المعارضة المدنية التي تحركت في سوريا منذ ما يقارب الست سنوات مطالبة بداية بإصلاح النظام ولاحقا بإسقاطه لو أنها كانت قد قرأت قبل إطلاق حركتها الإصلاحية في فنجان المستقبل السوري لتشبثت بالنظام وانتظمت زرافات ووحدانا وتوجهت إلى قصر المهاجرين لمبايعة الرئيس بشار الأسد بكل طغيانه وجوره للإستمرار في حكم بلد ينعم بالهدوء والاستقرار قبل ان تتوالد على هامش الثورة الإصلاحية المدنية جماعات مسلحة امتهنت وظيفة الإرهاب والتشبيح وفرض الخوات والتهجير سبيلا لها وفتحت ثغرات لأطراف خارجية للتسلل الى الواقع السوري مستغلة الفوضى التي عمت البلد للتدخل في شؤونه الداخلية وإيجاد موطىء قدم لها في الجغرافيا السورية تحقيقا لمكاسب خاصة بها وخاضعة لمصالحها.
إقرأ أيضا : سوريا إنتقلت من دلفة الحكم الديكتاتوري إلى مزراب حكم الميليشيات
والرئيس السوري المحاط بطغمة من المتسلقين والمنتفعين والوصوليين الذي بنى دعائم حكمه على أجهزة أمنية وعسكرية مترهلة ومصابة بأمراض الفساد والرشاوى والتسلط والذي يفتقد إلى الحد الأدنى من الحكمة والدراية مع قصور في القراءة السياسية للمواقف الدولية والإقليمية فإن هوسه بالتسلط وجنون العظمة ووقوعه تحت تأثير حاشية من الأنسباء والأقارب المحتكرة للسلطة والمتنعمة بخيرات البلاد.
إن إصرار الأخير على التفرد بالحكم بعقل ديكتاتوري لإدارة شؤون الدولة وإلغاء الرأي الآخر وضرب أي صوت معارض فإنها تفاعلت في مداركه العقلية وفي تفكيره وأنتجت سبيلا وحيدا لمعالجة الأمور تمثلت بقمع التظاهرات المدنية المطالبة بالإصلاح واعتقال المحتجين ورميهم في زنازين التعذيب وغياهب السجون والتي كانت سببا وذريعة لنشوء جماعات مسلحة متفلتة من أية قيود ومجموعات استمدت أيديولوجيتها من فكر تكفيري متشدد وقوتها العسكرية من دول خارجية قدمت لها المال والسلاح ما أتاح لها التوسع في نشاطها الإرهابي.
إقرأ أيضا : داعش تهرب ضباط من نظام بشار الأسد كانوا يقاتلون معها في الرقة
هذه التطورات العسكرية في الميدان السوري ضاعفت الأعباء على النظام فوجد في حليفه الإيراني خير معين حيث سارعت طهران لمد العون له بالطلب إلى حزب الله اللبناني للمشاركة في الحروب السورية الى جانب النظام وبإرسال مجموعات مسلحة تابعة لها من العراق وأفغانستان لدعم جيش النظام السوري الذي فقد الكثير من عناصره المقاتلة جراء توسع رقعة الحرب والتي امتدت إلى معظم الأراضي السورية.
لكن مع التطورات الميدانية على المسرح السوري فإن هذه التنظيمات التابعة لإيران أصبحت صاحبة سلطة ونفوذ مكنتها من تجاوز أجهزة الدولة السورية ومؤسساتها وفرض أمر واقع جديد بعد أن أوكل إليها النظام الكثير من سلطاته كالحفاظ على الأمن والنيابة عنه في إدارة شؤون العديد من المناطق فضلا عن خوضها المعارك العسكرية عنه ضد معارضيه مما أتاح لها التصرف بشكل منفرد ودون الرجوع إلى القصر الرئاسي بالكثير من القضايا.
ويقول أحد الباحثين بالجماعات الجهادية أن التنظيمات التابعة لإيران في سوريا باتت خاضعة لتوجهات الحرس الثوري الإيراني ولم يعد للأسد سلطة على غالبيتها بل أن جزءا من أجهزته ووحداته العسكرية صارت تدار بشكل مباشر من طهران.
إقرأ أيضا : بشار الأسد يصلي على جثث الأبرياء الذين قتلهم في حماة
وبالتالي فإنه بعد التضحيات التي قدمتها فإن هذه التنظيمات تعتبر نفسها صاحبة حقوق مشروعة ثمنا للدماء التي بذلتها عناصرها في غياب التعويضات المالية التي يعجز النظام عن سدادها.
وبعد الدخول الروسي على خط الأزمة السورية ومع وجود الكثير من المتناقضات في العلاقة بين إيران وروسيا فإن ملف إدارة سوريا بات بيد الروسي أكثر من الإيراني.
ومع تطور الصراع في سوريا وانهيار نظام بشار الأسد لدرجة لم يعد بالإمكان إنتاجه فإن أي صيغة لحكم سوريا باتت تحتاج إلى توافق دولي إقليمي في إطار مشاريع متنافرة ومصالح متضاربة، ما يعني أن سوريا إنتقلت من دلفة الحكم الديكتاتوري إلى مزراب حكم الميليشيات.