الزائر لبريطانيا في هذه الأيام، قياسا على زيارة سابقة قبل عام تقريبا، يشعر أن الأمور تغيرت خلال العام الذي مضى، فالتحديات زادت كثيرا بسبب التطورات الأمنية والسياسية التي جرت في الأشهر الماضية من حوادث عنف واعتداء، سواء تلك التي استهدفت البريطانيين من قبل عناصر متشددة تنتمي لتنظيمات إسلامية متطرفة، أو تلك الأحداث والاعتداءات العنصرية التي استهدفت البريطانيين المسلمين ومساجدهم من قبل عناصر يمينية متطرفة، ما زاد نسبة الإسلاموفوبيا في بريطانيا خاصة وفي الغرب عموما، مع أن بريطانيا تمثل نموذجا مهما للمجتمعات الغربية التي يلعب فيها البريطانيون من أصول إسلامية أو عربية أو أفريقية أو أسيوية دورا فاعلا في المجتمع وفي مختلف المجالات.
وزيادة مشاعر الإسلاموفوبيا في الغرب هو الذي دفع منتدى الوحدة الإسلامية في لندن لإقامة مؤتمرين شاملين، الأول تحت عنوان: الإسلام وحملات التشويه، والثاني حول الحوار الإسلامي – المسيحي وجدوى هذا الحوار وآفاقه، وذلك ما بين 21 و25 يوليو(تموز) الجاري، وقد شارك في هذين المؤتمر حشد من الشخصيات الإسلامية والمسيحية من مختلف الاتجاهات ومن دول متعددة(بريطانيا، فرنسا، كندا، مصر، العراق، ايران، لبنان، المغرب والجزائر).
وأهمية هذين المؤتمرين انهما شهدا نقاشات معمقة وصريحة حول التحديات التي تواجه المسلمين بشكل عام وفي الغرب خاصة، إضافة للإشكالات التي تواجه الحوار الإسلامي – المسيحي، كما تناول المؤتمر الأول القضايا الإسلامية المختلفة ولا سيما القضية الفلسطينية وما يتعرض له المسجد الأقصى من مخاطر في هذه الأيام وما يتعرض له دين الله من محاولات دؤوبة للتشويش على رسالته السمحة وإنسانيته المتميزة. وقد ركز المشاركون على تشجيع مبادرات العمل المشترك بين المسلمين كأمة واحدة اختارها الله لتبليغ رسالته للبشرية كافة، والتأكيد على ضرورة التصدي للظواهر السلبية التي ألصقت بالدين من بعض أبنائه والكثير من أعدائه.
وشارك العديد من العلماء والمفكرين من بلدان عديدة في النقاش الثري الهادف لطرح تصورات حول ما يمكن عمله للحفاظ على قداسة الدين في النفوس وإزالة الحواجز التي تحول دون استفادة الناس كافة من توجيهات السماء. تطرقت محاور المؤتمر للتحديات والتهديدات التي تهدد الوجود الإسلامي في الغرب، وعبرت عن تجارب ثرية في ميدان التفاعل الحضاري والتعاون الثقافي بين المسلمين وسواهم من شركاء الوطن الغربي. ولم تخل المناقشات من سخونة وتوتر في بعض الحالات، نظرا لما تنطوي عليه مواقف الفرقاء من اختلاف خصوصا إزاء بعض القضايا الساخنة التي تعصف بالأمة. مع ذلك كان الجميع ينطلق من رغبة حقيقية..
في استشراف مستقبل العمل الإسلامي المشترك بعد أن تهدأ العواصف المفتعلة وتستقر رمال السياسة العربية المتحركة. كانت المناقشات تعبيرا عن عمق شعور المشاركين بأوضاعهم غير المتوازنة إزاء الدول الكبرى ذات الأثر على المنطقة العربية. كان هناك تعدد مذهبي واضح، اضفى على المؤتمر قيمة معنوية نادرة، وعمق الشعور بتفاؤل المشاركين حول مستقبل العمل الإسلامي المشترك خصوصا في فضاءات الحرية وحقوق الإنسان والانتماءات الفكرية والأيديولوجية.
أن هذه المؤتمرات وما تطرحه من أفكار وما يجري فيها من مناقشات، إضافة للتواصل المباشر مع الشخصيات الفكرية والفعاليات الإسلامية المقيمة في الغرب، تؤكد المخاطر التي يواجهها المسلمون في هذه البلاد والتي تزداد يوما بعد يوم.
لكن في الوقت نفسه فان هذه المؤتمرات وما يقوم به المسلمون من أنشطة متنوعة لمواجهة هذه التحديات والسعي لتقديم صورة رائدة عن الإسلام والمسلمين وتعزيز التواصل مع أهل الديانات الأخرى والقيام بأنشطة حوارية واجتماعية وفكرية مشتركة، كل ذلك يؤكد أن هناك فرصة كبيرة يمكن الاستفادة منها من قبل المسلمين في الغرب، وبدلا أن يتحول الوجود الإسلامي إلى قوة سلبية كما يحاول البعض تصوير ذلك، يستطيع المسلمون ومؤسساتهم وهيئاتهم المتنوعة أن يقدموا النموذج الأفضل للإسلام والمسلمين، ولعل تطبيق بعض مقررات هذه المؤتمرات ومتابعة الجهود التي بذلتها مؤسسات أخرى كالمجلس الإسلامي الأوروبي للإفتاء، يساهم بشكل كبير في الرد على موجة الإسلاموفوبيا، بل يحول هذه الهجمة إلى فرصة كبيرة للتعريف بحقيقة الإسلام وقيمه ومشروعه الحضاري التجديدي والروحي وهذا ما يحتاجه العالم اليوم.