فيما احتفلَ لبنان رسمياً وشعبياً بالعيد الـ 72 لجيشه الذي يستعدّ لمعركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من إرهابيّي تنظيم «داعش»، بدأ تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق عرسال في شأن انسحاب مسلّحي «جبهة النصرة» ممّا تبقّى من جرود عرسال، بعد تعثّر دام ساعات نتيجة شروط مفاجئة لهذه الجبهة وتمنّعها عن تسليم المقاتلين الثلاثة من «حزب الله»، ولكنّ الاتصالات التي قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ميدانياً من عرسال واللبوة وإمهاله «النصرة» حتى منتصف الليل بعد تهديده بالإنسحاب من المفاوضات، ذلّلت هذه الشروط، وحصل التبادل بُعيد منتصف الليل، على أن تنطلق الحافلات صباح اليوم لنقل مسلّحي «النصرة» وعائلاتهم ومن يَرغب من السوريين إلى إدلب عبر الداخل السوري.
بعد غيابٍ دام ثلاث سنوات احتفلَ لبنان بعيد الجيش، إذ ترَأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الكلّية الحربية في ثكنة شكري غانم في الفياضية احتفالَ تقليد السيوف للضبّاط المتخرّجين في دورة حملت اسمَ «دورة المقدّم الشهيد صبحي العاقوري».

وأكّد عون في كلمة له في الاحتفال أن «لا تراجُع أمام الإرهاب بكلّ وجوهه وتنظيماته. وأنّ الجيش على جهوزية دائمة لمواجهته، وكذلك مؤسساتنا الأمنية.

وقد كان لبنان سبّاقاً في حربه على الإرهاب، فالجيش واجَه الإرهابيين في محطات متتالية ونجح في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وتثبيتِ السلام على حدودنا الجنوبية، بفضل التفاف الشعب حوله، وتمسّكِ لبنان بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. وعلينا كمسؤولين سياسيين أن نستثمر هذا الاستقرار في تحقيق نهضة اقتصادية يَتوق إليها اللبنانيون».

وبعد انتهاء العرض العسكري، زار قائد الجيش العماد جوزف عون على رأس وفد من ضبّاط الجيش الكبار الرئيس عون، حيث قدّموا إليه التهاني. وأكّد رئيس الجمهورية «منحَ الغطاءِ السياسي للجيش من جميع المسؤولين ليقومَ بواجبه كاملاً». وتوجَّه الى الوفد قائلا: «لا تتردّدوا في اتّخاذ المبادرات على الارض، خصوصاً في الضربات الاستباقية لحماية لبنان من الارهاب، والتي أثبتَت فعاليتها».

من جهته، لفتَ قائد الجيش الى «أننا في المؤسسة العسكرية نضع نُصب العيون، مواكبة مسيرةِ عهدكم بكلّ ما لدينا من إمكانات وقدرات، من خلال قيامنا بكل ما يمليه علينا الواجب في مجالي الدفاع والامن، خصوصاً استعدادنا التام على الحدود الجنوبية لمواجهة ايّ عدوان اسرائيلي، وعلى الحدود الشرقية لدحرِ ما تبَقّى من التنظيمات الارهابية والقضاء عليها في أسرع وقت ممكن.

وبالتالي، تخليص لبنان من هذا العبء الثقيل الذي رَزح تحته لسنوات طويلة، وذلك بالتزامن مع استمرارنا في تكثيف الإجراءات الامنية لقمع الجرائم المنظمة على أنواعها، والسهر على إبقاء الجيش نموذجاً للعمل المؤسساتي في الدولة، القائم على اعتماد الكفاية والشفافية والنزاهة في مختلف شؤونها».

وفي هذا السياق قال رئيس الحكومة سعد الحريري في تغريدة عبر «تويتر»، لمناسبة عيد الجيش: «الدولة وحدها هي الحلّ، والجيش اللبناني وحده، هو الجهة المؤتمنة على سلامة الأمن الوطني.

