بدأ الجيش اللبناني عشية الاحتفال بعيده ال72عملية استطلاع «بالنار» لمواقع «داعش» في جرود «رأس بعلبك» والقاع،مستخدما طائرة «سيسنا» المزودة بصواريخ «هالفاير» الاميركية، والمدفعية الثقيلة، وذلك في مؤشر على ارتفاع جهوزية الوحدات القتالية استعدادا لتطهير تلك الجرود من المجموعات الارهابية، وكذلك لردعها عن القيام باي تحركات مفاجئة.. وفيما ارجأ «ترحيل» من تبقى من ارهابيي «النصرة» وعائلاتهم الى اليوم لاسباب لوجستية، يتكشف المزيد من «خفايا» «واسرار» العملية العسكرية «الخاطفة» التي نفذها حزب الله في جرود عرسال، في ظل معلومات جديدة عن «اجندة» اميركية كانت قد وضعت قبل شهرين تقضي «بتنظيف» المنطقة من «داعش» واستثناء «النصرة»، وقد عمل الحزب على «اجهاضها».. في غضون ذلك عاد رئيس الحكومة سعد الحريري اكثر «تواضعا» من زيارته الاميركية بعد ان سمع كلاما واضحا حول انعدام الخيارات الاميركية في لبنان والمنطقة، وستكون هذه الزيارة بندا اولا من خارج جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقبلة، في ظل اسئلة كثيرة سيطرحها عدد من الوزراء حول اسباب «صمت» الوفد الرسمي ازاء «المواقف» الاميركية التي تتناقض مع «الاجماع الوطني» اللبناني.
فقد ارجأت عملية «ترحيل» مقاتلي «جبهة النصرة» الى اليوم بعدما حالت موانع لوجستية من اتمام العملية يوم امس، ونفت اوساط معنية بهذا الملف، وجود اي عوائق اخرى او تعديلات في التسوية التي فرضت «بالنار» على المجموعات الارهابية، ولذلك لا صحة لمعلومات حول فرض ابو مالك «التلي» لشروط جديدة تتعلق بموعد اطلاق اسرى  حزب الله الثلاثة الموجودين في وادي حميد، لانه لا يملك «ترف» الاشتراط او التراجع عن التفاهم السابق، ومن المفترض ان يتم اطلاق هؤلاء قبل مغادرة آخر الحافلات الاراضي اللبنانية باتجاه فليطة السورية، فيما يتم الافراج عن الاسرى الخمسة الاخرين في حلب، بالتزامن مع دخول الباصات الى ادلب، وفق خطة مقسمة على خمس مراحل... وبعد ان عملت الجرافات التابعة لحزب الله على تحسين وضع الطرقات في الجرود، يفترض ان يغادر على متن الباصات نحو 9 آلاف شخص من عرسال الى فليطة ومنها الى حمص وصولا الى ادلب، ويتم تسجيلهم على لوائح يتم التدقيق بها من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية، فيما تجري التحضيرات لاخراج نحو 5 آلاف آخرين تابعين «لسريا اهل الشام» الى الداخل السوري، ومعظمهم الى القلمون الغربي، بعد اتمام المصالحات مع الدولة السورية، وبعدها سيتم اغلاق المخيمات المقامة في وادي حميد ومنطقة الملاهي، وسيقل نهائيا ملف «جبهة النصرة» على الاراضي اللبنانية.   
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 «اجهاض» الاجندة الاميركية


في هذا الوقت، يتكشف المزيد من «خفايا» العملية العسكرية التي قام بها حزب الله في جرود عرسال ضد «جبهة النصرة»، ووفقا لمصادر دبلوماسية في بيروت فان قيادة الحزب اتخذت قرارها الحاسم بضرب البؤرة الارهابية في تلك المنطقة عقب زيارة قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال جوزيف فوتل الى لبنان قبل نحو شهرين، وجولته على الحدود الشرقية، تبين حينها عن «الاجندة» الاميركية تقوم على دعم الجيش للقيام بعملية عسكرية ضد «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، مع بقاء «الخطوط الحمراء» القديمة والتي منعت الجيش في العام 2014 من استئصال «جبهة النصرة» من عرسال وجرودها بعد اعتدائها على مواقع الجيش المنتشرة هناك..
ولفتت تلك الاوساط الى ان فوتيل وخلال زيارته تلك كان حريصا للغاية على ابعاد حزب الله عن المشاركة في اي عملية عسكرية في تلك المنطقة، واذا كان قد ركز في تصريحاته العلنية على «فخر بلاده بالمؤسسة العسكرية مشددا على انها «المدافع الوحيد عن لبنان»،فهو كان صريحا في لقاءاته مع بعض المسؤولين اللبنانيين بالتأكيد على اولوية هزيمة «داعش»، ولا شيء غير ذلك في هذه المرحلة، بحجة ان «جبهة النصرة» قد تكون جزءا من «الحل» السوري فيما بعد، ولا تشكل في الوقت الحالي «خطرا» موازيا لتنظيم «داعش»...
هذه الاستراتيجية الاميركية «المريبة» التي تحمل في طياتها قرارا واضحا في مواصلة «الاستثمار» بجبهة النصرة،خدمة لاجندة اسرائيلية، وبعض الحلفاء الاقليميين، لابقاء حزب الله تحت الضغط، «رسالة» فهمها الحزب  جيدا... وبحسب اوساط معنية بهذا الملف، فان زيارة فوتيل الشخصية لاستطلاع الميدان، ووضع «خطوط حمراء» على الارض، دفعت المقاومة الى استعجال الاعداد للعملية العسكرية، وقلب الاولويات، فالمواجهة مع «النصرة» هي الاصعب لارتباطها اولا «بحساسية» الوضع في عرسال، وثانيا وجود مخيمات اللاجئين، وثالثا وجود خطوط امداد لوجستي لعناصرها مع تلك المخيمات، لكن كان لا بد من البدء من هناك، لقطع الطريق على ما تخطط له واشنطن في تلك المنطقة، وهكذا كان، تم تجاوز «الفيتو» الاميركي، واستغلال «ارباك» الدول الداعمة، قضي على «النصرة» في زمن قياسي، بعدما راهن الاميركيون على دخول الحزب في «مستنقع « الجرود، الوعود «الزائفة» خزلت «ابو مالك التلي» الذي ظل يشكك في جدية الحزب، او قدرته على تجاوز الموانع الاقليمية والدولية، «ذهول» الاميركيين بقدرات حزب الله القتالية، لا يخفي «القلق» المتزايد من استمرار خروج الحزب عن «السيطرة» متسلحا بالمزيد من الخبرات العسكرية، وكذلك «الاحتضان» الوطني لخطواته..
 

