لا يستطيع أيُّ سياسي لبناني إلّا أن يُعطي رأيَه في حرب جرود عرسال، ونظراً الى حساسية الوضع كان كل خطاب يأخذ تأويلاتٍ عدة. فإذا خرج أحدُهم رافضاً قتالَ «حزب الله» في الجرود فإنه يقع، من دون أن يدري، في فخّ تأييده الإرهابَ الذي فجَّر في القاع وبيروت وضواحيها ومناطق أخرى ضد أهل بلده بغض النظر عن إنتماءاتهم السياسية، في حين أنّ مَن أيّد قتالَ الحزب، كانت تهمتُه أنه مع الدويلة ضدّ الدولة.
وفي سياق الأخذ والردّ، برز هجومٌ عنيف على «الرابطة المارونية» بعد البيان الذي أصدرته يومَ الجمعة الماضي ودعت فيه الى الإستفادة من التحرير لبناء الدولة، وثمّنت خطابَ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي رأت فيه أنه لم يستفزّ أحداً، ودعت الى تقوية الجيش بعدما أعلن نصرُالله أنه سيسلّمه النقاطَ التي تمّ تحريرُها، وقدّ فسّر البعض هذا الكلام بأنه ترويج لسياسة «حزب الله»، وأنّ «الرابطة المارونية» خرجت عن الخط التاريخي للموارنة وباتت مع منطق الدويلة وإستسلمت للحزب.
والأخطر في الموضوع هو أنّ «الرابطة» تُعتبر مؤسسةً مارونيةً جامعة وليست حزباً سياسياً، وتضمّ النخبَ والأحزاب، وهي مؤسسة شبه رسميّة للموارنة، وذهب البعض الى إعتبار أنها باتت رابطة للحزب وليس للموارنة، فتعرّضت لأشرس هجوم، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا الكلام استدعى إستنفاراً، وفي أوّل تعليق له بعد الحملة بعدما آثر الصمت، يؤكّد رئيسُ الرابطة المارونية النقيب أنطوان قليموس
لـ«الجمهورية» أنّ هذا الهجوم غيرُ مفهوم ويقوده أشخاص معروف انتماؤهم السياسي، فجزءٌ منهم كان «يقبض» من دول عربية معروفة ويزايد في تنظيراته حول السيادة والاستقلال، «فأنا ماروني، وأمين على الخط التاريخي للموارنة، لا أقبل أن يقبض أحدٌ من إيران وينفّذ سياستها، وبالتالي أرفض أن أدخل في سجال مع مَن هم مرهونون الى دول عربية أو أجنبية، فكيف يحاضر هؤلاء بالسيادة ويعتبرون أنفسَهم يمثّلون خطّ الدولة؟».
ويلفت قليموس الى «أنني أصررتُ على أن ينال البيان الذي صدر يوم الجمعة موافقة جميع الأعضاء، فوافق عليه 12 عضواً، وهناك عضو لم يعطِ جواباً، واثنان لم يعترضاً، ومعروفٌ أنّ الرابطة تمثل كل الأحزاب المسيحية، فهل هذا البيان فردي؟».
ويقول قليموس: «لقد راقبتُ مواقف كل القوى المسيحية من مسألة الجرود، رئيس الجمهورية الذي يمثل الموقع المسيحي الأول في الشرق، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «التيار الوطني الحرّ» اضافة الى موقفَي حزب الكتائب وتيار «المردة»، وفي النهاية انتظرتُ موقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي قال كلاماً موزوناً، لكن ماذا حصل؟».
ويضيف: «الذي حصل معي يشبه الهجوم الذي تعرّض له الدكتور جعجع بعد كلامه أمام رابطة خرّيجي الإعلام، عندها خرج مَن كان يرتمي سابقاً في حضن «القوات» ليشنّ هجوماً عنيفاً على جعجع، بعدما إستعملوا «لا إلله» من كلامه ونسوا «إلّا الله»، واعتبروا أنه باع القضية، وزايدوا في هجومهم تحت ستار أنهم باتوا «سياديين» أكثر من «القوات»، لكنّ الحقيقة وراء هجومهم هذا، هي أنّ «القوات» لم تعطِهم مراكز داخل الحزب، أو تُرشّحهم الى الانتخابات النيابية، فنقلوا «البارودة من كتف الى كتف» وبدأوا مهرجانَ المزايدة».
