طبول المعركة الإنتخابية تقرع، وبيادق الأخصام تصطف على رقعة شطرنج اللوائح، والمعركة باردة حامية، الكل يستطلع إمكانياته، الموعد بعد أشهر عشر، تتسارع السويعات والدقائق والثواني نحوه، المدة ليست بطويلة، فعشرة أشهر في عمر التحضير للإستحقاق المفصلي هنيهة لا تكاد تبدأ حتى تنقضي وخاصة مع تميز الطاقم السياسي التراثي والمتحفي في لعبة الدويخة، وعنوانها السؤال السمج السخيف، هل ستجري الإنتخابات النيابية أم لا.
في الكواليس، الإستعدادات تجري على قدم وساق، الأحزاب السياسية " زيتت" ماكيناتها التي صدأت منذ ما يقارب التسعة أعوام، مدركة أن لعبة النسبية مختلفة إختلافاً جذريا عن معركة قوانين الستينات المتعاقبة، القائمة على الخدع التقليدية من تعليم اللوائح ولغمها وترغيب الناخبين وترهيبهم، "وضغط" الماكينات الإنتخابية و"زقورة" الناخبين والمندوبين الجوالين،و الواقفين أمام المراكز، ومتطوعي حمل المرضى والمقعدين "وان واي"، وتنخيب الموتى والأشباح والمستغربين والمستعربين والمسافرين والمجنسين وكل ما هب ودب ممن يمت بصلة إلى لوائح الشطب، المنفوخة أصلاً بتأثير الفساد وغياب المكننة في دوائر النفوس.
الإنتخابات"نسبية" إذن، وما أدراك ما النسبية، وكيف تحول اللاعب الأبرز على الساحة الجبلية، النائب وليد جنبلاط، بسحر ساحر من أشرس الرافضين لها، إلى أحد داعمي "الحراك العدواني" الذي أوصل إلى قانون من فصيلتها، نسبية الخمسة عشر دائرة، وقد تسرب أن جنبلاط لم يكن ليوافق على النظام النسبي، لولا أن صحافياً درزياً يصنفه جنبلاط في خانة الصديق اللدود قال له :" لوين رايح يا بيك، مش عارف إذا تحالف السني مع المسيحي بالجبل، مابيطلعلك نائب واحد حتى لو كل الدروز صوتولك بالستين"؟ في إشارة إلى التدني المرعب لعدد السكان الدروز، بتأثير الهجرة وتأخر سنن الزواج، وقلة المواليد.
إقرأ أيضًا: نصرالله، جعجع، الحريري.. الحلف الثلاثي المقدّس الجديد
المعارك أممية (من تسمية أم المعارك) على مساحة البلد، تكاد لا تخلو منطقة من منازلة مفصلية، تقف القوى السياسية خائرة القوى، عاجزة عن فك شيفرة قانون إنتخابات هي صنعته، وتنتظر سماء التحالفات لتمطر غيث الأصوات، لتعود وتصطدم مرة أخرى بعقبة الصوت التفضيلي واحتسابه بالنسبة، ما يصعب أكثر فأكثر اللعبة على اللاعبين. فمن جهة، يطمح اللاعبون إلى تجميع قامات ترفد اللائحة بكم من الأصوات، ومن جهة أخرى، لا يريدون أن يجمع شركاؤهم نسبة عالية من الأصوات التفضيلية، كي تكون نسبتهم من الأصوات التفضيلية في لائحتهم أعلى من نسبة نظرائهم في الطوائف المختلفة الأخرى.
حالة الشوف وعالية لا تشذ عن القاعدة، دمج الدائرتين في دائرة واحدة اعتبر جائزة ترضية قد دفعت للنائب وليد جنبلاط، كي يتخلى عن معارضته للنظام النسبي، الذي لطالما اعتبره إنتحاراً سياسياً له، باعتبار أنه يلغي مفاعيل البوسطة الجنبلاطية التي أوصلت إلى الندوة البرلمانية نواباً لا عنوان معروفاً لهم، أو نواباً كل مأهلاتهم التشريعية هو إمتلاكهم لبحر لا ينضب من الأموال الخليجية، في حين غاب أي تعديل في وجوه النواب الدروز منذ عقود، رغم مطالبة هؤلاء لجنبلاط باستبدالهم، يصر زعيم المختارة على الإبقاء على نفس الوجوه، مطالباً النواب بالمقابل بالوقوف إلى جانب نجله كما وقفوا إلى جانبه.
