مع عودة عدد من جثامين شهداء المقاومة الى ارضهم وذويهم، يكون انتصار معركة الجرود قد اكتسب بُعدا جديدا وقيمة مضافة، في انتظار ان يكتمل عقد الانجاز النوعي باستعادة الاسرى، تطبيقا للمرحلة الثانية من اتفاق ترحيل ارهابيي «النصرة» وعائلاتهم الى ادلب.
وهكذا، أثبتت المقاومة مرة اخرى ان المعايير الاخلاقية والانسانية لديها لا تقل أهمية عن الاعتبارات العسكرية والميدانية، وبالتالي فهي لا تترك اسراها وشهداءها بحوزة العدو، تماما كما لا تترك الارض والكرامة تحت احتلاله، سواء كان اسرائيليا ام تكفيريا.
وبعد نجاح المرحلة الاولى من تطبيق اتفاق الترحيل بإتمام التبادل بين خمسة من شهداء الحزب وتسعة قتلى من «جبهة النصرة»، اضافة الى اطلاق ميادة عيوش التي كانت تجمع الاموال للجبهة.. تتجه الانظار نحو المرحلة الأدق التي تبدأ صباح اليوم والمتعلقة بانسحاب مقاتلي «النصرة» المحاصرين الى ادلب في مقابل الافراج عن اسرى المقاومة.
وانجاز الجزء الاول من الاتفاق، من دون ان تعترضه أخطاء او عراقيل مستعصية، أعطى اشارة واضحة الى ان مجمل «سلة» بنود الانسحاب باتت مختمرة وناضجة، وبالتالي يُفترض ان يتواصل تنفيذها وفق المسار المُعد لها، وإن استغرقت بعض الوقت لاسباب لوجستية وتقنية تتصل بالعدد الكبير للمسلحين الراغبين في المغادرة، وما يتطلبه ذلك من تدقيق في الاسماء والسجلات وتنسيق مع السلطات السورية، علما ان «الاعلام الحربي» أفاد ان عدد المسلحين وافراد عائلاتهم الذين سيخرجون يُقدر بـ 9 آلاف، فيما قدّرت مصادر أخرى ان يكون اكبر من ذلك.
وكان «الامن العام» بقيادة اللواء عباس ابراهيم قد اشرف امس على كل تفاصيل عملية تبادل الجثامين التي نُقلت بداية الى مقر اللواء التاسع في الجيش اللبناني في اللبوة، حيث تولت الهيئة الصحية الاسلامية نقل شهداء المقاومة حسن علي شريف، جهجاه محمد جعفر، مصطفى المقدم، أحمد الحاج حسن، وقاسم العجمي، فيما تولى الصليب الاحمر اللبناني ارسال جثث «النصرة» الى وادي حميد. 
وتجدر الاشارة الى ان رفات احد الشهداء الخمسة كان موجوداً لدى سرايا أهل الشام. 
وأكد اللواء ابراهيم في حديث تلفزيوني ان ما حصل ليس صفقة بل اتفاق سمح بخروج عناصر «النصرة» سالمين بعد محاصرتهم في بقعة محددة وكان لا بد لهم في المقابل من ان يدفعوا اثمانا. وأوضح ان الاتفاق سيتحدث عن نفسه والسرية مطلوبة وهي اساس نجاح العمل الذي نقوم به. ولفت الانتباه الى ان اطلاق سراح ميادة علوش منفصل عن اتفاق التبادل، مشيرا الى ان لديها وضع يسمح باطلاق سراحها وهي طلبت ان تغادر مع المغادرين. وأوضح انه جرى في بداية التفاوض طرح موضوع اخراج مطلوبين من عين الحلوة لكنه مرفوض من قبلنا بالشروط التي طرحت لانها تمس السيادة اللبنانية، وهناك اسماء مطلوب خروجها يستحيل ان نوافق عليها.
وترافق «تحرير» جثامين الشهداء مع احتفالات شعبية في البقاع الشمالي، خصوصا في بلدتي اللبوة ويونين اللتين احتشد فيهما المواطنون لاستقبال موكب «العائدين» والقاء التحية عليه، بعدما أدوا واجبهم في حماية لبنان والدفاع عنه حتى الاستشهاد.


 الجيش .. و«داعش» 


