كان من المفاجئ أن رئيس وزراء لبنان سعد_الحريري أنهى زيارة للعاصمة الأميركية والتقى الرئيس دونالد #ترمب وأركان إدارته من دون أن يصدر أي بيان رسمي عن مضمون المحادثات أو عن إنجازات الزيارة أو حتى القواسم المشتركة بين الحكومتين.
خلال الأيام الماضية سعت "العربية.نت" لفهم حقيقة ما حصل خلال هذه الزيارة وتحدثت إلى ثلاث شخصيات رسمية وغير رسمية ممن تابعوا هذه الزيارة الطويلة والشاملة.
التحالفات ضد إيران
تمّ تنظيم هذه الزيارة لرئيس وزراء لبنان منذ أشهر من ضمن تفاهم أميركي مع المملكة العربية السعودية لمدّ خطوط الاتصال مع شخصيات سياسية عربية، خصوصاً من هم في مناصب رسمية، وتمكين هذه الشخصيات في عملها بشقّيه، الأول وهو نشر الاعتدال ومواجهة التطرف والثاني هو مواجهة النفوذ الإيراني.
تعتبر الإدارة الأميركية اليوم أنها استقبلت رئيس وزراء لبنان بأفضل أسلوب ممكن، فالرئيس الأميركي عقد اجتماعاً منفرداً مع سعد الحريري، ثم التقى الوفد الموسّع، ولأول مرة في الذاكرة القريبة شهدنا مؤتمراً صحافياً مشتركاً بين الرئيس الأميركي مع رئيس حكومة لبناني.
الأهم أن الإدارة الأميركية لم تطالب رئيس وزراء لبنان بإطلاق تصريحات عنيفة ضد إيران أو حزب الله، حتى عندما سألت "العربية.نت" حول هذا التفصيل اعتبر الأميركيون أنهم يفهمون مواقف الحريري ولا داعي لتصريحات "قوية، فنحن نعرف أن حزب الله قتل والده".
إلى ذلك قامت الإدارة الأميركية والكونغرس بخطوتين مهمتين لحماية زيارة رئيس وزراء لبنان من مضاعفات غير مرجوّة، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن صرف 140 مليون دولار أميركي مساعدات للبنان في تحمّل عبء اللاجئين، فيما عمد أعضاء الكونغرس الأميركي إلى طرح مسوّدة قانون يفرض عقوبات على حزب الله قبل أن يصل الحريري إلى واشنطن فلا يعتبر حزب الله ومؤيّدوه أن له علاقة مباشرة بهذه المسوّدة.
الحاجة لأميركا
سعى رئيس وزراء لبنان خلال زيارته ومع الوفد المرافق للتطرق إلى ثلاث قضايا أساسية وهي المحافظة على الدعم الأميركي للبنان وخصوصاً الجيش اللبناني، وطلب استمرار المساعدة الأميركية في استضافة اللاجئين السوريين على أراضيه، وثالثاً محاولة الحريري جلب الأموال لصندوق الاستثمارات.
نجح الحريري والوفد المرافق له في التعبير عما يفكّرون به أمام كل الجهات الأميركية، ويعتبر الأميركيون أن الحضور الطويل لرئيس وزراء لبنان في العاصمة الأميركية ساعد على طرح ما يريده اللبنانيون، لكن الحريري فشل عملياً في تقديم إنجاز واضح ومكتوب في ملف المساعدات، بما فيها المساعدات المخصصة للجيش اللبناني، فإدارة دونالد ترمب تجري خفضاً كبيراً على برامج الهبات الأميركية في العالم وحتى الآن لم تغيّر رأيها، ويعوّل اللبنانيون على مساعدة أعضاء الكونغرس وتوصيات وزارتي الخارجية والدفاع في إضافة الأموال.
