بمزيد من العزم والمسؤولية والحرص على إعلاء صوت لبنان في عواصم القرار الدولي، واصل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري نشاطه الرسمي أمس في العاصمة الأميركية حاملاً الهمّ اللبناني بمختلف جوانبه وتحدياته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ليضع المجتمع العالمي أمام مرآة مسؤولياته تجاه هذا البلد «النموذج» بما هو من «رصيد ثمين للمنطقة والعالم» ينبغي المحافظة عليه. فغداة تتويجه الزيارة بمحادثات «بناءة وإيجابية جداً» أجراها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، استكمل الحريري لقاءاته مع المسؤولين في الإدارة الأميركية فضلاً عن إلقائه محاضرة في معهد كارنغي للسلام العالمي تلبيةً لدعوة من إدارة المعهد بحضور حشد كبير من المفكرين والباحثين، استعرض في مضامينها أهمية لبنان على الخارطة الإقليمية والدولية بوصفه أيقونة الاستقرار والاعتدال والتعايش والحوار «في منطقة محفوفة بالعنف الديني والطائفي وفي عالم أصبح فيه التعايش بين الإسلام والمسيحية يصوّر على نحو متزايد بأنه مستحيل».

وعن التهديدات التي يواجهها اللبنانيون، فنّد الحريري ما يتعاملون معه من هذه التهديدات «بمفردهم» في مقابل تلك التي «لا بد من مساهمة المجتمع الدولي» في سبيل التصدي لها. وفي هذا السياق عرض لما تحقق لبنانياً على صعيد إعادة النهوض بالحياة السياسية والدستورية في البلد وصولاً إلى مخططات حكومته وأهدافها «لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية». أما في ما يتعلق بأعباء النزوح السوري وآثاره المدمرة على البنى التحتية والقطاعات الاجتماعية والتربوية والصحية 

والخدماتية في لبنان، فشدد على ضرورة حشد المساعدة في شكل منح وقروض تساهلية مع تشجيع مشاركة القطاع الخاص في سبيل «تطوير برنامج استثمار رأسمالي يمتد لعدة سنوات»، كاشفاً عن «وضع اللمسات الأخيرة على برنامج في حدود 14 مليار دولار تماشياً مع خطة التنمية الطويلة الأجل في لبنان».

وبعد المحاضرة، كانت لرئيس مجلس الوزراء سلسلة مواقف في إطار الحوار الذي دار بينه وبين الحضور، فأكد في ما يتعلق بملف العلاقة مع «حزب الله»، أنّه يعمل على منع أي انعكاس للاختلافات مع الحزب على مصلحة لبنان وشبعه واقتصاده، وقال: «أنا لا أوافق على ما يقوم به «حزب الله» وكنا نفضّل أن يقوم الجيش اللبناني بما يقومون به في (جرود) عرسال ولا نودّ أن نراهم في سوريا والعلاقة بيننا وبينهم صعبة جداً حيال السياسات الإقليمية (...) الطريقة المُثلى هي أن نتجنب مواقف بعضنا حيال هذه الأمور ونحاول أن نعمل بقدر ما نستطيع لما فيه مصلحة لبنان.. الجميع يريد استقرار البلد هذا هو هدفنا في هذه الحكومة ونستمر بالعمل عليه»، وسط تشديده في السياق نفسه على أن واجبه كرئيس مجلس وزراء «هو حماية لبنان من أي نوع من عدم الاستقرار» وتجديده التزام الحكومة اللبنانية بالقرار 1701 مع الإشارة إلى كون «مسألة «حزب الله» إقليمية لا يجب إلقاء اللوم دائماً فيها على لبنان بل يجب وضعها وإيجاد حل لها في الإطار الإقليمي». 

وعن العقوبات الأميركية المُزمع إقرارها ضد الحزب والمخاوف من أن تنعكس سلباً على القطاع المصرفي اللبناني، لفت إلى أنه سيزور الكونغرس اليوم ويجري محادثات في هذا الصدد، مبدياً ثقته بأنّ «الكونغرس سيستمع إلى بعض الملاحظات التي لدينا».

ولاحقاً، زار الحريري وزير الخارجية الأميركية ريكس تيليرسون في مقر وزارة الخارجية يرافقه وزير الخارجية جبران باسيل وعدد من أعضاء الوفد اللبناني المُرافق، وتم خلال اللقاء عرض للأوضاع في لبنان والمنطقة وسبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. وبعد الاجتماع اكتفى تليرسون بالقول: «أنا مسرور بأن أرحّب برئيس وزراء لبنان سعد الحريري هنا في وزارة الخارجية وقد ناقشنا كما تتوقعون الوضع في سوريا ومسائل تتعلق بالأمن في المنطقة، وأنا أعرف أنه كان للرئيس الحريري أمس لقاء وديّ جداً جداً مع الرئيس ترامب وسنستمر في متابعة القضايا التي أثيرت للبناء عليها».

وكان الحريري قد لبى مساء الثلاثاء حفل استقبال في مبنى السفارة اللبنانية أقامته على شرفه القائم بأعمال السفارة في واشنطن كارلا جزار، وألقى للمناسبة كلمة أبدى فيها حرصه على إرساء مبدأ التوافق «على كل أوجه الحكم» في لبنان، مشدداً على هدف «تقوية المؤسسات والجيش والقوى الأمنية لتبسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية»، ومؤكداً أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «مصرّ على هذا الموضوع أكثر من أي شخص آخر». في حين أبدى الحريري خلال استقباله وفداً من أعضاء «تيار المستقبل» في واشنطن وعدد من الولايات الأميركية يقينه بأنّ «القتل والاقتتال ليس ما يريده الشباب لبلدهم بل ما يريدونه هو فرص العمل والاستقرار والأمان وأن تقوم الحكومة بواجباتها وتؤمن الكهرباء والمياه والتعليم والتأمين الصحي وغيره».