دعمٌ بريطاني

وفي رسالة دعمٍ بريطانية للجيش، قال نائب البعثة في السفارة البريطانية بنجامين واستنيج: «لقد كانت المملكة المتحدة مؤيِّداً ثابتاً للجيش اللبناني منذ سنوات عدة، في اعتباره عنصراً أساسياً في دولة قوية ذات سيادة. الجيش اللبناني يمكنه أن يَفخر بأنه جيش قوي ومهنيّ قادر على السيطرة على حدود لبنان وحمايتِه من التهديدات التي يواجهها». وأكّد أنّ «المملكة المتحدة على استعداد لمواصلة دعمِ الجيش اللبناني في إطار قرارَي مجلس الأمن 1701 و1559 وعبر دعمِ الحكومة اللبنانية للجيش اللبناني في اعتباره المدافعَ الوحيد عن لبنان».

عرسال

وعلى صعيد تنفيذ المرحلة الثانية من اتّفاق عرسال، خاضَ اللواء عباس ابراهيم ساعات تفاوُض صعبة جداً من عرسال تخَلّلها حبسُ أنفاس وأخدٌ وردّ، ما عرَّضَ المفاوضات لانفراجات حيناً ولانتكاساتٍ أحياناً.

وعلمت «الجمهورية» أنّ اللواء ابراهيم الذي انتقل منذ أمس الأول إلى عرسال متنقّلاً بين اللواء التاسع ومركز الأمن العام وصولاً الى منطقة الجرد حيث نقطة التبادل وتجمُّع الباصات، رفضَ الشروط الإضافية التي فرَضتها قيادة «النصرة» في اللحظات الأخيرة على بنود الاتفاق، فإلى طلبِها إطلاقَ موقوفين غير سوريّين وفلسطينيين من سجن رومية أدخَلت لائحة أسماء جديدة من «عين الحلوة» تتضمّن جنسيات أخرى ومطلوبين لبنانيين، على رأسِهم شادي المولوي، الأمر الذي رَفضه ابراهيم واعتبَره مساساً بالسيادة اللبنانية.

وفي وقت بقيَ التفاوض متعثّراً، هدَّد اللواء ابراهيم بوقف المفاوضات محمِّلاً «النصرة» المسؤولية، فعادت الامور الى نقطة الصفر قبل أن تعود وتنقلب ليلاً، حيث استؤنف التفاوض على نار حامية لينتهي بإنجاز التبادل الذي شمَل تسليم «النصرة» ثلاثة موقوفين من سجن رومية لم تصدر بحقهم أحكام قضائية مقابل تسليم أسرى الحزب الثلاثة الذين ضلّوا طريقهم أثناء المعركة الأخيرة وهم: حمد حرب، شادي زحيم، وحسام فقيه. وقد تسلّمهم الصليب الأحمر اللبناني من وادي حميد وانتقل بهم إلى عرسال فاللبوة حيث احتشد الأهالي في الشوارع لاستقبالهم.

ابراهيم

وقد أكّد ابراهيم من عرسال أنّ نحو عشرة آلاف نازح سيغادرون، وعلى رأسهم المسلحون الذين يبلغ عددهم نحو 120 مسلحاً بسلاحهم الفردي، وأنّ أبو مالك التلي موجود ولم يغادر، لافتاً الى «أننا امهلنا «النصرة» حتى الساعة 12 ليلاً ليوقفوا المماطلة، وإلا سنصبح في حلٍّ من الإتفاق، فحصلنا على النتيجة التي نريدها»، مشدداً على «اننا رفضنا إخراج مطلوبين من عين الحلوة (شادي المولوي وآخرون) لأنّ أيديهم ملوثة بدم الجيش واللبنانيين».

وإذ كشف أنّ الامن العام سيرافق الحافلات الى الحدود، قال: «نُهدي هذا الانتصار إلى الجيش لأننا أزلنا بؤرة إرهاب من أمامه. ولن نترك أيّ سنتمتر بلا تطهير من الارهاب وصولاً الى شبعا».

واعتبر أنّ «المخطوفين لدى «داعش» امانة في رقبتنا ولن نتركهم»، مؤكداً «ان لبنان خرج منتصراً من المعركة ولست محرجاً لأنني أفاوض وأحرّر لبنانيين مظلومين». وأضاف: «نقول للمجتمع الدولي نحن على الخطوط الامامية في الحرب على الارهاب وواجبكم مساعدتنا».

