بعيداً عن التهليل والتطبيل بالانتصارات، سيما في المقدمات الإخبارية الرنانة التي لا تمت لمهنة الصحافة بصلة، لمعركة عرسال أهمية أكبر من طرد مجموعات متطرفة قرب الحدود مع سوريا. 
أولاً، هي توكّد واقعاً يخفت أصوات معارضيه، ويبدو أشد تنظيماً مما كان عليه قبل سنوات. في لبنان، قوتان عسكريتان، الأولى حزب الله اللبناني المعروف رسمياً بإسم المقاومة، والثاني السلاح الرسمي للدولة اللبنانية. بينهما تنسيق وانسجام في العمل العسكري والأمني، يشي باستمرارية مؤسساتية منفصلة عن السياسة والأفراد. والحزب هنا شريك للدولة في قرارها وسلاحها، والعكس غير صحيح. إنها شراكة، أو ثلاثية كما يحلو لأنصارها تسميتها، غير متكافئة الأطراف. لكنها باتت واضحة جداً، وجزء ثابت من حياتنا السياسية، وبخاصة بعد الانسحاب السوري عام 2005. كان الجيش السوري حينها الشريك الملك في أمن البلاد، تدور بقية الأطراف في فلكه.
وعرسال اليوم نموذج لهذا الواقع الأمني. والمشكلة ليست على الإطلاق أن حزب الله يطرد تنظيمين متطرفين من جرود عرسال، إذ أن في ذلك فوائد أمنية ظاهرة. جبهة فتح الشام بقيادة أبو مالك التلي، وداعش، يُمثلان خطراً دائماً ليس فقط على أمننا كمواطنين نعيش في هذا البلد، بل أيضاً على السلم الأهلي. وما حصل في بلدة القاع دليل على مخاطر هذه الجيوب وقدراتها رغم محدودية إمكاناتها.
بكل وضوح، لن يذرف أحد دموعاً على تنظيمي فتح الشام وداعش. لكن مصدر القلق حيال العملية العلنية للحزب في عرسال، على ارتباط بتبعاتها المحلية والدولية. محلياً، هذه العملية وما يتخللها من تنسيق مع الجيش في القصف، تنسف الحجة القديمة بأن حزب الله تنظيم غير تقليدي، وبإمكانه، وعلى عكس أي قوات نظامية، مواجهة جيش جرّار دون تحميل مؤسسات الدولة تبعات الحرب. التصريحات الاسرائيلية في هذا المجال، والاشارات الأميركية حيال التخفيف من المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، تدل جميعاً على تحول في النظرة للعلاقة الثابتة بين الحزب والدولة. كما يُؤشر توتر العلاقات بين لبنان ودول الخليج، سيما الرسالة الكويتية الأخيرة، إلى ميل لتحميل الدولة مسؤولية الأدوار الاقليمية للحزب واستخدامه الأراضي اللبنانية لهذا الغرض.
وتلزيم تحرير عرسال للحزب، يُضعف أيضاً من معنويات المؤسسة العسكرية، ونوايا تعزيز قدراتها، إذ أن مثل هذه المهمات الوطنية تُناط بها عادة. وصورة ثأر الحزب للجيش، رغم تعابير الإخاء ورفاقية السلاح، تُبرز تفوقاً عسكرياً للأول، وكأنه سوبرمان يأتي لإنقاذ الموقف عندما تعجز الشرطة.
وهذا الواقع اللبناني، لو أرفقناه بالارتباط الوثيق للحزب بإيران، لرأينا بأنه أورثنا عداءها الشامل في محيطنا العربي، وأدخلنا في دوامة العقوبات والأزمات المتواصلة مع الغرب، سيما ادارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.
بيد أن الادارة الأميركية الحالية تُبلور سياسة عدائية تجاه ايران من خلال تشديد العقوبات، وأخيراً الضغط لتفتيش منشآت عسكرية ايرانية لامتحان مدى صمود الاتفاق النووي مع طهران، وحديث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون عن مساع لتغيير النظام الايراني. لذا، قد لا يصمد الاتفاق النووي الايراني، ما يُعيد المنطقة الى العد العكسي لمواجهة عسكرية بين واشنطن وتل أبيب من جهة، وطهران من جهة ثانية.
السؤال هنا بات ما نصيبنا في هذه المواجهة، لا مصلحتنا فيها؟ هل نُجر الى المزيد من أفخاخ العقوبات الأميركية، وربما الى حرب مقبلة مع اسرائيل، تقضي على ما تبقى من لبنان؟ 
هذه أسئلة مصيرية يسلبنا عجز الدولة عن احتكار العنف والسلاح، القدرة على إجابة أي منها. دولتنا لوجستية، وظيفتها الوحيدة التنسيق عند الطلب.

 

 مهند الحاج علي