لم يكن السيد مقتدى الصدر أول شخصية شيعية تزور السعودية ولن تكون الأخيرة بل سبق وأن زارها شيعة كثر من إيران ولبنان والعراق.
لكنها الزيارة الأولى التي تسبب إحراجا للجمهورية الإسلامية في إيران لدرجة أن حالة من التخبط أصاب إعلامها وإنقسام قوي وحاد في أوساط الشيعة عبر وسائل التواصل الإجتماعي بين مؤيد ومعارض لما يمثله أنصار التيار الصدري من ثقل في الشارع، وهي المرة الأولى في الخمس سنوات الأخيرة التي تجتاح الشيعة موجة تأييد للتقارب مع السعودية التي عمدت إيران إلى شيطنتها في السنوات الماضية.
ولا يمكن قراءة الزيارة للسيد مقتدى لجدة ولقائه الأمير محمد بن سلمان إلا كخطوة جديدة من خطوات المملكة للإنفتاح على الشيعة العرب والتمييز بينهم وبين حلفاء إيران في المنطقة، ولعل تغريدة ثامر السبهان وزير الشؤون الخليجية في المملكة بعد الزيارة كانت أبرز توضيح وإشارة للسياسة السعودية إتجاه الشيعة.
إقرأ أيضا : إبراهيم الأمين يهدّد الشيعة المعارضين بالقتل: هذا هو قانون الإنتخابات في الجنوب والبقاع
تغريدة السبهان :
قال الوزير السبهان في تغريدته بعد زيارة السيد مقتدى الصدر أنه " أؤمن بأننا يجب ان نفرق بين المذهب الشيعي الأصيل ومذهب الخميني المتطرف الجديد ".
ولا شك أن التغريدة ليست بالعادية أبدا بل هي مقدمة لسياسة إنفتاحية تقوم بها المملكة مع الشيعة العرب وتميزهم عن حلفاء إيران الذين تعتبرهم السعودية قد أججوا النعرات الطائفية والمذهبية في المنطقة.
تنظر السعودية إلى إيران الثورة على أنها مصدر تهديد وزعزعة للأمن في الإقليم ، فهي بحسب السعودية تستثمر بعض " المظلومية الشيعية " في البلدان الإسلامية للترويج لمشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة ما يخلق مع الوقت نزعة إنفصالية لدى هؤلاء الشيعة في تلك البلدان ويبدأون بالقيام بمظاهرات وإحتجاجات وصلت حد التسلح والمواجهة العسكرية.
وتريد طهران من ذلك أن تمرر مشروعها السياسي المذهبي الضيق بذريعة هذه المطالبات علما أنه حتى داخل إيران لا وفاق أو إجماع على نظرية الإمام الخميني في الحكم سواء بين العامة أو المراجع الدينية.
ومما لا شك فيه أن الخمينية إستطاعت إشعار الشيعة بأن إيران دولتهم وهي تحميهم مستغلة أخطاء الدول العربية والإسلامية في هذا الإطار، ما جعلهم يشعرون بذاتهم وكيانهم، لكن ما لا يعرفه هؤلاء أن هذا الشعور هو مؤقت لأنه يرتدي لبوس مذهبي وسياسي فاضح سرعان ما سيثير نعرات متطرفة من الجانب الآخر ، وهذا ما حصل.
إقرأ أيضا : مقتدى الصدر : على إيران ترك المهاترات السياسية والطائفية
لذلك عاد السبهان وغرد من جديدة بتغريدة أخرى إنتقد فيها التشدد الديني عند الطرفين فكتب " التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبني اوطان او مجتمعات لغة الاعتدال والتسامح والحوار هي ما يجب ان تسود لتحقيق مصالحنا العليا ".
وفي وقت تحاول فيه السعودية إعطاء صفة سياسية للصراع للتمييز بين الخمينية والمذهب الشيعي، تصر نخب إيران ومن يدور في فلكها على إختزال الشيعة بالفكر الخميني فكتب نجاح محمد علي وهو من المفكرين في المحور الإيراني في رده على تغريدة السبهان ما يلي :" المذهب الشيعي الأصيل ومذهب الخميني هو اسلام محمد الأصيل الذي يحاربه بنو أمية ، ولتدميره أوجدت الوهابية التي تقدس يزيد وقتلة أهل بيت النبي ".
من هنا يتبين من هذه التغريدة الإصرار الإيراني على إستخدام تعابير طائفية تدغدغ عواطف الشيعة لا عقولهم، وهذا ليس مستغربا إذا ما أدركنا حجم الصدمة التي تعيشها نخب إيران اليوم بعد إشادة السبهان بالتشيع الأصيل، فدعاية إيران هي أن السعودية لا تحب الشيعة، وهذه الدعاية إهتزت بفعل هذه التغريدة من مسؤول حكومي سعودي في أرض الوهابية ويشيد بالمذهب الشيعي ويصفه بالأصيل.