وأكّد أنه كان على تواصل مع الرؤساء الثلاثة، وخصوصاً الرئيس سعد الحريري، و«كانوا داعمين لكلّ خطوة نقوم بها»، كاشفاً أنّ الحريري «أوكل إليّ إنجاز المهمة منذ عشرة أيام». وطمأن الأهالي إلى أنّ «من قتلوا أبناءهم موجودون في رومية، ورفضنا إعادتهم إلى أبو مالك التلي، ومن أُطلق سراحهم ليسوا متورطين بدم لبناني إطلاقاً».

سؤال كتائبي

وفي سياق متصل علمت «الجمهورية» أنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل انتهى من إعداد سؤال الى الحكومة في موضوع تسهيل خروج أمير «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي مع مسلّحيه من الأراضي اللبنانية على الرغم من كونِهم متّهمين بخطف عسكريين لبنانيين واغتيال بعضِهم والاعتداء على الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي وسرقة آليات عسكرية وغيرها من التهَم.

ويتطرّق سؤال الجميّل إلى المسؤولين، والذي سيقدّمه اليوم، إلى إطلاق محكومين أو موقوفين من السجون اللبنانية خلافاً للقانون، وسيطلب اجوبةً خطّية من كلّ من وزراء الدفاع والداخلية والعدل خلال 15 يوماً، وإلّا سيحوّل سؤاله استجواباً.

وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «إنّ هذه الخطوة تأتي في إطار تمسّكِ الحزب بالآليات الدستورية وبعمل المؤسسات في وقتٍ يمعِن المسؤولون في ضرب الدستور وطعنِ المؤسسات.

كذلك تأتي في إطار إصرار الحزب على التمسّك بالنظام الديموقراطي القائم على المساءلة والمحاسبة وعلى الشفافية وحقّ الناس في معرفة كيف تُدار مصالحهم الوطنية وتتّخذ القرارات في مؤسسات الدولة».

مجلس الوزراء

وفي الوقت الذي انتظرت الأوساط السياسية موعد جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس بعد عطلة لأسبوعين صُدمت بمضمون جدول الأعمال الذي عُمِم على الوزراء وجاء خلواً من ايّ بند يشير الى تفاهم على المواد الخلافية، ولا سيّما منها تلك التي تتصل بالتعيينات في تلفزيون لبنان، وبالتحضيرات الواجب اتّخاذها استعداداً للانتخابات النيابية الفرعية المتوقّعة في الأحد الأخير من أيلول المقبل.

كذلك بالنسبة الى تقرير المديرية العامة للمناقصات في شأن ملفّ بواخر الكهرباء. لكنّ الجدول تضمَّن في بنوده الأربعة الأخيرة اقتراحا بتعيين رئيس جديد لمجلس شورى الدولة، ومحافظ للبقاع، وتعيينات في هيئة التفتيش المركزي وعضو في هيئة مجلس إدارة «اوجيرو» وتجديد ولاية عضو آخر.

لكنّ مصادر وزارية أكّدت عشية جلسة مجلس الوزراء أنّ على جدول اعمالها تعيينات قد تشمل البتّ بموضوع مجلس إدارة «تلفزيون لبنان»، إضافة الى ملف قد يَطرحه بعض الوزراء ويتعلق بمناقصة بواخر الكهرباء، ربطاً بالتقرير الذي أعدّته إدارة المناقصات، والذي تضمن «سلّة» كبيرة من المخالفات التي تمنع المضيَّ في هذه المناقصة. ولم تؤكّد هذه المصادر ما إذا كان وزير الطاقة سيزار أبي خليل قد أعدّ تقريرَه الى مجلس الوزراء بناءً على تقرير إدارة المناقصات.

ومعلوم في هذا السياق أنّ هذا الملف شكّل نقطة خلافية حادّة على المستوى السياسي، وهو مرشّح للتفاعل اكثر بين فريق يَدعو الى المضيّ في المناقصة، ويقوده وزير الطاقة، وفريق آخر يضمّ قوى سياسية مختلفة تشدّد على الالتزام بالقانون. وإذ أكّد مصدر وزاري معارض للصفقة لـ«الجمهورية» انّه يوافق رئيس مجلس النواب قوله انّ موضوع البواخر بات في عهدة مجلس الوزراء الذي هو صاحب القرار النهائي.

