بعد أخذ وردّ، وشروط وشروط مضادة مرتفعة السقف، عادت المفاوضات وسلكت مسارها الإيجابي. حاول أمير جبهة النصرة أبو مالك التلّي إتباع أسلوب خذ وطالب في المفاوضات. فبعدما حقق إصطحاب آلاف المدنيين مع مسلحيه بسلاحهم الخفيف إلى الداخل السوري، وهذا ما يعتبر أنه يُكسبه مزيداً من الشرعية الشعبية، حاول فرض شروط أخرى، وهي تتمثّل بالمطالبة بإطلاق سراح موقوفين غير محكومين في سجن رومية. رفضت الدولة اللبنانية بداية هذا المطلب، وفيما كان حزب الله يصرّ على إطلاق سراح أسراه الثلاثة قبيل بدء عملية إنتقال قوافل المدنيين والمسلحين إلى الداخل السوري، طالب التلّي بإطلاق سراح عشرين موقوفاً في سجن رومية مقابل الأسرى الثلاثة.
هنا، دخلت المفاوضات مرحلة دقيقة وحساسة، وكانت إشارة إلى أن الأمور تصل إلى خواتيمها، خصوصاً أن النصرة، غالباً ما تعتمد هذا الأسلوب في اللحظات الأخيرة من تطبيق أي إتفاق، لكن موقف الجانب اللبناني كان حاسماً بعدم التنازل إلى هذا الحدّ. ما دفع النصرة إلى التنازل للقبول بإطلاق سراح خمسة موقوفين مقابل أسرى الحزب. على هذا رست المفاوضات ليل الاثنين الثلاثاء، كما اتفق على أن تبدأ عملية التبادل ظهر الثلاثاء، ولكن بعد ساعات، عادت النصرة ورفعت سقف شروطها، مطالبة بالسماح بانتقال عدد من المطلوبين في مخيم عين الحلوة، وقدّمت أسماء لموقوفين خطرين، من بينهم متهمين بقتل العسكريين المخطوفين. وهنا، كان ثمة قرار لدى المعنيين والأجهزة، بأن هذه الشروط تمسّ السيادة ولا يمكن التنازل بها. وجرى الثبات على موقف رافض لإطلاق سراح أي شخص لوّثت يديه بدم اللبنانيين أو العسكريين، بالإضافة إلى رفض قاطع لإخراج أي مطلوب من مخيم عين الحلوة.
لا تخفي مصادر متابعة أن الشروط التي رفعتها النصرة، كانت توحي بأن الإتفاق سيفشل. وهذا ما دفع اللواء عباس إبراهيم إلى إيصال تحذير بأن كل عملية التفاوض ستتوقف، وعلى النصرة أن تتحمل مسؤولية إفشال المفاوضات، وبأن الخيار العسكري سيكون الوحيد أمامها. وعاد إبراهيم وأوصل رسالة ثانية بأن هناك مهلة أمام النصرة حتى منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء، لتنفيذ ما اتفق عليه، وفي حال عدم إتمام ذلك، فإن العملية العسكرية ستُستأنف.
عادت النصرة وتراجعت عن شروطها المرتفعة، ولكنها طالبت بفصل عملية التبادل مع أسرى حزب الله الثلاثة الذي أسروا قبل أيام، وهم حمد حرب، شادي زحيم، وحسام فقيه، مقابل إطلاق سراح ثلاثة موقوفين سوريين، على أن تبدأ عملية إنتقال القافلة التي تضم مدنيين ومسلحين مع سلاحهم الفردي فجر الأربعاء. فوافق الجانب اللبناني على ذلك، وتوجه إبراهيم إلى وادي حميد، حيث أعطى إشارة لبدء التسليم والتسلّم.
اللافت كان وجود الشيخ مصطفى الحجيري الملقب بأبو طاقية، والذي اضطلع بدور تفاوضي طوال الأيام الماضية، وهو الذي تسلّم المطلق سراحهم من سجن رومية، وانتقل معهم بسيارات الصليب الأحمر إلى ما بعد حاجز وادي حميد، حيث سلّمهم للنصرة وتسلّم أسرى حزب الله الثلاثة.
واعتبر إبراهيم أن ما يتحقق هو نصر للدولة اللبنانية، وأكد أن "لا مطلوبين في عملية التفاوض من عين الحلوة، وهي خارج البحث"، خصوصاً أن بعض المطلوبين من المستحيل أن نقدمهم فأيديهم ملطخة بالدم اللبناني ودم الجيش اللبناني. وكشف إبراهيم أن أسرى حزب الله الخمسة في إدلب، سيتم تسليمهم دفعة واحدة، لدى وصول القافلة إلى إدلب. وأوضح أن الرئيس سعد الحريري كان أول من طلب منه إنهاء ملف جبهة النصرة ووجودها في جرود عرسال، منذ عشرة أيام، إذ طالبه بضرورة الانتهاء من الكابوس وإتمام عملية التبادل.