إقرأ أيضا : ماذا يريد مقتدى الصدر من السعودية ؟
ماذا قدمت الخمينية للشيعة ؟
لكن قبل كل هذا ، على الشيعة العرب أن يراجعوا تاريخ إنجازات هذه الخمينية ولن يجدوا سوى أنها حولتهم غرباء في أوطانهم وإرهابيين كالقاعدة وداعش بنظر العالم، فإستغلتهم إيران من أجل التفاوض مع الغرب لتوصلهم إلى نقطة لا يتكلم أحد بإسمهم سوى إيران، وهذا أحد أهم أسباب الإنزعاج الإيراني من زيارة الصدر لجدة كونه جلس مع السعودي رأسا برأس وتكلم بهموم العراق وقضاياه وسحب البساط من تحت أرجل إيران التي في مخططها تعتبر العراق ورقة في التفاوض مع الكبار ولكن بعد هذه الزيارة أصبح التفاوض مع أصحاب الشأن الأصليين فإنزعجت طهران.
وعودة إلى إنجازات الخمينية فإن إيران كان يهددها نظامين عبر حدودها، الأول نظام طالبان والثاني نظام صدام حسين وكانا نظامين قاسيين على الشيعة بالأخص، لكن من حرر الشيعة من هذه الأنظمة، الخمينية أو أحد آخر ؟
من أسقط هذين النظامين هي أميركا ومن جعل الشيعة يحكمون في العراق هي أميركا وليست الخمينية التي إكتفت بسرقة ثروات العراق ونهبه مع بعض ميليشياتها كما صرح مسؤولون عراقيون.
لذلك لم تقدم الخمينية شيء للشيعة العرب بل أذتهم وأخذت منهم، واليوم بدأوا يشعرون بذلك وينتفضون عليها من بوابة آل الصدر.
إقرأ أيضا : الشيخ عبد الجليل النداوي مخاطبًا ايران وعملائها من الشيعة العرب
آل الصدر... البداية والنهاية :
وليس غريبا أن يعيد آل الصدر سرد التاريخ من بوابة العروبة والوطنية والإسلام، فقد سبق أن كانت علاقات السيد موسى الصدر مع السعودية والعرب بألف خير وهو من الشخصيات الشيعية النافذة في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
وقد كرمت السفارة السعودية في بيروت منذ أشهر قليلة سماحة الإمام المغيب بشخص أخته السيدة الفاضلة رباب الصدر التي حضرت مع شخصيات شيعية أخرى.
فهذه العائلة تتميز بحسها العروبي والإسلامي ودعواتها للإنفتاح والوطنية والولاء للوطن بل بجرأتها إلى الدعوة لقيام دولة مدنية على الرغم من أنها عائلة دينية عريقة.
وها هو مقتدى الصدر يكمل السيرة والمسيرة رافضا الولاء لإيران ومنفتحا على السعودية والعرب وكافة المسلمين ونابذا كل أنواع الفتنة.
ولعل خطوة الصدر هي بادرة لنهضة ورفض شيعي عربي تميزوا به عبر التاريخ للهيمنة الإيرانية من خلال الخمينية.
إقرأ أيضا : تخصيب أزمة المساجين في العلاقات الأميركية الإيرانية
شيعة لبنان :
وإن كانت خطوة الصدر جريئة وسياسة المملكة حكيمة فهي تستدعي من السعودية أن تنظر أيضا إلى شيعة لبنان الذين لا يجمعون على سياسات طهران وأن تقيم معهم علاقات ندية وأخوية محترمة قائمة على أسس السلام والأمان والإخوة والعروبة والإسلام في المنطقة.
خصوصا أن في أوساط هؤلاء تيار شعبي جارف لكنه صامت بل خائف بسبب سياسات الخمينية المذهبية التخوينية والتكفيرية لمن يعارضهم الرأي.
ولو تم تخيير هؤلاء ومعهم الشيعة العرب في باقي البلدان سرا بين الخمينية والمذهب الشيعي العربي الأصيل لإختاروا مذهبهم المتعارف عليه وهو التشيع الأصيل.
فهم مع العروبة والإسلام ويرفضون التقوقع المذهبي ويريدون المشاركة السلمية في بناء أوطانهم وعلى المملكة أن تفتح حوارات أيضا مع المواطنين الشيعة في الخليج وتستوعبهم فهم أهلها، والحوار دائما هو لغة السلام والأمان لقطع الطريق أمام السياسات المذهبية من كلا الطرفين.