بدأت تداعيات الجدل داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الإتفاق النووي الذي وقّعته الدول الست مع إيران عام 2015، الأمر الذي يصعب فيه الوصول إلى إجماع سهل، بحسب تقرير نشرته صحيفة "العرب" اللندنية اليوم.
وتتصاعد سجالات داخلية بين المؤسّسات الأميركية للتوصل إلى نقطة توازن بين موقف ترامب الرافض لـ"الاتفاق النووي" والداعي إلى الانسحاب منه أو إعادة التفاوض بشأنه، وبين مواقف أخرى تعتبر أن الاتفاق يعمل جيداً وأن لا عجلة أمنية تستدعي تمزيقه.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن استياء ترامب من تخلف مساعديه لشؤون الأمن الاستراتيجي عن توفير أي خيارات تتيح لواشنطن التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015 مع مجموعة الخمسة زائد واحد.
وأبلغ مسؤولون أميركيون حلفاء واشنطن بالاستعداد للانضمام إلى عملية جديدة للمفاوضات مع إيران أو توقّع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، كما انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ.
وذكرت "نيويورك تايمز" أنّ واشنطن باشرت بالفعل بحث أمر الاتفاقية النووية مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، لحثّهم على المطالبة بتفقد المواقع العسكرية الإيرانية التي قد تنشط داخلها ورش مشبوهة في مجال تطوير أسلحة نووية.
ويتوّقع مسؤولون كبار في البيت الأبيض رفض إيران للمطالب بتفقد مواقع عسكرية لديها، سيمكن واشنطن من إيجاد المسوّغ الملائم للانسحاب من تلك الاتفاقية.
وتبادل البيت الأبيض ووزارة الخارجية الرسائل بعد رفض الرئيس ترامب للمرّة الثانية التصديق على تقارير أميركية تؤكد التزام إيران بتعهداتها.
وانتهى السجال الأميركي الداخلي إلى موافقة ترامب مؤخراً على المصادقة على تلك التقارير، وبالتالي تأجيل اتخاذ موقف بشأن الاتفاق النووي مع إيران لثلاثة أشهر أخرى.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن أوساط قريبة من البيت الأبيض، قولها إنّ ترامب كان ينتظر من مساعديه توفير خيارات كان قد طلبها للخروج من الاتفاق. وأكدت على أنّ "الرئيس كان غاضباً من عدم توفر أي خيار".
وبرّر ترامب مصادقته على مطابقة إيران لشروط الاتفاق بأنّها مؤقتة وخاضعة للمراجعة. وذهب في مقابلة له مع وول ستريت جورنال إلى القول إن إدارته "تدرس الأمر بالتفصيل"، ليضيف أنّه حين تتم مراجعة أمر الاتفاقية بعد 90 يوماً "فإنّي أعتقد أننا سنكتشف أن التعهدات غير مطابقة".
ويقول إيلي لايك المحلل في شؤون الأمن القومي الأميركي، إنّ "ترامب كاد يقضي على الاتفاق النووي مع إيران حتى آخر لحظة، ولكن مراجعات مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون واجتماعات مع مختصين في الأمن القومي جعلته يتراجع عن قراره".
وأكّد لايك على أنّ "الرئيس الأميركي كان مصراً على عدم اعتماد الاتفاق النووي، لأنّه يرى أن تصرفات إيران العدوانية على جيرانها تزداد سوءاً منذ وصوله إلى البيت الأبيض".
وأوضح أنّ كلّ الاحتمالات كانت تشير قبل ساعات من إعلان البيت الأبيض، إلى أنّ ترامب لن يعتمد الاتفاق النووي مما يعطي الكونغرس فرصة لإنهاء الاتفاق مع إيران. لكن ما حدث أن الرئيس تراجع وترك البيت الأبيض يعتمد الاتفاق.
وقال إنّ مصادر في البيت الأبيض أكّدت أن الرئيس رغم موافقته على الاتفاق النووي، إلا أنّه مصرّ وبشكل جدي على التعامل بحزم مع تصرفات إيران العدائية لجيرانها.
ويكشف مساعدون لترامب أنّ الدراسة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي ليست مضمونة النتائج وأنها ستركز على عرض ميزان الخسارة والربح في مسألة البقاء داخل الاتفاق، والذي يقيد إمكانات إيران في إنتاج الوقود النووي للتسعة أعوام المقبلة على الأقل.
غير أنّ للرئيس الأميركي رأياً حاسماً في مسألة السجال بينه وبين وزارة الخارجية حول أمر الاتفاق النووي مع إيران. فترامب يؤكد أنه وإن كان "يكن احتراماً لريكس تيلرسون وزير الخارجية وفريقه وعلاقاتهما جيدة"، إلا أنه يعتبر "القول إن إيران مطابقة للمواصفات المطلوبة، أكثر سهولة. لكن هذا الأمر خاطئ. فهي - أي إيران - غير مطابقة للمواصفات".
ويستند ترامب في معارضته للاتفاق على حقيقة أنه لم يشمل البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية وأنشطة طهران في دعم الإرهاب. هذا الأمر يوافق عليه بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية التي تعتبر أن إطلاق إيران مؤخرا لصاروخ إلى الفضاء هو اختراق لروحية الاتفاق النووي.
ويرى محللون سياسيون أن ما يظهر من ارتباك في السياسة الخارجية لإدارة ترامب يعود بالدرجة الأولى إلى وجود مراكز نفوذ داخل الإدارة وفي المؤسسات الأميركية ذات الثقل مرتبطة بعهد الرئيس السابق باراك أوباما، تعمل عكس توجهات الرئيس الجديد، وبدا هذا واضحاً في الموقف من الأزمة القطرية ثم لاحقا في الموقف من إيران.