بخلاف ما يعتقده آخرون عن تأسيس عيد الجيش في الأول من آب عام 1945. فإن مسيرة تشكيل الجيش بدأت في العام 1916، عبر إنشاء فرقة أطلق عليها إسم فرقة الشرق، التي أنشأها الحلفاء لمواجهة السلطنة العثمانية. وقد اشترط الشبان المنضوون في هذه الفرقة تسجيل تطوعهم، وأنهم يقاتلون في سبيل تحرير لبنان فحسب. وفي عهد الانتداب، بدأ التأسيس الفعلي لتشكيل قوة عسكرية تتسلّم المهمات الأمنية في مرحلة ما بعد انتهاء المرحلة الانتدابية. وهذا ما حتّم في العام 1926 إنشاء سرايا القناصة، التي هي عبارة عن سرايا المشاة. وجرى التدرجّ في تشكيل ثلاثة أفواج من هذه السرايا تباعاً.
في العام 1941، فرضت قوات الحلفاء على قوات الشرق (الجيش اللبناني) المحاربة إلى جانبها في أوروبا، إلا أن عدداً من الضباط اجتمعوا في ذوق مكايل، وأقسموا على عدم خوض هذه المعركة، إلا في سبيل لبنان. في 15 حزيران 1944، وقع اتفاق بين الحكومتين اللبنانية والفرنسية يقضي بوجوب وضع وحدات المشاة وبعض مفارز المصفحات بتصرّف الحكومة اللبنانية. وقد حصل ذلك خلال عرض عسكري جرى بعد يومين في الملعب البلدي بحضور الرئيس بشارة الخوري، حيث تسلّم "الزعيم" فؤاد شهاب، العلم اللبناني من رئيس الجمهورية.
بعد الانتداب وإعلان الاستقلال بسنتين، اجتمعت اللجان اللبنانية والسورية والفرنسية في 12 تموز من العام 1945 في فندق مسابكي بشتورة، وأفضت الاجتماعات إلى اعطاء الإشارة ببدء عملية تسلم الوحدات الثكنات وسائر المنشآت في 20 تموز العام 1945. كذلك تسلم القوات العسكرية البالغ عديدها 20000 عنصر في سوريا و5000 عنصر في لبنان بتاريخ 25 تموز من العام نفسه. وقد تسلّمت قيادة هذه القوات وإدارتها في الأول من آب العام 1945، وتم تكريس هذا اليوم عيداً وطنياً للجيش.
شارك الجيش اللبناني في العام 1948، بالمعارك ضد العدو الإسرائيلي، وتمكن من تحرير بلدة المالكية في شمال فلسطين وعمل على تسليمها إلى إلى جيش الإنقاذ العربي. وفي العام 1949، وقّع إتفاق الهدنة بين العرب وإسرائيل بعد تدخل الأمم المتحدة لوقف القتال، ولم يلتزم بها العدو الإسرائيلي. ما جعل المناوشات مستمرّة بين الطرفين.
لطالما شكّل الجيش صمّام أمان سياسي في محطات إنقسامية سياسية بين اللبنانيين، تكرّست هذه بالمخرج الذي تم إيجاده لثورة 1958، التي انتهت بتسوية قضت بانتخاب أول قائد للجيش رئيساً للجمهورية، وهو اللواء فؤاد شهاب. في العام 1967، استفحل الخلاف السياسي في لبنان، وعمّ الإنقسام، لكن الجيش حاول قدر المستطاع الحفاظ على وحدته. فرغم عدم اشتراكه في المعارك التي خاضها العرب ضد إسرائيل، إلا أنه قدّم المساعدات اللوجستية والصحية إلى الدول العربية.
إثر اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، وبسبب فقدان القرار السياسي الموحّد للدولة، غُيِّب دور الجيش بمفهومه الوطني الشامل، ولم يتمكن من ردع الفتنة، وتعرّض لتصدعات في بينته ولإنشقاقات قادها بعض ضباطه، إلا أنه بقي موجوداً ككيان، فيما كان كثيرون يراهنون على دوره لإعادة توحيد البلاد، وهذا ما حصل بعد توافر الظروف السياسية، التي تجلّت في توقيع إتفاق الطائف، إذ أُعيد توحيد الجيش وحل الميليشيات.
