عرفت الساحة الفنية العربية على مرّ السنين مواهب كثيرة تركت بصمتها في عالم الإبداع وحفرت في وجدان الجماهير العربية. وفي حالات ليست بقليلة لعبت المورثات دورها وانتقلت الموهبة من فنانين إلى أبنائهم، فجاء الأبناء بنتائج تضاهي الآباء أحياناً وتتفوق عليهم في أحيانٍ أخرى.
ووفق عالم النفس آرثر غيتس، فإنّ الوراثة تلعب الدور الأكبر في انتقال المواهب والإبداع إلى البشر، ومن ثم يأتي دور صقل الموهبة ورعايتها إلى أن تبلغ حد الاحتراف.
الحديث هنا يدور عن نجوم عرفناهم وأثنينا على مواهبهم وتأثرنا في أعمالهم، ليأتي أبناؤهم ويتشاركون معهم نجاحاتهم ويكملوا الطريق من بعدهم.
في الخامس والعشرين من أيار 2017 غادرنا الموسيقار السوري الكبير سهيل عرفة تاركا وراءه إرثاً فنياً كبيراً، وأمانةً حملتها من بعده ابنته النجمة أمل عرفة.
"يا دنيا راحوا الغوالي، قدك المياس، يا طيرة طيري، أخد قلبي سكارسة، ودي المراكب ع المينا"، وغيرها الكثير، كلها أعمال حملت توقيع سهيل عرفة تلحيناً وغنّتها أصوات عمالقة الطرب في العالم العربي، ومنذ أغنيته الأولى "يا بطل الأحرار" للراحل فهد بلان التي لحنها العام 1958، ذاع صيته كأحد كبار الملحنين العرب.
كما تشارك سهيل الأب مع ابنته أمل نجاحات عدة، حيث بدأت مسيرتها الفنية كمغنية، فغنّت"صباح الخير يا وطناً"من ألحان والدها، ولفتت الأنظار إلى نفسها كموهبة حقيقية، وأصدرت بعدها أغنيات عدة، وبدأت تكشف عن مواهبها وتُحقق نجاحات جديدة في مجالات إبداعية أخرى.
احترفت أمل عرفة التمثيل كونها درسته في المعهد العالي للفنون المسرحية بـ دمشق، ومع كل عمل، كانت تقدم نفسها بدور جديد يكشف عن نجمة تشرّبت الإبداع وراثةً وعلماً وعملاً، فكانت سمر في "عيلة خمس نجوم، نادين في ذكريات الزمن القادم، لطفية في الخوالي، زهية في أسرار المدينة، رمزية في كسر الخواطر"، والعديد من الأعمال في التلفزيون والمسرح والسينما، إلى جانب موهبتها الخاصة في عالم الكتابة التلفزيونية التي أنجبت إلى حد الآن خمسة أعمال هي: "دنيا بجزئيه، عشتار، رفة عين، وسايكو" الذي يترقب جمهورها عرضه على الشاشات.
وفي محيطٍ ينبض بالفن الأصيل، ولدت الفنانة اللبنانية ألين لحود من أم أثرت الفن اللبناني غناء وتمثيلاً قبل أن ترحل باكراً. إنها الفنانة سلوى القطريب التي توفيت في الرابع من آذار العام 2009، فبكتها ابنتها ألين التي ورثت الإبداع عنها بأغنية "بكير تركتيني".
كبرت ألين على أنغام أغنيات أمها أمثال: "طال السهر، حوّل يا خيّال الليل، خدني معك، قالولي العيد، شو في خلف البحر"... إضافةً إلى بطولاتها المسرحية بجانب كبار نجوم الفن في لبنان والعالم العربي منهمملحم بركات، إيلي شويري، طوني حنا، جورجيت رزق وغيرهم... فكان أرشيف الأم الأصيل مصدر إلهام الابنة واختارت المضي في طريق والدتها.
