تخشى طهران من أن يشجع انسحاب عمار الحكيم من المجلس الإسلامي الأعلى، المزيد من حلفائها في العراق على تشكيل كيانات سياسية جديدة لا تخضع لنفوذها المباشر، لذلك تعمل على إقناع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، بضرورة التفاهم مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، لخوض الانتخابات المقبلة في كتلة سياسية واحدة.
ومثّل انسحاب الحكيم من المجلس الأعلى وتشكيله تيارا سياسيا جديدا، إعلانا منه عن مغادرة دائرة النفوذ الإيراني المباشر في العراق، والعمل باستقلالية أكبر عن طهران.
ويعتقد مراقبون أن خطوة الحكيم لا يمكن وصفها بالتمرّد أو الانقلاب على النفوذ الإيراني في العراق، لكنها لا تخلو من الجرأة، وربما تدفع أطرافا شيعية جديدة إلى تقليدها، لا سيما داخل ائتلاف دولة القانون، أكبر التجمعات السياسية الشيعية في العراق.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن النظر إلى ما أقدم عليه عمار الحكيم من خطوات من جهة ما ينطوي عليه من محاولة لصنع مسافة بينه وبين إيران فيه الكثير من المبالغة.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “قد تكون إيران هي الجهة التي خططت للحكيم انسحابه من المجلس الأعلى وتأسيس تيار سياسي جديد استعدادا للانتخابات القادمة. فبدلا من أن يُطرد الحكيم من المجلس الأعلى بسبب خلافات داخلية تم تأليف مشهد جديد من مشاهد العملية السياسية المترهلة في العراق يظهر الحكيم من خلاله كما لو أنه كان سيد قراره المستقل. وهو ما أكدته وسائل الإعلام التابعة للحكيم حين قدمته بصفة الشاب الوطني الحريص على مدّ جسور الثقة مع المحيط العربي وبالأخص مع المملكة العربية السعودية، وهو ما لا يُوجد له سند في الواقع. وكما هو معروف فإن المجلس الأعلى الذي كان يترأسه الحكيم لا يحظى بالشعبية التي تحظى بها الكيانات الحزبية الشيعية الأخرى”.
وينظر إلى انشقاق الحكيم باعتباره خطوة استباقية مبكرة لطرح خرائط سياسية جديدة، تكون بمثابة القاعدة لهيمنة إيرانية ستتخذ خلال السنوات الأربع المقبلة أشكالا مختلفة عن أشكالها القديمة في ظل توقع وقوع تدخل أميركي لتحجيم الدور الإيراني في العراق. وليست مشكلة الحكيم ومجلسه إلا أصغر مفردات ذلك التحول.
العبادي يتجنب: الخروج من حزب الدعوة، حتى لا يغضب إيران ويستفز حلفاءها
وكشفت مصادر في بغداد لـ”العرب” أن ممثلين عن المالكي والعبادي اجتمعوا في بغداد مؤخرا، لمناقشة مستقبل ائتلاف دولة القانون خلال الانتخابات القادمة، وكيفية مشاركة حزب الدعوة الإسلامي فيها.
وأكدت المصادر على أن العبادي يرفض أن يكون ظلا للمالكي في أي قائمة تتنافس خلال الانتخابات البرلمانية المفترض إجراؤها في أبريل 2018، ما يطرح فرص مغادرته ائتلاف دولة القانون، نحو تشكيل كيان سياسي جديد.
لكن العبادي سارع إلى نفي هذه المعلومات، الثلاثاء، وقال إنه لن يفكر في الانتخابات قبل القضاء على تنظيم داعش في العراق.
ومازال التنظيم يحتل ثلاث مناطق رئيسية في ثلاث محافظات، هي تلعفر في نينوى، والحوجية في كركوك، والقائم في الأنبار، مع ثلاثة جيوب أخرى في صلاح الدين والأنبار.
