لدى الوقوف عند نقطة المهنية على مدخل بلدة عرسال بالقرب من الثكنة 83، والنظر شمالاً، تمتد مساحات جردية متواصلة بين هضاب ومنحدرات. هي الجرود الشمالية لعرسال، والتي تمتد إلى جرود رأس بعلبك والقاع. هذه المنطقة، يسيطر عليها تنظيم داعش. يسّيج الجيش اللبناني تلك المناطق اللبنانية بزنّار عسكري على طول الخط الأمامي للبلدات. الهدف من ذلك، صد أي محاولة تسلّل للمسلحين في اتجاه تلك البلدات. لا تساعد العين المجرّدة على المشاهدة بوضوح. الإنتقال من تلك النقطة العرسالية في اتجاه تلك الجرود بشكل مستقيم، غير متاحة، الطريق غير معبّدة، ودون الوصول إلى هناك عقبات عديدة أبرزها خطر الاستهداف من داعش. حين تحاول الإقتراب من منطقة التماس بين الجرود العرسالية وجرود رأس بعلبك، تتلقى نصائح كثيرة لثنيك عن ذلك، يقول العراسلة ممن خبروا هذه الجرود، إن أي جسم متحرّك يعبر في تلك المنطقة، قد يكون عرضة للاستهداف.
يسيطر تنظيم داعش، بامرة موفق أبو السوس القصيراوي، على مساحات جردية واسعة، تربط عدداً من المناطق اللبنانية ببعضها البعض، وتربط هذه الأراضي بالأراضي السورية. وما يسهم في ذوبان الحدود هناك إلى جانب سيطرة داعش، هو عدم ترسيم وتحديد الحدود بين لبنان وسوريا. يصرّ داعش في تلك المنطقة على إطلاق إسم إمارة على البقعة التي يسيطر عليها. وإذا ما جرى التسليم بهذه التسمية، فإن حدود هذه الإمارة، تبدأ من الجهة الجنوبية من منطقة قريبة من وادي حميد، مطلّة على الزمراني، وادي ميرا ومرطبيا، وتمتدّ شرقاً إلى جرود بلدة قارة السورية، وشمالاً إلى جرود القاع. في تلك المنطقة، نحو 600 مقاتل من تنظيم داعش. وصل عدد مقاتلي التنظيم، خصوصاً في العام 2015، إلى أكثر من 1500 مقاتل، لكن الخلافات الداخلية، والمعارك بين الأمراء وحملات التصفية بين القيادات، دفعت كثيرين إلى ترك التنظيم، والمغادرة باتجاه الداخل السوري. السبب الأساسي وراء تقهقر التنظيم هناك، هو ما تعرّض له في سوريا من ضربات، وانقطاع التواصل بينه وبين الرقة لفترة، بالإضافة إلى وقف إراسل التعزيزات إليه.
يتوزع مقاتلو داعش على ثلاثة قواطع، الأول هو قاطع الزمراني، بقيادة أبو البراء، والثاني قطاع وادي ميرا يخضع لقيادة أبو السوس بشكل مباشر، والقطاع الثالث مرطبيا الزمراني جرود قارة والجريجير، بقيادة أبو البراء الجريجيري.
تعود من عرسال باتجاه اللبوة للتوجه إلى رأس بعلبك والقاع، تمرّ بالنبي عثمان، الفاكهة، لتصل إلى تلك البلدة التي خاض فيها الجيش معركة سابقة مع تنظيم داعش. بعدها تصل إلى القاع، التي شهدت قبل نحو سنة سلسلة عمليات إنتحارية نفذها تسعة عناصر من التنظيم. على طول الطريق إلى تلك البلدات، تبدو الاستعدادا العسكرية التي يتخذها فوج المجوقل في الجيش وألوية أخرى، ظاهرة للعيان. التحضيرات توحي بأن المعركة ضد التنظيم قريبة وواقعة لا محالة. لا موعد محدداً لإطلاق المعركة، ولا يمكن وضع مدة زمنية لانتهائها وتحقيق أهدافها بعد أن تبدأ.
يرسي وجود الجيش اطمئناناً لدى الأهالي. يعوّلون عليه، ويشيدون بدوره في حماية بلداتهم. هم واثقون بأن الجيش سيخوض معركته ويحقق أهدافها بنجاح. لكن هذا لا يخفي حالات الإستنفار في صفوف الأهالي، تحسّباً لإمكانية تسلّل إنتحاريين إلى البلدة لتنفيذ عمليات تفجير على غرار السنة الماضية، لتكون رسالة هجومية من التنظيم إلى الجيش الذي يستعدّ لخوض معركة ضده، لتحرير نحو 200 كليومتر مربع من الأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها التنظيم.
لا تخفي مصادر متابعة وجود خلافات بين قيادات التنظيم وأمرائه. منهم من يريد التفاوض والدخول في تسوية تفضي إلى الإنسحاب من تلك المنطقة، إلى الداخل السوري، سواء أكان إلى تدمر أم إلى مخيم اليرموك. فيما آخرون يفضلون البقاء والقتال. وهنا، لا يبدو أن ثمة قراراً مركزياً واضحاً وحاسماً من قيادة التنظيم. ما يدلّ إلى حجم الترهّل الذي يعانيه. وثمة من يعتبر أن فرص الإنسحاب بدون الدخول في معركة قائمة، رغم أن الأجواء لا توحي بذلك، لكن عملية إنسحاب بعض القيادات والمقاتلين، ستصبح أسهل، مع بدء الجيش عمليته العسكرية هناك، والتي يبدو أنها قد تكون مؤجلة إلى ما بعد اتمام الصفقة بين حزب الله وجبهة النصرة، لعدم التأثير عليها سلباً لبقاء الطرق والمعابر آمنة تسهيلاً لتنفيذ الإتفاق.
لا يتوقف الجيش عن عمليات القصف المركز التي تستهدف مواقع وتحركات عناصر التنظيم، لكن إشارة إطلاق المعركة الواسعة، ستكون بتكثيف هذه العمليات. على أن تترافق مع تقدّم ميداني باتجاه نقاط جردية متقدّمة، تشرف على مختلف مناطق سيطرة التنظيم وتحركاته، بهدف تعطيلها والسيطرة عليها بالنار. وهو يكثّف عمليات الاستطلاع والاستكشاف، وقد استقدم مزيداً من المروحيات للمشاركة في هذه المعركة.
ولكن، التنظيم يتمتع بقدرة على المناورة بسبب المساحة الواسعة التي يسيطر عليها، ووعورتها. ما سيفرض تكاملاً في القوة بين الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله، وإن كان ذلك بشكل غير علني أو طريقة غير مباشرة. وذلك بهدف تطويق حركة عناصر التنظيم وضبطها، وإجباره على الخروج من تلك المنطقة. ولدى سؤال مصادر متابعة عن إمكانية التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، تجيب بأن هذا واقع بفعل الأمر الواقع. فمثلاً إذا ما ضربت الطائرات السورية أهدافاً ومواقع لتنظيم داعش في تلك المنطقة، فهذه الضربة لن تحصل بدون تنسيق، وقس على ذلك. بمعزل عن هذه التفاصيل، ثمة من يؤكد أن هذه المعركة سيخوضها الجيش، بغض النظر عن مساعدته من قبل بعض الأطراف، والإنتصار الذي سيتحقق سيكون بفعل جهوده.