حازت ألين لحود على ديبلوم في السيناريو والإخراج وبدأت مسيرتها الفنية بإخراج الأفلام القصيرة، وشاركت بأعمال مسرحية عدة منها "جوهرة العالم"العام 2006 إخراج إلياس الرحباني، مشاركتها ضمن فرقة "كركلا" في مهرجان بعلبك الدولي العام 2009، إلى جانب المسلسلات التلفزيونية وفيلم سينمائي بعنوان "نهاية حلم".
"بعشق روحك"، عنوان ديو غنائي جمع لحود بالفنان مروان خوري وحقق نجاحاً باهراً، كما شاركت في برامج تلفزيونية مثلThe Voice بنسخته الفرنسية، وأدت بصوتها أغنيات والدتها وغيرها من العمالقة، وحازت على العديد من الجوائز في لبنان وتركيا وفرنسا.
تحت "قطعة السما" ذاتها نشط الأب جوزف عازار ولحق به ابنه كارلوس عازار، وكان الابن خير خلف لخير سلف، فجوزف عازار اسم يرجع بنا إلى حقبة الزمن الجميل من خلال مسرحيات أبدع فيها مع الأخوين رحباني، دريد لحام، صباح، فيروز، روميو لحود، فرقة كركلا وغيرهم.
"بكتب اسمك يا بلادي"، إحدى أهم الأغنيات الوطنية في الوطن العربي عموماً، مغنيها الأول هو جوزف عازار، الأغنية التي تجسد قصة حنين ومعاناة اغتراب الشاعر إيلي شويري، والتي غنتها أصوات كثيرة وحفظتها الجماهير من المحيط إلى الخليج، إلى جانب مشاركات عدة لعازار الأب في مهرجانات وفاعليات فنية وثقافية، ورصيد ذاخر بالفن الأصيل.
غنّى جوزف عازار إلى جانب ابنه كارلوس على مسرح برنامج "ديو المشاهير"أثناء مشاركة الابن في المسابقة، واستمتع الجمهور العربي بأصالة وإبداع العازارين، كارلوس الذي درس المسرح والغناء الشرقي ويجيد العزف على البيانو والعود، قدّم العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، وعندما احترف الغناء أثبت جدارة وحرفية عالية وثقافة موسيقية واسعة.
الأب ممثل ومخرج محمد الشيخ نجيب، الأم ممثلة خديجة العبد، الأبناء الممثل قيس والمخرج سيف الشيخ نجيب، كانت الأم حاملاً بقيس أثناء تمثيلها على المسرح في مسرحية "غربة" الشهيرة، ورغم أنّ خديجة العبد اعتزلت الفن مبكراً لمصلحة عائلتها وتربية أبنائها، حمل قيس الموهبة عن والديه وظهر في عمر صغير بأعمال مثل: "أيام شامية"، "الدغري"... ودرس التمثيل وجسّد أدواراً حقق من خلالها نجاحاً كبيراً مما أكسبه شهرة واسعة.
والده محمد الشيخ نجيب درس الإخراج في هنغاريا، وقدم الكثير من الأعمال كممثل مثل: "رجال تحت الطربوش، أبو كامل، مذكرات عائلة، فيلم الحدود وغيرهم"... وكمخرج مثل: "قمر بني هاشم، الزلزال، ألو جميل ألو هناء وغيرهم"... توفي في بيروت العام 2012، لكن ابنه سيف شارك والده شغفه واحترف الإخراج واضعاً بصمته على أعمال كثيرة منها: "بقعة ضوء، وجه العدالة، ممرات ضيقة"، وغيرها.
قائمة المبدعين تطول، منهم من حمل الراية عن والد، ومنهم من يتشاركها مع أحد أبنائه، ومنهم من غرّد أو لا يزال يغرد وحيداً، وعظمة الفن تكمن في خلوده حين يكون إرثاً يخلد صاحبه، ويحمي الأجيال من الرداءة والإسفاف.