لم تكد الفتاة السورية ي.ز. تبلغ الـ17 عاماً لتُصدم بذويها يعرضونها للبيع لشخص لا تعرف عنه أكثر من أنه إبن بلدها ومُلقَّب بـ»أبو اسكندر»... لكنّ «إبن البلد» لم يرحم الفتاة التي سرقت الحرب مراهقتها أساساً، فأدخلها عبر شبكة دعارة الى لبنان بطريقة غير شرعية حيث تمّ فضّ بكارتها بالإكراه لقاء مبلغ مالي، فـ«العذراوات أسعارهن أغلى»، وأُجبرت على العمل في مجال الدعارة. اليوم ي.ز. موقوفة مع «زميلتين» لها في العمل لدى مكتب الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب إضافة الى المشغّلين، فماذا حصل؟يُجرّم القانون اللبناني الإتجار بالبشر (المادة 586 وما يليها من قانون العقوبات)، حيث تُعتبر الدعارة نوعاً من أنواع الإتجار بالبشر انطلاقاً من تعريف هذه الجريمة الذي يتضمّن اجتذابَ شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقّي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على مَن له سلطة على شخص آخر، بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير.
إذاً يمكن اختصار حالة ي.ز. بأنها تحدٍّ علني للقانون، فالفتاة القاصر التي ستبلغ الـ18 من عمرها في شهر تشرين الثاني المقبل، بدأت رحلة العمل في هذا المجال منذ أكثر من سنة، وأُجبرت على دخول هذا النفق المظلم، فسواءٌ أتاها عجوز مقرف، أو آخر متّسخ يتصبب منه العرق ورائحته نتنة، أو آخر مريض وسينقل لها العدوى، كان عليها أن تقبل، فـ«الشغل شغل».
وفي التفاصيل، أنه بعد عمليات تفكيك شبكات الإتجار بالأشخاص وتسهيل الدعارة الواسعة النطاق المنتشرة على كل الأراضي اللبنانية، توافرت معلومات لمكتب الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب عن تعرّض فتاة سورية للإكراه والإجبار على العمل في مجال الدعارة.
وبعد عملية رصد وتعقّب استمرت لنحو أسبوع للشبكة التي تستثمر الفتاة السورية، جمع خلالها المكتب كل المعلومات عن الشبكة ومكان نشاطها وتبيّن له عندها أنّ الفتاة السورية قاصر، فأوقف ثلاث فتيات يعملن في مجال الدعارة بإدارة الشبكة وتسهيلها وهنّ السوريات ع.ح. (1993)، م.ع. (1989)، والقاصر ي.ز. (1999)، كما أوقف السوري ع.د. (1997) الذي كان يؤمّن الزبائن للفتيات.
وفي التحقيق، تبيّن أنّ أعمال عناصر الشبكة توسّعت لتطاول شتى مناطق محافظتي بيروت وجبل لبنان، عندها نفّذت قوة من المكتب عمليات دهم عدة في جونية والمعاملتين والبوار، وأوقفت الرأس المدبّر للشبكة في الأشرفية، وهو اللبناني ج.ق. بعد استدراجه بطريقة محكمة، كما أوقفت كلاً من السوريين ع.غ. (1965)، ت.م. (1986)، أ.ش (1985)، ون.ج. ليتبيّن لهم كيفية دخول الفتاة السورية في هذا المجال من خلال بيع ذويها لها. في وقت يستمر المكتب في تحقيقاته بإشراف القضاء المختص للقبض على بقية عناصر الشبكة.
وكان تقريرٌ لوزارة الخارجية الأميركية عن الإتجار بالبشر صدر منذ نحو سنتين، أشار الى وجود استغلال كبير للأطفال في أعمال الدعارة في لبنان (كل شخص دون الـ18 من عمره)، والى وجود ثغرات في قانون مكافحة الإتجار بالبشر الصادر عام 2011 وأبرزها «عدم تحديد آليات حماية الضحايا» خصوصاً المكرهين على العمل في الدعارة مثلاً. إذاً هل ينصف القانون هذه الفتاة ومثيلاتها بعدما قست عليها الحياة، أم أنه كُتب لها أن تعيش الظلم طوال عمرها؟