 زيادة «الضغوط» على «داعش»


وبعد ساعات من توزيع «امر اليوم» على العسكريين عشية الاحتفال بعيد الجيش، وتاكيد العماد جوزيف عون على «ان الارهاب هو نفسه سواء اتى من الحدود الجنوبية او من الحدود الشرقية»، قامت وحدات الجيش برفع منسوب الضغط «الناري» على مواقع «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، ووفقا لاوساط امنية فان التصعيد المتدرج للعمليات العسكرية يأاتي في سياقين، الاول ابقاء المسلحين في وضعية دفاعية في الجرود بانتظار استكمال الجيش لجهوزيته العسكرية، وسط معلومات عن احتمال قيام مسلحي «داعش» بعمليات تستبق الهجوم المقرر، لاحداث مفاجئة ونقل المعركة الى القرى اللبنانية المتاخمة للحدود، وذلك لارباك خطط الجيش واخذ المعركة الى مكان آخر غير محسوب..اما السياق الثاني فيرتبط بمحاولة زيادة الضغط العسكري لاجبار المسلحين على «التفاوض» لابرام تسوية تخرجهم نحو البادية السورية، «شريطة» الكشف عن مصير العسكريين المختطفين..ومن المرجح ان تتزايد وتيرة التصعيد الميداني في الايام القليلة المقبلة بعد الانتهاء من اخراج «جبهة النصرة» من الجرود...وستحصل المؤسسة العسكرية على المزيد من «التغطية» السياسية العلنية اليوم من خلال الكلمة المرتقبة لرئيس الجمهورية ميشال عون خلال تخريج دفعة جديدة من الضباط في احتفال عيد الجيش.
 

 «تواضع» الحريري


في غضون ذلك، اطلع رئيس الحكومة سعد الحريري رئيس الجمهورية ميشال عون على نتائج زيارته الاميركية، وابلغه بحسب اوساط وزارية بارزة، انه لم ينجح في فعل الكثير فيما يتعلق بالعقوبات المالية التي يتم دراستها في الكونغرس، ولعل الايجابية الوحيدة كانت التاكيد الاميركي على استمرار الدعم العسكري للجيش.
ووفقا لتلك الاوساط، فان «خيبة امل» الحريري لا ترتبط بملف العقوبات، فهو لم يكن متفائلا اصلا بامكانية احداث اختراق في هذا السياق، لكن ما شكل «صدمة» لرئيس الحكومة، كان ما سمعه من محدثيه الاميركيين سواء في الادارة الاميركية او اعضاء الكونغرس، حيال  استراتيجية البيت الابيض حيال المنطقة، ولمس هناك عمق «ازمة» دونالد ترامب الداخلية، وكذلك الهوة الكبيرة بين الرئيس الاميركي، ووزيري خارجيته ودفاعه..  
وكان كلام من التقوه واضحا لجهة تراجع قوة التأثير الاميركي في سوريا امام موسكو، وتزامن وجوده في واشنطن مع الكشف عن وقف برنامج تمويل وتدريب وتسليح تنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة»، واشتراط ادارة ترامب حصر مواجهتها بـِ «داعش» وعدم مقاتلة الجيش السوري... اذا ما رغبت بعودة المساعدات. والمح بعض محدثيه، بان دور اميركا العسكري في سوريا سيتقلص، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تقوم بسحب قواتها البرية من شمال سوريا وشرقها بالتفاهم مع الروس، بعد نجاح تجربة مناطق «خفض التصعيد». 
هذه المؤشرات السلبية ترافقت مع استمرار التصعيد في الازمة الخليجية، وسط التخبط الاميركي الواضح في ايجاد مخارج مناسبة لها، وهذا سيؤدي الى استمرار غياب لبنان عن الاجندة السعودية، ومع قيام حزب الله بالعملية العسكرية في الجرود متجاوزا «الفيتو» الاميركي، وفي ظل غياب اي ردود فعل اقليمية ودولية مؤثرة في هذا السياق، عاد الحريري الى بيروت اكثر «تواضعا» في طموحاته، وبحسب الاوساط الوزارية نفسها، ابلغ المحيطين به بتلك الظروف «السيئة» وذلك في سياق تبريره التمسك بسياسته الراهنة القائمة على تجنب اثارة الازمات الداخلية، والتمسك باستراتيجية «ربط النزاع» مع حزب الله، وتعزيز التفاهمات مع الرئاسة الاولى.