سببت هذه الحملة إرباكاً داخل الوسط المسيحي، وتسارعت وتيرةُ الإتصالات، ويكشف قليموس أنه «اتصل بمعراب فقالوا لي إننا عمّمنا على كل كوادرنا ومؤيّدينا عدم مهاجمة الرابطة على مواقع التواصل الاجتماعي، من ثم قلت حرفياً إنني لن أرد على أحد إلّا على البيانات الرسمية التي تصدر من «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» و«الكتائب و«المردة» والشخصيات المارونية التي لها وزنها، وبالطبع بكركي، لكن حتى الساعة لم يصدر أيُّ بيان رسمي ينتقدني».
وبغض النظر عمَّن يقف وراء الهجوم، إلّا أنّ التداعيات التي يتركها أيُّ إشتباك مسيحي ستكون كلفتها عالية، خصوصاً إذا وصل التشرذم الى المؤسسات غير الحزبية والتي تُعتبر فوق كل إنقسام، وفي السياق يشدّد قليموس على «أنني كنت نقيباً للمحامين وأميناً عاماً لـ»الكتلة الوطنية» فهل أُخوَّن هكذا؟
كل ما قلناه انه يجب ان يستثمر الانتصار في بناء الدولة وقلت ان نصرالله اعلن انه سيسلم المراكز الى الجيش، فهل اقول له لا وأهاجمه للهجوم، فأنا لاقيت خطاب نصرالله الأخير مثلما لاقيت بيان الأزهر الشريف، وقلت ان الجميع يحب ان يكون تحت الشرعية، هل يريدون هؤلاء ان أؤيد «النصرة» و«داعش» ضد ابناء بلدي؟ وهل هؤلاء المزايدون يرفضون الجلوس مع «حزب الله» على الطاولة نفسها إذا أنعم أحد الأحزاب عليهم وسماهم وزراء في الحكومة؟».
يُجمع كثيرون على أنّ السجالات لا تفيد البلاد، نظراً الى الخطر الامني الداهم، وأزمة النازحين السوريين، حيث يروي قليموس أنه «إلتقى في أحدى المناسبات منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، فلُمته وقلت له: أنت ذهبت الى عرسال في ربيع 2012 مع أعضاء الأمانة العامة وبعض النواب والشخصيات، وأعلنتم بشكل غير مباشر عن فتح لبنان أمام النازحين وقلتم أنه لا يوجد إرهابيون، وانظروا ماذا حلّ بعرسال ولبنان، فأجابني سعيد: نعم لقدّ إرتكبنا خطأً»، من هنا يشدّد قليموس على أنّ «كل مَن تدخّل في النزاع السوري إرتكب خطيئة وليس خطأً بحقّ لبنان، فمثلما أرفض قتال «حزب الله»، فإنني ألوم وأحمّل مسؤولية كل مَن شجّع على قدوم النازحين، من ثمّ حضنَهم، وحضنَ المعارضة السورية وكتب بياناتها وقرأها في إحتفالاته، فما دخلي أنا كلبناني في سوريا، ولماذا لم نرَ هؤلاء في القاع عندما وقعت التفجيرات؟ فهل هم يزايدون على مطراني بعلبك الياس رحال وحنا رحمة وعلى أبناء القاع ورأس بعلبك ودير الأحمر؟».
ويوضح قليموس أن «كل من كان في سدّة المسؤولية فيتلك المرحلة مذنب وإن بدرجات متفاوتة، فالرئيس بشارة الخوري سمح عام 1948 بفتح حدود لبنان أمام اللاجئين الفلسطينيين مقابل سماح الدول الكبرى له بالتجديد. وبعد إندلاع الأزمة السورية كل متورّط باستدعاء النازحين قبض ثمن عملته من مكان ما، وذلك تحت ستار «الإنسانية» والآن إذا كنتم لا تريدون التحدث مع النظام السوري لإعادتهم فتفضلوا وتحدّثوا مع حلفائكم في المعارضة الذين يسيطرون على مساحات شاسعة، أو إنكم تريدون أيضاً بقاءَهم هنا؟».
في النهاية، يأسف قليموس للدخول في السجال، خصوصاً أنه يعتبر نفسه أوّلَ مَن واجه «حزب الله» في قضية الموظفة غلوريا أبو زيد، حيث بدأت المواجهة مع الحزب منذ عهد وزير الزراعة السابق حسين الحاج حسن، لكنّه في المقابل يشدّد على أنه سيفضح الجميع ولن يسكت بعد الآن على جوقة «المزايدين»، خصوصاً أن لا هدف سياسياً له، وأنه يريد الدولة والجيش ولبنان 10452 كلم أولاً وأخيراً، مؤكداً حفاظه على خطّ البطاركة الموارنة من مار يوحنا مارون، مروراً بالبطريرك الياس الحويك، وصولاً الى البطريركين مار نصرالله بطرس صفير، والراعي.