وفي التسعينيات، بدأت مرحلة إعادة بناء الجيش على أسس صلبة، بدءاً من توحيد العقيدة الوطنية وصولاً إلى إعادة تجديد بناه العسكرية. وقد تمثل ذلك في عملية الدمج الشامل وتبديل قطاعات انتشار الوحدات العسكرية. وتزامناً، بدأت ورشة تعهد وصيانة للأسلحة والتجهيزات لدى الجيش. بالإضافة إلى استلام أسلحة الميليشيات واستخدام الصالح منها. والاستفادة من العروض التي قدمتها العديد من الدول الصديقة، لشراء أعتدة وأسلحة متنوعة بأسعار رمزية. وقبول هبات من دول شقيقة وصديقة، شملت طوافات عسكرية وطائرات استطلاع وزوارق حربية، ودبابات ومدفعية ثقيلة وناقلات جند وآليات عسكرية، بالإضافة إلى أعتدة وذخائر متنوعة.
إلى جانب نشاط الجيش اللبناني في مواجهة العدو الإسرائيلي عسكرياً في عدواني 1993 و1996، وصولاً إلى التحرير في العام 2000، خاض الجيش معارك عدة ضد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، خصوصاً في كفر حبو. أما في حرب تموز عام 2006، فكان للجيش دور بارز في التصدي للعدوان الإسرائلي.
وبعد أقل من سنة على حرب تموز، خاض الجيش معارك شرسة في العام 2007، ضد تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد، وقدّم في هذه المعركة 171 شهيداً، إلى أن حقق إنتصاراً ضد هذه المجموعة. وفي العام 2013، خاض الجيش معركة عبرا بعد تعرض عناصره لاعتداء من قبل مناصري الشيخ أحمد الأسير. وقد استطاع انهاء هذه الظاهرة بعد 24 ساعة على إطلاق المعركة، ليخوض معركة أخرى ضد مجموعات متطرفة في العام نفسه في طرابلس والضنية في الشمال. وبعدها بأشهر قليلة، خاض الجيش معركة مفصلية في عرسال وجرودها ضد مجموعات مسلحة متطرفة منها تنظيم داعش وجبهة النصرة، وتمكن من التصدي لها إبعادها عن حدود البلدة. وإلى اليوم، يستمر الجيش في مواجهته ضد هذه التنظيمات. وهو يستعد لخوض معركة كبرى ضد تنظيم داعش في جرود القاع ورأس بعلبك، بهدف طردهم من تلك المنطقة، واستعادة السيطرة على الأراضي اللبنانية هناك.
يضم الجيش اللبناني نحو 80 ألف عسكري وإداري في المنشآت والمراكز التابعة له. 67 ألف عسكري مقاتل، يتوزعون على وحدات خاصة، ألوية، أفواج، ووحدات متخصصة. وتضم الوحدات الخاصة، الفوج المجوقل، فوج المغاوير، وفوج مغاوير البحر. فيما الألوية هي: المشاة المؤللة، اللوجستي، الجرس الجمهوري والدعم. أما الأفواج فهي: التدخل، المدرعات، المدفعية، الإشارة، الأشغال المستقل، المضاد للدروع، الهندسة، والحدود البرّية.
مرّ الجيش اللبناني في مراحل تطور عدة، وحتى اليوم فقد أصبح مصنّفاً ضمن الجيوش البارزة في محاربة الإرهاب، ومواجهته إستباقياً عبر تفكيك شبكاته وخلاياه. ويجري تدريبات لضباطه وعناصره بالإشتراك مع دول كبرى، لاسيما بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا.
حقق الجيش نقلة نوعية لجهة الأسلحة التي يمتلكها، خصوصاً أن المساعدات العسكرية الأميركية التي خصصت له، ووصلت في فترة ما، إلى 500 مليون دولار، استفاد منها الجيش لتعزيز قدراته العسكرية، في مواجهة الإرهاب. وقد أصبح يمتلك طائرات مروحية متطورة. وعمل على تطوير الهوكر هنتر، التي أصبحت تحمل صواريخ وقادرة على مهاجمة أهداف محددة. وحصل على طائرتي سيسنا، فيما يسعى للحصول على أربع جديدة. بالإضافة إلى الحصول على صواريخ متطورة، مثل ميلان وكونكورس. ويحتاج إلى مزيد من الدبابات والدرعات والمدفعية المتطورة، ومعدات لمراقبة الحدود. وهو يمتلك الآن 300 دبابة، 115 دبابة أميركية، 212 دبابة روسية، 36 دبابة فرنسية. 40 مروحية، 200 مدفع وراجمات صواريخ، 1200 عربة مصفّحة، 1500 سيارة هامفي. أما موازنته فقد ارتفعت تباعاً من نحو نصف مليار دولار، إلى مليار و700 مليون دولار. فيما هناك مساع لزيادة هذه الميزانية إلى نحو 3 مليار دولار.