رصدت مصادر عراقية حراكا وصفته بـ”غير الاعتيادي” داخل حزب الدعوة الإسلامية الحاكم في العراق وربطته بمساعي عدد من المقرّبين من رئيس الوزراء حيدر العبادي للانشقاق وتأسيس تيار مستقلّ عن الحزب الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، في مقابل مساع مضادّة ووساطات لإقناع هؤلاء بالعدول عن الفكرة والإبقاء على وحدة الحزب ولو شكليا، أو تأجيل الانشقاق إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
غير أنّ ذات المصادر لفتت إلى غموض موقف العبادي من قضيّة الانشقاق، وتردّده المحتمل إزاءها لرغبته في عدم التشويش وصرف الأنظار في الوقت الحالي عن استكمال الحرب ضدّ تنظيم داعش، واستعادة ما بقي من مناطق بيد التنظيم في شمال البلاد وغربها.
وأكّدت في المقابل أنّ انشقاق حزب الدعوة أصبح أمرا شبه مؤكّد وإن تأجّل لبعض الوقت.
وكشف الانقسام الذي طال المجلس الأعلى الإسلامي، أحد أكبر الأحزاب الشيعية في العراق مؤخّرا، بانشقاق زعيمه عمّار الحكيم وتأسيسه حركة جديدة تحت اسم تيار الحكمة، عمق الخلافات التي تعصف بالأحزاب الدينية الحاكمة في العراق منذ سنة 2003 من الداخل بسبب صراعات بين قادتها ورموزها على قيادة المرحلة العراقية الجديدة في فترة ما بعد الحرب على تنظيم داعش، وتبادل للاتهامات بالمسؤولية عن الفشل الذريع في قيادة المرحلة السابقة.
ويبدو العراق خلال الفترة الحالية مقبلا على مرحلة انتقالية، هي مرحلة الخروج من الحرب على تنظيم داعش والتي ساهمت رغم ما خلّفته من خسائر كبيرة ومن دمار هائل في تعرية الكثير من الحقائق وأكثرها وضوحا؛ استحالة مواصلة حكم البلد وقيادته بذات السياسة التي أوصلته إلى حافّة الانهيار، وبذات الشعارات الدينية وحتى الطائفية التي لم تعد تعني شيئا للجيل العراقي الصاعد.
التخلص من صورة المالكي السلبية في أعين طيف واسع من العراقيين واستثمار صورة العبادي كـ{قائد} للنصر على تنظيم داعش
ولا تبدو العلاقة بإيران بعيدة عن عاصفة الانقسامات التي تجتاح الأحزاب الشيعية العراقية، في ظلّ ظهور أصوات مطالبة بإعادة تقييم تلك العلاقة في ضوء النتائج التي ترتّبت عنها، والتخفيف منها بالتحوّل من التبعية الكاملة لطهران ورهن القرار العراقي لها، إلى نوع من الشراكة والتوازن في علاقة البلد بجميع بلدان محيطه.
ويعتبر متابعون للشأن العراقي أنّ سريان حمّى الانقاسامات داخل الأحزاب الشيعية العراقية، يمثّل بحدّ ذاته دليلا على وجود حركة انتفاض داخل تلك الأحزاب للخروج من الجبّة الإيرانية التي ضمنت خلال الـ14 سنة الماضية حدّا أدنى من الوحدة الداخلية لتلك الأحزاب، مع السماح من حين إلى آخر بحدوث انشقاقات محدودة داخلها لكنْ مسيطر عليها إلى أبعد حدّ.
وتؤكّد ذات المصادر أنّ قناعة ترسّخت لدى المحسوبين على شقّ حيدر العبادي داخل حزب الدعوة باستحالة استمرار الارتباط بنوري المالكي تنظيميا بعد أن تحوّل في نظر الغالبية العظمى من العراقيين، بمن في ذلك جمهور الحزب ذاته، إلى مسؤول عن استشراء الفساد وعن حالة شبه الإفلاس المالي التي آل إليها العراق، فضلا عن مسؤوليته المباشرة عن انهيار القوات المسلّحة ما أتاح لتنظيم داعش احتلال أكثر من ثلث مساحة العراق سنة 2014.
ويريد الداعون إلى الانشقاق عن حزب الدعوة استثمار صورة حيدر العبادي خلال الانتخابات القادمة كقائد للنصر على تنظيم داعش في مقابل صورة المالكي كمسؤول عن الهزيمة أمام التنظيم.
ومن السيناريوهات المطروحة من قبل الداعين للانشقاق عن حزب المالكي -توضّح المصادر ذاتها- الدخول في تحالف انتخابي مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والتيار الجديد لعمّار الحكيم، تيار الحكمة، نظرا لتقارب الرؤى معهما بشأن ضرورة المراجعة والإصلاح، وأيضا المصالحة بين مكوّنات المجتمع العراقي العرقية والطائفية، إضافة إلى مصالحة العراق بمحيطه العربي وإحداث التوازن في علاقاته الإقليمية.
لكنّ سببا براغماتيا آخر قد يدفع بهذا السيناريو، ويتمثّل في استثمار مقدار الجماهيرية التي استطاع مقتدى الصدر أن يجمعها بعرض نفسه خلال السنوات الماضية كمعارض شرس للمالكي وداعية للإصلاح، وبقيادته حراكا احتجاجيا في الشارع لأجل الدفع بالإصلاحات، فضلا عن أن عمار الحكيم نجح إلى حدّ ما في استمالة الأوساط الشبابية العراقية بعرض نفسه كمجدّد ومعتدل ومساير للعصر، في مقابل تشدّد الحرس القديم داخل المجلس الذي كان يرأسه.
وغير بعيد عن قضية الانتخابات، تناقلت مواقع إلكترونية عراقية، الاثنين، قول إسكندر وتوت القيادي بائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي والمؤلّف من عدّة أحزاب أكبرها حزب الدعوة، إنّ المالكي والعبادي، وهادي العامري زعيم منظمة بدر، سيخوضون الانتخابات القادمة تحت راية كتل سياسية جديدة.