام، الذي يقضي بخروجهم مع عائلاتهم من عرسال إلى الداخل السوري، سواء إلى مناطق في قرى القلمون الغربي خاضعة لسلطة الدولة السورية، وإما في قرى القلمون الشرقي الخاضعة لسيطرة مجموعات مُسلحة معارِضة (يجري التفاوض، برعاية روسية، من أجل عقد مصالحة فيها مع الدولة السورية). مصادر أمنية لبنانية، لم تستبعد أن يبقى في لبنان مجموعة من سرايا أهل الشام، باتت تأتمر رسمياً بأوامر الجيش اللبناني، وسبق أن قاتلت تنظيم «داعش»، وساعدت الجيش في الحصول على قدر كبير من المعلومات عن الجماعات الإرهابية في الجرود.
الانتهاء من المفاوضات مع سرايا أهل الشام، يعني بدء العدّ العكسي لانطلاق معركة تحرير الجزء الشمالي من جرود عرسال، وجرود القاع، ورأس بعلبك، من وجود «داعش». وبات محسوماً، أنه خلال المعارك، سيكون هناك تنسيقٌ بين الجيشين اللبناني والسوري، من خلال حزب الله. ولم تستبعد مصادر سياسية لبنانية رسمية «إمكانية أن يتحول التنسيق بين الجيشين مباشراً، بعد انطلاق المعركة، بسبب الوقائع الميدانية». ومن المُرجح ألا يخوض الجيش اللبناني المعركة مُنفرداً، لأنّ حزب الله والجيش السوري سيخوضان، في الوقت عينه، المعركة من داخل الأراضي السورية، وعلى طول الحدود الشمالية، والشرقية، والجنوبية للجرود. الجبهات المُتعدّدة التي ستُفتح، لبنانياً وسورياً، ستُخفف الضغط الدفاعي لـ«داعش» ضدّ الجيش اللبناني.
ومواكبةً لعملية التفاوض، استقبل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أمس المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فدافع عن العملية، مُعتبراً أنّ «كل الدول في العالم تفاوض حين يتعلق الأمر بمواطنيها». وقال إنّ موقف الحكومة من معركة الجرود هو «حماية اللبنانيين ومخيمات النازحين الموجودة في البلدة. أراد حزب الله أن يقوم بهذه العملية، التي أنجزت أموراً في مكان ما، ولكن الجزء الأكبر هو الذي يقوم به الجيش اللبناني، وهو المهم بالنسبة إلينا. الحكومة هدفها الأساسي حماية كل الحدود، وعدم السماح للنصرة أو داعش أو أي فريق متطرف بأن يدخل إلى الأراضي اللبنانية، وهذا ما قام به الجيش». وقد وصف الحريري الصيغة التي جرى التوصل إليها بـ«الحل المناسب جداً للدولة اللبنانية، وهو إنجاز كبير»، مُعتبراً أنّ «الدولة هي التي قامت بكل هذا الإنجاز. أنا أعرف اللغط الحاصل في هذا الأمر وأن حزب الله شنّ هذه المعركة. وهناك مواقف صدرت عن تيار المستقبل وغيره. لكن ما يهمني ما حصل اليوم. هناك منطقة كانت مرهونة وتعاني من مشكلة كبيرة جداً، وهذه مشكلة انتهت. وهناك منطقة أخرى فيها داعش، وهذه المشكلة ستنتهي بدورها والجيش اللبناني سيتعامل مع هذا الموضوع بالشكل اللازم». ودعا رئيس الحكومة إلى عدم «المزايدة على بعضنا. لنا رأينا ولحزب الله رأيه. ولكن في نهاية المطاف، التقينا على إجماع ما يهم الشعب اللبناني من أجل الاقتصاد اللبناني والأمن اللبناني والاستقرار والحكومة ومجلس النواب في لبنان».
من جهته، نقل النواب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد لقاء الأربعاء النيابي، أنّ «ما حصل في جرود عرسال من انتصار على الإرهاب هو انتصار لبناني شامل لاقى إجماعاً لبنانياً، وأثبت أننا قادرون على تحقيق الإنجازات الوطنية ومواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالوطن، أكان من العدو الإسرائيلي، أم من الإرهاب التكفيري».