كان لافتاً تردّد اسم روسيا في أكثر من تصريح وتقرير منذ انطلاق معركة عرسال هذا الشهر، ما يثير تساؤلات عن حقيقة هذا الدور، بعيداً عن المتخيل والمأمول به. قبل أيام، وصف النائب في كتلة المستقبل باسم الشاب معركة عرسال بأنها جزء من التفاهم الأميركي-الروسي حول مناطق وقف اطلاق النار جنوب سوريا. ترافق هذا الحديث مع تقارير عن أسلحة روسية جديدة مثل الصواريخ الموجهة، أعانت حزب الله في حربه مع جبهة فتح الشام.
روسيا حاضرة بالسلاح والمظلة السياسية الواسعة والشاملة للبنان المجاور للمعقل الروسي على البحر المتوسط. ولبنان مهم أيضاً كمنصة لاحقة لإعادة الاعمار في سوريا بتمويل يُؤمل أن يكون صينياً، بما أن لبكين القدرة والنية اللازمة للاستثمار في سبيل انجاح خطة طريق ”حزام واحد، طريق واحد“ (طريق الحرير الدولي). والمبالغ المطروحة - كي تُسددها الصين - ليست بالبسيطة سيما للساسة المتغولين في لبنان، إذ تردد مثلاً أن الصين خصصت 10 مليارات دولار للاستثمار في طريق يصل الى البحر المتوسط عبر طرابلس.
وأرقام مماثلة تُطرح لإعادة اعمار سوريا. لكن الصينيين يُفضلون العمل بنشاط وبعيداً عن الأضواء، ويُثيرون في ذلك قلق دبلوماسيين أميركيين وغربيين. خلال الشهور الماضية، زارت وفود صينية مختلفة، بيروت للمشاركة في اجتماعات وندوات لهذا الغرض. 
أمنياً، الوضع أكثر تعقيداً. منطقة طرابلس حساسة بالنسبة الى روسيا، لقربها من القواعد والمراكز الروسية على الساحل السوري، ولذا يُقال إن الاستخبارات الروسية ترصد وتتنصت من البحر! موقع "روسيا اليوم" أيضاً نشر تقريراً عن عرسال عنوانه ”واشنطن تحظر المساعدات الروسية الى الجيش اللبناني، ولا تساعده بشكل كاف في مكافحة الارهاب“. والمقصود بهذه المساعدات، هبة عسكرية لم تُبصر النور رغم مضي سنتين على الأقل منذ الكشف عنها. وكانت هذه الهبة المفترضة التي تضم طائرات حربية، أثارت حفيظة فرنسا حينها، بعدما رأت فيها مؤشراً إلى التمدد الروسي من سوريا إلى لبنان، سيما في ظل تزايد التنسيق بين موسكو وواشنطن هناك. 
والقلق الفرنسي ارتبط حينها بإحتمالات رفع أي نفوذ روسي، حظوظ موسكو بنيل حصة من عقود الغاز اللبنانية. بيد أن موسكو لم تُخف اهتمامها بهذا القطاع، إذ وقع وزيرا الطاقة اللبناني جبران باسيل والروسي أليكساندر نوفاك مذكرة تفاهم للتعاون في هذا المجال قبل 4 سنوات، بعد إبداء شركات روسية بينها غازبروم ونوفاتيك، اهتماماً بالمناقصات. 
وهذا التقدم الروسي يُثير قلقاً أوروبياً، وتحديداً من فرنسا التي طرح وزير خارجيتها السابق جان مارك ايرولت الموضوع في لقاءات مع مسؤولين لبنانيين خلال زيارة له الى بيروت العام الماضي. من يملك النفوذ السياسي والعسكري في المنطقة، يُنافس على العقود المستقبلية. هذا صحيح مبدئياً. لكن قطاع الغاز اللبناني، تماماً كأي مشروع حيوي في البلاد يبدو اليوم غير قابل للتفعيل في المدى القريب على الأقل، بانتظار صفقة لم تكتمل ثمارها بعد.
واللافت أيضاً أن موسكو تستكشف احتمالاتها في الداخل اللبناني عبر جمعيات عديدة أنشئت لهذا الغرض. وبإمكان متابعتها عبر رصد رحلات المسؤولين عن هذه الجمعيات الى موسكو. حتى أن لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، مستشاراً للشؤون الروسية يحضر اجتماعاته مع المسؤولين الروس.
ليس لبنان بمنأى عن تحولات المنطقة، وقد نفيق يوماً ونجد روسيا مفاوضاً له رأي في قضايا محلية بحتة.

 


مهند الحاج علي