أولاً: الحلف الثلاثي القديم...
أواخر عهد الرئيس شارل حلو، نهاية الستينيات من القرن الماضي، وكان عهد حلو امتداداً للعهد الشهابي، نشأ حلفٌ ثلاثي من أقطاب المارونية السياسية: بيار الجميّل رئيس حزب الكتائب، والرئيس كميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، وريمون إدّه عميد الكتلة الوطنية، واعتقد اللبنانيون أنّ خلاص لبنان من عهد العسكر، من "الدكتيلو" و"المكتب الثاني" سيقوم على يد هذا الحلف الثلاثي "المقدّس"، وبالفعل نجح الحلف بالتعاون مع الرئيس الراحل سليمان فرنجية، والرئيس الراحل صائب سلام، واختراقٍ مُستهجن في كتلة الزعيم الراحل كمال جنبلاط، من انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية بفارق صوت واحد، وسقطت الشهابية، وتفرّق ضبّاط المكتب الثاني (المخابرات العسكرية)، واهتزّت هيبة العسكر، ونشطت الأحزاب القومية والشيوعية، ودخلت حركة الإمام موسى الصدر في تنظيم تيار إسلاموي، ذي صبغة شيعية، ودخلت المقاومة الفلسطينية بقضّها وقضيضها، فقسمت ظهر البعير، ودخل لبنان في أواخر عهد فرنجية في حربٍ أهلية طاحنة ومديدة يُغذّيها المحيط العربي، الداعم لجهود الفلسطينيّين بمقاومة إسرائيل (ولو من خارج الحدود)، ممّا ساهم في خراب لبنان، ولم ترجع فلسطين حُرّة عربية عاصمتها القدس الشريف.
كُنّا نعتقد، واهمين كسائر اللبنانيين، أنّ الحلف الثلاثي كان حلفاً مقدّساً، ليتبيّن فيما بعد أنّ أحابيل الشيطان كانت تسكن في حناياه.
إقرأ أيضًا: مختصر مفيد... طبيعة النظام الأسدي الجاري تعويمُه هذه الأيام
ثانياً: الحلف الثلاثي المقدّس الجديد...
نشأ أواخر العام الماضي حلف "مقدّس" جديد في لبنان، دون اجتماعات، أو برامج، أو إعلانات وبهرجات، بين السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، والدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، والرئيس سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل، حلفٌ غامض، إلاّ أنّ خطواته كانت ثابتة ومقدامة، فقد أنهى هذا الحلف الفراغ الرئاسي، وحقّق ما لم يكن في حسبان أحد بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، فاكتمل عقد المؤسسات الدستورية، وتألّفت حكومة وفاق وطني لإعادة الثقة المفقودة بالطبقة السياسية، والحكومة ماضية في عملها دون أن تعترض طريقها عقبات جدّية، وأعلن رئيس الجمهورية أنّه "بيّ الكل"، وسطع نجم الوزير جبران باسيل بألقٍ ووهجٍ جديدين، وهاهي معركة جرود عرسال المظفّرة تسمح له بأن يخرج علينا بالأمس مُنتشياً بعودة الدولة وهيبتها بالقضاء على السلاح الإرهابي والإجرامي (مع المباركة الضمنية لسلاح المقاومة).
أمام هذه الإنجازات التاريخية والانتصارات الباهرة، لا نملك هذه الأيام سوى التصفيق والتّهليل ، مع تعاظم أعداد المصفقين والمهلّلين، آملين أن ينبري أعضاء الحلف الجديد، وبالتضافر مع السيد المطاع جبران باسيل لإنجاز الاستراتيجية الدفاعية المنشودة، والتي طال انتظارها، وعودة الحزب اللهي من حروبه الإقليمية ، وامتلاك لبنان قراراته السيادية من أصغرها حتى أعظمها، أماني نبتهل للعليّ القدير أن لا تكون واهمة هذه المرة، خاصة أنّ الانتخابات النيابية القادمة ستُعيدُ الفرسان الثلاثة إلى واجهة السلطة وكراسيها، مع القائد الفذّ باسيل، الذي يتحفّز منذ اليوم للوثوب على كرسي رئاسة الجمهورية.