مصادر عراقية ترى أن توجه الساسة العراقيين نحو الرياض لا يمكن فهمه في سياق المواجهة الإيرانية السعودية إلا شكلا من أشكال التمرد على طهران
 

تواصل السعودية عملية سحب البساط من تحت أرجل الإيرانيين، باستقطاب المزيد من الحلفاء العراقيين الذين يمثلون أثقالا سياسية وجماهيرية.

وأحدث النجاحات السعودية في هذا الملف، يتمثل في زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الرياض، الأحد، التي ستدشن سلسلة زيارات مماثلة من زعماء عراقيين آخرين.

ويدرك القادة الشيعة العراقيون أن إيران قد تجاوزت بتدخلها في العراق، إلى درجة ولدت نقمة متصاعدة ضدها داخل الشارع الشيعي العراقي بشكل خاص.

وتوجه الصدر على متن طائرة خاصة من النجف إلى السعودية، تلبية لدعوة رسمية تلقاها من الرياض في وقت سابق.

واكتفى مكتب الصدر الخاص بإعلان مقتضب عن الزيارة، فيما انقسم المدونون في مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الزيارة بين مؤيد ورافض.

ووفقا لمصادر حكومية فإن الرياض، فضلا عن الصدر، وجهت الدعوة إلى كل من إياد علاوي نائب رئيس الجمهورية، وعمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، وحيدر العبادي رئيس الوزراء، لزيارة السعودية تباعا. وقالت المصادر إن الحكيم ربما سيكون هو أول من يلبي الدعوة.

واعتبرت مصادر عراقية أن توجه الساسة العراقيين نحو الرياض لا يمكن فهمه في سياق المواجهة الإيرانية السعودية إلا شكلا من أشكال التمرد على طهران، ووجها من وجوه إدراك بغداد لتبدل المشهدين الدولي والإقليمي المجابه لإيران.

وعلى عكس زيارة المالكي إلى روسيا مؤخرا، استقبل مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي زيارة الصدر إلى السعودية بارتياح.

ونفى مصدر في مكتب العبادي لـ”العرب” أن يكون “رئيس الوزراء حمّل الصدر رسالة إلى السعودية”. لكنه أكد أن “العبادي لديه إشعار بها”. رافضا الحديث عن “تنسيق بين العبادي والصدر بشأن هذه الزيارة”. لكنه قال إن بغداد تدعم جميع محاولات تعزيز الثقة مع جيران العراق.

وتمثل زيارة الصدر إلى السعودية ضربة كبيرة للنفوذ الإيراني في العراق وحلفائه الذين يراقبون بتوجس مساعي الرياض للانفتاح على بغداد، على حد تعبير مراقبين.

وعلاقة الصدر ليست على ما يرام مع إيران. فعندما اقتحم أنصار الصدر، الصيف الماضي، المنطقة الخضراء التي تضم مقار الحكومة العراقية وكبرى السفارات الأجنبية، هتفوا “إيران برا برا”، في إشارة واضحة إلى رغبتهم في التخلص من الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي.

وقال سياسي عراقي لـ”العرب”، إن “الرياض تسحب البساط العراقي من تحت أرجل الإيرانيين”، مضيفا أن “السعودية قررت أن تنفتح على جميع الساسة العراقيين الذين يصنفون ضمن خانة الاعتدال الشيعي، في مواجهة التفاف الساسة العراقيين المصنفين ضمن محور التشدد حول إيران”.

وتدور في بغداد أحاديث عن إمكانية تشكيل تحالف ثلاثي يشمل الصدر والعبادي والحكيم، لخوض انتخابات 2018.

وتعتقد الأوساط السياسية في بغداد أن هذه الشخصيات الثلاث، ستنسق مواقفها السياسية حتى إن لم تتمكن من الدخول في تحالف انتخابي.

وعلى حد تعبير محلل سياسي في بغداد، يمكن لهذه المجموعة الشيعية أن تحظى بدعم واضح من دول الخليج العربي والولايات المتحدة، مع المحافظة على “علاقة مستقرة، لكن باردة، مع إيران”.

ولم تتضح في بغداد طبيعة الملفات التي سيناقشها الصدر في السعودية. لكن مصادر في النجف تقول لـ”العرب”، إن “هذه النوعية من الزيارات لا تتعلق بملفات محددة، لكنها تتضمن رسائل مهمة تفهمها المنطقة بسرعة”.

وفور صدور خبر وصول الصدر إلى السعودية واستقباله من قبل وزير الدولة ثامر السبهان، حتى بدأ نواب من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي يطرحون علامات استفهام بشأن مستوى الاستقبال الرسمي.

ويرتبط السبهان، الذي عمل سفيرا لبلاده في بغداد، بعلاقة متوترة مع القوى السياسية العراقية المتحالفة مع إيران. واتهم السبهان من قبل شخصيات قيادية في هذه القوى بالاستفزاز ومحاولة التدخل في شؤون العراق.

ويقول مراقبون إن استقبال الصدر من قبل السبهان هو رسالة واضحة إلى حلفاء إيران في العراق.

أكدت مصادر سعودية مطلعة أن زيارة الصدر إلى السعودية تتسق مع منهج الرياض في الانفتاح على كافة التيارات والمشارب العراقية، وعلى قرار القيادة السعودية على فتح صفحة جديدة من العلاقات مع العراق، لا سيما منذ قيام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارته إلى بغداد في فبراير الماضي.

وكان مقتدى الصدر قد دعا في مايو الماضي السعودية وإيران إلى التهدئة وبدء حوار “جاد” لاحتواء ما قال إنها “حرب طائفية” في المنطقة.

واتخذ الصدر في الآونة الأخيرة مواقف أوحت باستقلاليته عن النفوذ الإيراني، وهتف أنصاره عدة مرات ضد الوجود الإيراني في العراق، فيما تؤكد مصادر عراقية أن الصدر يبتعد عن موقف إيران حيال أزمتي سوريا والعراق.

ورأت أوساط عراقية مراقبة أن اندفاع قيادات عراقية إلى زيارة السعودية يعكس قناعة لدى ساسة العراق بأخذ مسافة من الهيمنة الإيرانية على البلاد واللجوء إلى خيارات تقودها السعودية، لإعادة العراق إلى حضنه العربي الطبيعي.

وتشكل زيارة مسؤولين عراقيين، لاسيما رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى السعودية اختراقا لافتا وتحوّلا جديدا في بغداد بدأ يقلق طهران وتحالفاتها داخل المشهد السياسي العراقي.

ويرى خبراء في الشؤون العراقية أن التواصل بين الرياض والقيادات العراقية من شأنه تقويض الهيمنة الاحتكارية لإيران في العراق وتأتي منسجمة مع استراتيجية أميركية عربية لإضعاف شبكات النفوذ التي تملكها طهران في العالم العربي.