ووفقا للتقديرات العسكرية، فإن عملية استعادة قضاء تلعفر باتت وشيكة، وربما تكون متزامنة مع عمليات في الحويجة والقائم.
لذلك يقول مراقبون في بغداد، إن “الحديث عن النصر الكامل في العراق ربما يكون ممكنا أواخر سبتمبر المقبل، وهو الموعد الذي قد يكون فيه العبادي ملزما بالكشف عن نواياه السياسية”.
ويحاول العبادي كسب المزيد من الوقت قبل حسم خياراته السياسية، ليخفف تأثيراتها العكسية المتوقعة.
ووفقا لسياسي شيعي بارز، فإن “العبادي ربما يسلك طريقا ثالثا، بعدما حصرته التوقعات طيلة المرحلة المقبلة، بين البقاء تحت ظل المالكي في دولة القانون لضمان الدعم الإيراني الكامل خلال الانتخابات، أو الدخول في تحالف مع عمار الحكيم ومقتدى الصدر لضمان دعم مرجعية السيستاني في النجف”.
وكشف السياسي لـ”العرب” أن “العبادي، الذي شارك في انتخابات العام 2014 زعيما لكتلة حزب الدعوة ضمن ائتلاف دولة القانون، ربما يكرر التجربة ولكن بصيغة أخرى”.
وتوقع تجنب لجوء العبادي إلى الخروج الصريح من ائتلاف دولة القانون أو حزب الدعوة، على الأقل مؤقتا “حتى لا يغضب إيران ويستفز حلفاءها في العراق ضده”.
وقال “قد يتفق مع شخصيات شيعية على تشكيل تحالف يشترك فيه بوصفه زعيما لكتلة حزب الدعوة الانتخابية في حال لم يتنازل له المالكي عن الرقم (1) في بغداد”.
ويحاول فريق العبادي انتزاع صدارة القائمة من المالكي خلال الانتخابات، لكنه يعلم أن هذا ربما يكون صعبا.
وتطرح أوساط مقربة من دولة القانون خيارات عديدة لتقريب وجهات النظر بين المالكي والعبادي بشأن تشكيل قائمة الائتلاف الانتخابية. ومن بين هذه الخيارات ترؤس العبادي قائمة دولة القانون في بغداد، وترؤس المالكي قائمة البصرة. لكن المصادر نفسها تشير إلى أن المالكي رفض هذا الاقتراح، ويصرّ على الاحتفاظ بزعامة القائمة والائتلاف.
ويتوقع مراقبون أن “تؤجل المفاجآت السياسية من طرف العبادي حتى سبتمبر المقبل، إذ عندها يمكن أن يكشف عن نواياه الحقيقية بعد اكتمال عمليات تحرير ما تبقى من المناطق المحتلة، وما إذا كان سيشتري ودّ إيران، على الأقل خلال الانتخابات، أو سيختار الابتعاد عنها قليلا”.
وتتمثل أكثر المشكلات تعقيدا في إزاحة المالكي من المشهد السياسي برمته وإحلال حيدر العبادي محله في مرحلة ما بعد داعش، وهو ما يوحي بالذهاب إلى معادلة سياسية جديدة يحل فيها المنتصر محل المهزوم في محاولة لتكريس ما جرى في الموصل باعتباره بداية لتاريخ سياسي جديد، تكون فيه التسويات الطائفية التي طالما قاومها المالكي ممكنة وعلى نطاق واسع.
ولم يظهر حزب الدعوة الحاكم انقسامه إلى العلن بين تياري المالكي والعبادي إلا في حدود ضيقة، غير أن تدخلا إيرانيا يمكنه أن يحسم الأمور لصالح العبادي في مقابل ضمان عدم تقديم المالكي إلى المحاكمة بعد أن يتم إبعاده من المشهد السياسي تماما من خلال دفعه إلى الإقامة خارج العراق.
ولن يكون العبادي مطمئنا إلى قدرته على تصريف شؤون حكومته ما دام المالكي هو سيد القرار في حزب الدعوة وكتلة دولة القانون.