لا خطر موصوفاً على مقعد جنبلاط، الغالبية الدرزية "الجنبلاطية" ستفضله في الإنتخابات، بالمقابل المنافسة حامية على المقعد الدرزي الثاني، الذي يسعى النائب والوزير الثمانيني مروان حمادة لتوريثه لنجله كريم، توريث، يخشى جنبلاط إذا تم، أن يعرض المقعد لخطر الإختراق الآتي من الجاهلية، جارة بعقلين، التي ينتصب فيها مارد "التوحيد العربي" الذي بات القريب والنائي يعلم أن طموح رئيسه ليس مقعداً نيابياً، بل زعامة درزية ممتدة من لبنان إلى سوريا والجولان عمل وهاب جاهداً لها، وفرضها بقوة الأمر الواقع منافسة الزعامتين التقليديتين، ومستفيدا من تلاقي الزعامتين بمقدار استفادته من اختلافهما وتباعدهما. وبات، إذذاك، يعتبر نفسه أحق بالمقعد الدرزي الثاني في الشوف، بهذا المعنى، فوهاب يستفيد من تغريده منفرداً خارج السرب، مقابل إضطرار جنبلاط لتوزيع أصواته التفضيلية في الشوف بين المقعد الدرزي الأول، والمقعد الدرزي الثاني، ومقعد النائب نعمة طعمة، والكل يعلم صعوبة توزيع الصوت التفضيلي لغير المحازبين.
إقرأ أيضًا: أحكام قاضي القضاة إبراهيم الأمين في حقّ المعارضة الشيعية
الوضع في عالية مختلف نسبياً، نائب المنطقة أكرم شهيب يصر على أنه تعب، وأنه يريد أن يرتاح، لا يبدو إبنه الأربعيني جاهزاً لتولي نفس المهمة نفسها، بالمقابل، البدائل الإشتراكية قليلة، إذ إن تورط بعض القيادات الوسيطة الإشتراكية الشابة بخطاب عالي اللهجة ضد سوريا، وتورط بعضهم في النزاع السوري بأعمال عدائية ضد الحكومة السورية، يجعل منسوب مقبوليتهم في الوسط الدرزي والوطني متدنياً، ويزكي الموضوع التململ الدرزي من بقاء نفس الأشخاص، ويكاد التململ يصبح غلياناً ونقمة، مع تحول بعض القيادات الوسيطة المفترض أن تكون رابطاً بين القيادة والشعب إلى متنفعين وأصحاب مصالح، وحتى إلى مصادر لمعلومات كاذبة.
ولم يتضح حتى الآن الموقف النهائي للأميرة حياة أرسلان، التي من المرجح أن تخوض غمار المعركة الإنتخابية، وجها نسائيا وطنياً لامعاً، كما لم يتضح إن كانت العلاقة المستجدة بين رئيس الحزب الديمقراطي الأمير طلال أرسلان والنائب جنبلاط سوف يتم تقريشها إنتخابياً، وتتويجها بتحالف عريض، ترجح العديد من المصادر المقربة أنه بات قريباً جداً، بإعلان البيك والمير الترشح في لائحة واحدة، تحت عنوان وحدة الجبل والطائفة.
المعركة إذن أم المعارك درزياً، بحيث لم تعد معركة مقعد نيابي في الحالة الدرزية، بل معركة كسر حصرية المقاعد النيابية ضمن الحالة الجنبلاطية، ومقعد الأمير طلال، وما يستتبع ذلك من فرض الشراكة في الوزارة، وفي تعيين مشيخة العقل، وفي المجلس المذهبي، والأوقاف، وإلى ما هنالك من ملفات، لدى المعارضة الدرزية الكثير لتقوله فيه متى آن الأوان.