لا شك في أن تسوية جرود عرسال، وإنسحاب مسلحي جبهة النصرة منها، لمصلحة سيطرة حزب الله على تلك المنطقة، لا تنفصل عن سياق تقسيم مناطق النفوذ في سوريا. ولا شك في أن إيران حققت إنجازات إستراتيجية في سوريا، فيما البعض يعتبر أن هذه الانجازات ستكون مؤقتة، لسنة على الأكثر، إذ إن أجواء هؤلاء تقول إن عام 2018 سيكون عام انسحاب حزب الله من سوريا، وذلك قياساً على إبعاده عن الجنوب السوري، فيما الحزب يعتبر الإتفاق بشأن جنوب سوريا لمصلحته، لأنه يريح قواه، ويسمح له الأمان في تلك المنطقة، وصب جهوده في اتجاه مناطق أخرى أكثر أهمية بالنسبة إليه.
ثمة من يعتبر أن الزخم الذي انطلق فيه حزب الله في سوريا، سيتراجع في المرحلة المقبلة، لأن المعارك تراجعت، وإذا كان هناك حاجة للحزب إلى إدخال عشرين ألف مقاتل إلى سوريا، فإن هذا العدد سيتراجع، لأن المرحلة هي لتثبيت الوقائع على الأرض، وليس لخوض معارك توسعية. وهذا التراجع سيكون لمصلحة التغلغل في مؤسسات النظام والتأثير في المفاصل الأساسية للنظام من ناحية، والسيطرة بالمنطق الجغرافي من ناحية أخرى.
كل الأجواء الأميركية تشير إلى أن واشنطن تريد التضييق على إيران وحزب الله. وقد بدأ ذلك في جنوب سوريا. المؤشرات هذه تتكثف، وحزب الله يذهب بعيداً في تحصين نفسه في الوضع الداخلي. وهذا ما لاقاه إليه الرئيس سعد الحريري من واشنطن، حين اعتبر أنه لا يمكن مواجهة حزب الله لأنه جزء من النسيج اللبناني، ولا يمكن مواجهته في لبنان وهذه المواجهة هي جزء من الأزمة الإقليمية، خصوصاً أن التجربة أثبتت أن الحريري ليس لديه أي دور قادر على مواجهة الحزب.
السؤال الذي يطرح نفسه حالياً، هو عما ستفعله واشنطن في سوريا، بالاتفاق مع الروس، وروسيا تحرص على لعب دور أساسي على الحلبة السورية، ولا يمكنها التخلّي عن الدور الإيراني، لأن دوريهما يتكاملان، فلم يكن لروسيا أن تحقق ما حققته بدون الوجود الميداني الإيراني على الأرض، والإيرانيون لم يكونوا قادرين على تحقيق الإنتصارات في سوريا بدون التدخل الروسي. لذلك، لن يغامر الروس في الإصطدام مع الإيرانيين، حتى وإن كانت مصلحتهم تقتضي ذلك لكنهم غير قادرين على فعله. بالتالي، فإن المؤشر هو أن إيران باقية في المدى المنظور، رغم إضعاف دورها بشكل أو بآخر في سوريا.
وهناك من يعتبر أنه حتى إذا ما حصلت تطورات ميدانية تقتضي إنسحاب إيران وحلفائها من بعض المناطق في سوريا، إلا أن روسيا ستعمل على الاستعاضة عن هذا الوجود الميداني، بقوات أخرى، سواء أكانت شيشانية، أم مصرية أو كل هذه الأطراف التي يُحكى عنها، ولا سيما الدور المصري الذي لعبته القاهرة في الغوطة الشرقية. لكن، لا تخفي المصادر أن هناك تردداً في هذا الأمر. ولا شك في أن كل معادلة الثورة السورية، انحصرت في إطار أساسي، وهو عدم توفر بديل من النظام، عسكرياً وسياسياً، إذ إن الأطراف المعارضة للنظام، لم يكن لديها أي ثقة بأي طرف عسكري مسلّح ليحلّ بديلاً من الجيش السوري.
يقتضي ذلك قبول الوجود الإيراني، ولكن المهذّب على الطريقة الأميركية، مع استمرار البحث عن بديل، لأجل إبعاد إيران في سياق مشروع قائم على تسويات داخلية، إذ في الحسابات الروسية، لا يمكن إضعاف إيران وحصر حزب الله، بدون توافر بديل، وهذه الإشكالية مستمرة منذ إنطلاق الثورة، التي رافقت ضرورة بقاء النظام بالنسبة إلى البعض، إذ إن الذريعة لعدم إسقاط النظام، كانت دائماً عدم توافر بديل.
وهناك ضغط أميركي كبير لتحجيم نفوذ إيران في سوريا، لكن لا أفق لذلك على المدى القريب. كما أن هناك غموضاً بعيد المدى حول كيفية حصول ذلك، خصوصاً أن الخيارات الدراماتيكية منعدمة، بفعل الأمر الواقع والسيطرة الإيرانية الميدانية على بقع أساسية واستراتيجية في سوريا. وأي تحجيم للنفوذ الإيراني في سوريا، لن ترضى به طهران، بدون الحصول على ضمانات وإتفاق مع روسيا يضمن جزءاً أساسياً من مصالحها.