بهاتين الكلمتين يُمكن اختصار اليوم النضالي النقابي الطويل الذي شهدته الجامعة اللبنانية في مجمع الشهيد رفيق الحريري في الحدث. متفرّغون، متعاقدون، متقاعدون، مدراء، أساتذة، من الكلّيات كافّة، لبّوا نداءَ الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين للانتفاضة في وجه تداعيات سلسلة الرتب والرواتب على صندوق التعاضد وخصوصية موقع الأستاذ، مؤكّدين: "مواصلة تحرّكِهم إلى حين تحقيق المطالب وإلّا فلن يبدأ العام الجامعي"، ما يعني أنّ مستقبل أكثر من 70 ألف طالب يترنّح.تستعدّ رابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم الاثنين، لنقلِ صرخةِ أكثر من 3 آلاف أستاذ جامعي متضرّر بطريقة مباشرة وغير مباشرة من إقرار سلسلة الرتب والرتب، فيما تواصِل الرابطة تحرّكَها، وآخرُها جمعية عمومية في مجمع الحدث أمس.
أساس المشكلة
لم يكد أساتذة "اللبنانية" يلتقطون أنفاسَهم بعد المعركة الطويلة التي خاضوها لنيلِ السلسلة عام 2012، حتى وجدوا أنفسَهم أمام معركة جديدة. في التفاصيل، أنّ الزيادة التي حصلوا عليها آنذاك لم تتجاوز الـ 70% (68%)، وقد فرَضت الحكومة على الأساتذة مقابل ذلك العملَ 50 ساعة إضافية، مع اعتبار أنّ خدمات صندوق التعاضد متمّمات للراتب.
"يُحاولون المساسَ بما دفعناه من عرَق جبيننا"، يقول الدكتور علي رمّال، موضحاً: "حين نِلنا السلسلة العام 2012، دفع الأستاذ ما يُقارب الـ 30% من الزيادة بفعل إضافة ساعات التدريس، فتقلّصَت عملياً وعِلمياً قيمة السلسلة التي تقاضاها، بالإضافة إلى تداعيات غلاء المعيشة".
ويقول لـ"الجمهورية": "اليوم مع الزيادة التي منحَتها الدولة للقطاعات من 100% إلى 140%، والتي لا نعارضها إنّما ارتدّت علينا، تَضرَّر موقع الأستاذ الجامعي معنوياً ومادّياً بفِعل الفوارق الهائلة نتيجة الزيادات، علماً أنّ للأساتذة متطلبات مالية أكاديمية، لذا المطلوب سلسلة جديدة تليق بهم وبما يُقدّمونه من أبحاث علمية تُشكّل عاملاً جاذباً للاستثمار في الدولة".
سلبٌ مُمنهج
رمّال وغيرُه من الأساتذة الذين غصّت بهم قاعة المؤتمرات أمس، يؤكّدون بالفمِ الملآن "أنّ خدمات صندوق التعاضد ليست منّةً من أحد، والأساتذة يُساهمون بتمويلها 3.5%".
لذا سُرعان ما يَحتدم النقاش وتعلو النبرة لمجرّد طرح فكرة المساس بالصندوق أو دمجِه مع صناديق أخرى. في هذا السياق، يوضح أمين سرّ الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين الدكتور إيلي الحاج موسى: "لسنا ضدّ أن يَحظى الموظفون بزودة، ولكن في الوقت عينِه نتعرّض ومكتسباتنا لعملية سلبٍ ممنهج، هناك من يَتطاول على صندوقنا الحالي، بما يُمثّله من أمنٍ اجتماعي، بعد الإصلاحات التي أقرّها مجلس النواب، بما فيها توحيد التقديمات الاجتماعية".
ويضيف في حديث لـ"الجمهورية": سبقَ ونِلنا وعوداً بأنّ الصندوق لن يُمسّ، لكن يبدو أنّ هناك ضغطاً خارجيّاً يَحدث، في اتّجاه توحيد الصناديق، علماً أنّ كلفته التشغيلية منخفضة نسبياً، أضِف إلى ذلك أنّ المستفيدين من الصندوق هم فئتان، مَن هم في ملاك الجامعة، والمتفرّغون، الفئة الأولى وإنْ حوّلتها الدولة إلى التعاونية، ستبقى الفئة الثانية من دون أيّ تغطية صحّية واجتماعية، من هنا الأهمّية المزدوجة للمحافظة على الصندوق".
الخرطوشة الكبرى
في وقتٍ يُتيح القانون للرابطة إعلانَ الإضراب 3 أيام، فوَّض الأساتذة المعتصمون الهيئة التنفيذية اتّخاذَ الخطوات المشروعة كافة. في هذا الإطار، لم يَستبعد رئيس الرابطة الدكتور محمد صميلي إمكانية الإضراب المفتوح، قائلاً: "لا شكّ في أنّ مصلحة الطلّاب تصب في الدرجة الأولى، ولكن "الخرطوشة الكبرى"، أي الإضراب المفتوح، غير مستبعدة، نحن لم نحدّد بعد سقفَ تحرّكِنا، لن نوفّر لقاءات، اعتصامات، إضرابات وصولاً إلى إقفال الجامعة".
ويضيف: "المؤسف أنّنا نشعر اليوم بأنّ الراتب في مكان، فيما النهبُ من جيوب الأساتذة في مكان آخر، علماً أنّ الصندوق أنشِئ لأسباب موجبة، منها التقديمات الاجتماعية المكمّلة لاستقرار معيشة الأستاذ واقتصاده، خصوصاً أنّ الأستاذ الجامعي غيرُ كلِّ القطاعات، ممنوعٌ عليه أيّ أجرٍ خارج الجامعة اللبنانية".
وبين اعتكافِ القضاة عن العمل وتلويحِ الأساتذة بالتصعيد، يَعتبر صميلي "أنّ اللبنانية" هي مؤسسة التعليم العالي الأمّ على مستوى الدولة، أساتذتُها يُعلّمون كلّ الناس، من وزراء، نوّاب، قياديّين، أطبّاء، قضاة... لذا رواتبُهم وضماناتهم يجب أن تتمايز عن الآخرين"، مؤكّداً "أنّ من حقّ القضاة المطالبة بالمحافظة على امتيازاتهم، وصندوقُهم قد أنشِئ قبل صندوق أساتذة اللبنانية، وفي فترة متقاربة أخَذ كلّ منّا سلسلتَه".
ماذا لو فرّقت السياسة مطالبَ الأساتذة؟ يجيب صميلي: "لا أنكِر أنّ العدد الأكبر مسيَّس، وهذا شأن طبيعي، ولكن نحن ندافع اليوم عن مصلحة المؤسسة التي نعمل فيها وعن مصلحة كلّ أستاذ، ساعين لتسخير السياسة في خدمة الجامعة".
ختاماً، "لا لتقديم التنازلات"، عنوان يتمنّى الأساتذة المتفرّغون على الرابطة أن تتبنّاه في المرحلة المقبلة، لإعادة مكانةِ الأستاذ الجامعي، والحفاظ على خصوصيته، لا سيّما وأنّه لا يمكن إرباك الجامعة بمعارك موسمية، بدءاً من تقليص صلاحياتها، إلى إغراقها بالتجاذبات السياسية، ووضعِها على مشرحةِ التوازنات الطائفية.