وصَف في المقابل الصفقة بأنّها «جريمة في حقّ لبنان والخزينة اللبنانية والقانون، وبالتالي هي جريمة ضبِطت بالجرم المشهود فمَن وضع المناقصة على ما هي ويصِرّ على إقرارها كما هي خلافاً للقانون وللأصول المتّبعة في مِثل هذه الحالات يجب أن يخضع للمساءلة والمحاسبة، والذي يقوم بتنفيذ مِثل هذه المناقصة يجب ان يخضع للمساءلة والمحاسبة ايضا.

فهناك سُبل اخرى للاستفادة من الكهرباء، والأهمّ مِن كلّ ذلك هو عدم تحميل الخزينة ما هو فوق طاقتها، فلا نريد هذه المليارات لأنّها كلّها تذهب من جيوب الناس».

57 بنداً

وفي جدول الأعمال الذي حصلت عليه «الجمهورية» 57 بنداً وتتضمّن بين البند 1 والبند 23 نقلَ اعتماداتٍ مالية من احتياط الموازنة أو من حسابٍ إلى آخر، بينها اعتمادات للمديرية العامة للمديرية العامة للقصر الجمهوري بـ 400 مليون لقاء صيانة آلياتها، ومليار و200 مليون لمستشفى اميل بيطار في البترون.

ومشروع قانون لحماية المواقع الأثرية، ورصد مبالغ خاصة بالدورة الاستثنائية لامتحانات طلّاب الثانوية العامة والمتوسطة. هذا بالإضافة الى عدد من الاتفاقيات بين لبنان ودول أخرى وانضمام لبنان الى الاتّحاد الأفريقي بصفة مراقب، وتجديد عقد استخدام نادي «الغولف» في بئر حسن لأراضٍ عامة لعشرِ سنوات إضافية.

«السلسلة» وضرائبها

وفي موضوع سلسلة الرتب والرواتب والضرائب المكمّلة لها، قال سياسيون إنّها ما تزال غامضةً لجهة القرار الذي سيتّخذه رئيس الجمهورية في شأن نشرِ قانونيهما في الجريدة الرسمية أو ردّهما الى مجلس النواب معاً، أو ردّ أحدهما ونشرِ الآخر.

وفيما تَعتصم اوساط رئيس الجمهورية بالصمت حيال هذا الأمر في اعتبار أن لا يزال أمام الرئيس وقتٌ لاتّخاذ قراره، بدت أجواء رئيس الحكومة أنّها لا توحي بوجود تشنّج رئاسي حول السلسلة، وهذا الموضوع كان موضعَ بحثٍ بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، حيث عكسَ الاخير أجواءَ لا تشي بوجود سلبية لدى رئيس الجمهورية.

«القوات»

وإلى ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ جلسة مجلس الوزراء غداً «ستكون غنية بالملفّات السياسية، وسيتخللها نقاشات محورية تحت سقفِ الدستور والمؤسسات، وإنّ «القوات» حريصة في كلّ ملف على تأكيد دور الدولة والالتزام بالآليات الدستورية».

واستبعَدت «أن يتحوّل الخلاف في وجهات النظر خلافاً سياسياً يؤدّي إلى تعطيل عمل المؤسسات في ظلّ حِرص معظم القوى على مقاربة الأمور بمسؤولية وطنية». وأكّدت «أنّ «القوات» ستضع النقاط على الحروف في كلّ الملفات المدرَجة على جدول الأعمال أو التي ستُطرح من خارجه، والساخنة منها».

وشدّدت على «أنّ النقاش داخل المؤسسات يشكّل الطريق الوحيد الى المعالجة المطلوبة ضمن القوانين المرعيّة وبّما يحفظ دور الدولة التي تُجسّد المشترك بين جميع اللبنانيين». وتوجّهت المصادر بالتهنئة للجيش بعيده وأملت في «أن يتحقّق حلم كلّ لبناني بأن يَحتكر الجيشُ وحده السلاح»