اما في ما خص الجرود المحتلة في محيط القاع وراس بعلبك، فان الجيش اللبناني يواصل استعداداته لاطلاق معركة تحريرها من ارهابيي «داعش»، وفق توقيته وبناء على ساعته، من دون ان يكون معنيا بكل الاجتهادات والتقديرات التي تكثر في هذه الايام.
وأبلغ مصدر عسكري رفيع المستوى «الديار» ان الثابتة الوحيدة، وسط الكم الكبير من التحليلات والاستنتاجات المتداولة، هو ان الجيش سيخوض حتما عملية عسكرية ضد «داعش» في جرود راس بعلبك والقاع، ما لم يقرر هذا التنظيم الارهابي الانسحاب، سواء من طرف واحد او من خلال التفاوض.
وأكد المصدر ان الكشف عن مصير العسكريين المخطوفين لدى «داعش» هو امر اساسي بالنسبة الى الجيش، وليس قابلا للتفاوض، بل ان اي مفاوضات مفترضة حول انسحاب «داعش» من جرود القاع وراس بعلبك يجب ان تكون مسبوقة بتوضيح مصير العسكريين، وبعدها يمكن ان يبدأ البحث في كيفية خروج العناصر الارهابية من الجرود.
ولفت المصدر الانتباه الى ان اي تفاوض، مباشر او غير مباشر، في خصوص انسحاب مجموعات «داعش» من الجرود لم يحصل بعد، وحتى الآن لا أحد يفاوض الجيش وليس هناك من وسيط، وبالتالي فان القيادة العسكرية تتصرف على اساس ان المعركة واقعة حُكما.
ويكشف المصدر عن ان الجيش انجز وضع الخطة الميدانية للهجوم المرتقب، وهو ينكب حاليا على استكمال الجهوزية المطلوبة لتنفيذ الخطة، من عتاد وعديد واستطلاع ومسائل لوجستية، مشيرا الى ان توقيت المباشرة في المعركة مرتبط بالانتهاء من التحضيرات العملانية، والجيش سيعلن رسميا عن بدء المعركة عندما يُطلقها.
ويؤكد المصدر العسكري قدرة الجيش على تحرير جرود القاع وراس بعلبك من الارهابيين، بقواه الذاتية، لافتا الانتباه الى ان العقد السياسية التي كانت تقيد حركته في السابق قد فككت.
ويشير المصدر الى انه سبق للجيش في الماضي ان استولى على بعض مواقع الارهابيين في الجرود، وكانت التجربة ناجحة، إلا انها لم تُستكمل حينها بسبب الحسابات السياسية، لافتا الانتباه الى ان الظروف تغيرت والمرحلة الحالية مختلفة عن تلك السابقة. 
ويشدد المصدر على ان الوضع في جرود القاع وراس بعلبك لن يبقى كما هو حاليا، وليس مسموحا ان يستمر وجود جيب «داعش» في تلك المنطقة بعد تحرير جرود عرسال من «النصرة»، وبالتالي فان هذه البؤرة يجب ان تزول.
ويضيف المصدر : الجيش يستكمل استعداداته لخوض المعركة من دون ان ينتظر شيئا او ان يراهن على تفاوض، أما إذا استفقنا فجأة على رحيل ارهابيي «داعش» وحدهم، فان سبب المواجهة يكون قد انتفى تلقائيا.


 احباط اغتيالات 


على صعيد آخر، وفي اطار الحرب الاستباقية التي تخوضها الاجهزة الامنية ضد الخلايا التكفيرية، تمكن جهاز «أمن الدولة» خلال الايام الماضية من توقيف مجموعة ارهابية تضم ثلاثة اشخاص فلسطينيين، عُرفت بمجموعة المقدسي كونها كانت تتستر بكشاف المقدسي في مخيم عين الحلوة، فيما جرى الافراج عن اثنين آخرين تم توقيفهما أيضا، بعدما ثبت انه لا علاقة لهما بالارهاب.
وفي المعلومات ان أحد الموقوفين ويدعى «ع.خ.» اعترف خلال التحقيق معه بأنه كان مكلفا اغتيال مسؤولين في حركة فتح في مخيم عين الحلوة. وتبين ان عضوا آخر في المجموعة كان يتلطى بـ «عصبة الانصار» لكنه يتبع عمليا لجماعة الارهابي بلال بدر، وكان يبادر عند وقوع اشتباكات في المخيم الى ارتداء قناع واطلاق النار عشوائيا.
اما العضو الثالث في الخلية الارهابية فقد تبين ان والده هو مسؤول كبير في احد التنظيمات التكفيرية. 
وفي معلومات «الديار» ان عناصر الخلية التكفيرية خرجوا فرادى من «عين الحلوة»، بفارق زمني بين الواحد والآخر، ثم التقوا جميعا على ضفاف نهر قعقعية الجسر في الجنوب، حيث انقضت عليهم قوة من «امن الدولة»، بعدما تمت مراقبة خط سيرهم من المخيم الى النهر.
وعُلم ان شخصين آخرين يشكلان جزءا من المجموعة التي ضُبطت، لكنهما لا يزالان متواريين في داخل «عين الحلوة».
وأظهر التنسيق بين الاجهزة الامنية اللبنانية ان اثنين من الموقوفين كانا مطلوبين ايضا من قبل مخابرات الجيش التي تملك ملفا عن كل منهما، وكذلك الامر بالنسبة الى «الامن العام».
وقال رئيس جهاز «امن الدولة» اللواء طوني صليبا لـ «الديار» ان المجموعة الموقوفة كانت تنطوي على خطورة عالية، موضحا ان بعض عناصرها متورط في هجمات على الجيش. 
واشار صليبا الى ان أحد الموقوفين اعترف بأنه كان يخطط لاغتيال مسؤولين في حركة فتح في داخل «عين الحلوة»، ضمن سياق الصراع بين فتح والتكفيريين في المخيم.