في قضية اللاجئين السوريين طرح الوفد اللبناني نظرية مفادها أن اللاجئين السوريين عبء لا يمكن أن يتحمله لبنان بعد اليوم وعلى الأسرة الدولية أن تساعد في ذلك. الفكرة الأوسع انتشاراً في صفوف الوفد اللبناني كانت قائمة على مقارنة التكلفة، فقد عرض اللبنانيون أرقاماً تقول إن تكلفة اللاجئ السوري في بلد أوروبي أو في الولايات المتحدة تتخطّى 50 ألف دولار أميركي سنوياً، فيما يستطيع لبنان لو تلقّى 20 ألف دولار لكل لاجئ أن يخلق فرص عمل ويهتم بتعليم وإقامة اللاجئين.
يبقى موضوع صندوق الاستثمارات الضخم الذي يريد رئيس وزراء لبنان إنشاءه وهو تحدث عنه إلى كل مسؤول التقاه خصوصاً المسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد.
"مشكلة حزب الله"
يبقى أن الهمّ الأكبر عند اللبنانيين هو "تعاطي واشنطن مع حزب الله" فالانطباع لدى اللبنانيين أن لدى إدارة ترمب هدف واضح وهو مواجهة إيران وحزب الله، لكن اللبنانيين لا يريدون أن تنفجر الأمور بين أيديهم فلا يستطيعون السيطرة على الأوضاع. رئيس وزراء لبنان والوفد المرافق له عبّروا خلال الزيارة أكثر من مرّة عن أن "مشكلة حزب الله هي مشكلة إقليمية ودولية، ويجب التعاطي معها على هذا الأساس".
أكثر ما أصرّ عليه اللبنانيون خلال لقاءاتهم المسؤولين الأميركيين كان ضرورة تحاشي الدفع بالقطاع المصرفي اللبناني إلى العزلة، فأكثر ما يقلق اللبنانيين هو القول إن القطاع المصرفي اللبناني يسهّل عمليات غسل الأموال أو تسهيل أعمال حزب الله، وبالتالي اعتبار القطاع المصرفي اللبناني عالي المخاطر ما يدفع المصارف الدولية للتوقف عن التعامل معه، أو تنسحب بعض المصارف وصناديق الاستثمار، خوفاً من عقوبات أميركية عليها.
يبدو أن الوفد اللبناني نجح في إيضاح المخاطر فيما حذّر الأميركيون الحريري والوفد اللبناني من أنه لا يمكن حماية أي طرف أو مؤسسة تساهم في تمويل أو غسيل الأموال لحزب الله، وإذا قبلت الولايات المتحدة بأن الأوضاع السياسية تفرض على بعض السياسيين التعامل مع حزب الله، مثل المشاركة في الحكومة أو المجلس النيابي، "فلا أحد مضطر للتعامل المالي أو الاستثماري مع حزب الله".
الأميركيون أكدوا بالمقابل لرئيس وزراء لبنان إلى هذا أنهم يريدون فرض عقوبات على حزب الله وليس إلحاق الضرر بالاقتصاد اللبناني أو اللبنانيين.
الجزء الثاني من نجاح الوفد اللبناني كان حماية سمعة الجيش اللبناني مع الأميركيين، فقد تعمّد حزب الله شنّ عملية على منطقة عرسال ضد التنظيمات الإرهابية فيها خلال زيارة الوفد وظهر أنه يقرّر بدء المعارك ويستطيع أن يضع الجيش اللبناني في الخطوط الخلفية.
لا يبدو أن الأميركيين اقتنعوا بمحاولة حزب الله، فالجيش اللبناني أبلغ وزارتي الخارجية والدفاع أنه لا يقدّم أي دعم عملي لـ حزب_الله أكان بالقصف تمهيداً لهجوم أو دفاعاً عنه إذا تعرّض لهجوم وتنحصر مهمة الجيش بمنع تسلل عناصر إرهابية من أراضي سوريا وحماية المدنيين.
المرحلة المقبلة
أثبتت الإدارة الأميركية بزعامة ترمب أنها هادئة وحذرة أكثر مما توقّعه الكثير من اللبنانيين وغير اللبنانيين، فهم رأوا في تصريحات ترمب بداية ولايته لجوءا قريباً لاستعمال القوة ضد حزب الله أو إيران، والآن يرون أن الإدارة الأميركية تقيم حساباً للتوازنات المحلية، لكنها لن تتخلّى عن أهدافها.