بعبارة واحدة ودلالات كثيرة استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس سعد الحريري. لدى المصافحة عند مدخل البيت الأبيض، قال ترامب للحريري: "نعلم أن الوضع في لبنان صعب". ثمة من اعتبر أن ترامب قال هذه العبارة، بعد قراءته تقارير بشكل سريع عن الوضع في لبنان، ووصله ما يحصل في عرسال وموقف الحريري والجيش اللبناني ازاء المعركة التي يخوضها حزب الله. بالتالي، أراد التعبير عن ذلك. فيما البعض الآخر يرى أن ترامب أراد من خلال هذه الكلمة الإشارة إلى اهتمامه غير الآني بالوضع في لبنان، وبأنه رغم تعقيده فإن واشنطن تريد الاستمرار في التعاون مع أصدقائها فيه لتحقيق رؤيتها.
استمر اللقاء لاكثر من ساعة بقليل، عرض فيه الطرفان مختلف التطورات في المنطقة، ولاسيما التي يعيشها لبنان وسط التحولات الحاصلة حوله. محور اللقاء وكواليسه لخّصها ترامب في موقفه الذي أعلنه بحضور الحريري، ولا شك أن موقف ترامب اتسم بالتصعيد ضد حزب الله، حين اعتبر أن لبنان في الصفوف الأولى لمحاربة الإرهاب، لاسيما داعش والنصرة، مؤكداً أن الجيش اللبناني هو المدافع الوحيد عن لبنان. واعتبر أن "حزب الله يشكلُّ تهديداً للدولة والشعب وللشرق الأوسط برمته، ومصلحته الوحيدة هي إيران". ورداً على سؤال عن العقوبات التي من المتوقع أن يفرضها الكونغرس على حزب الله، قال ترامب: "خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة، سأدلي برأيي بخصوصها". أما عن رئيس النظام السوري بشار الأسد، فقال: "لست من المعجبين بالأسد، وهو يعرف ذلك بعدما قمنا بإطلاق صورايخ التوماهوك على سوريا، بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية، وما قام به في سوريا مخيف، ولن أدعه يفلت من الحساب، كما فعل أوباما".
مقابل كلام ترامب اكتفى الحريري بالتأكيد أنَّ "الدعم الأميركي للجيش اللبناني والقوى الأمنية سيستمر، ولبنان ملتزم بقرارات مجلس الأمن، بما فيها القرار 1701"، مشيراً إلى أنَّه "ناقش مع ترامب الضغط الذي يعاني منه لبنان في ظل وجود مليون ونصف مليون نازح سوري".
وتشير مصادر متابعة لـ"المدن" إلى أن لا علاقة للزيارة بتوقيتها، فالحريري أصرّ منذ فترة على اجرائها وعمل على ترتيبها، فيما ترامب يريد التواصل مع كل الأصدقاء أو الحلفاء، وترتكز بالنسبة إلى الأميركيين على محورين رئيسيين، هما محاربة الإرهاب ومواجهة إيران وتحجيم نفوذ حزب الله، وتطبيق مقررات مؤتمر الرياض، مع الحفاظ على خصوصية كل بلد. وهذه الزيارة لن تكون الوحيدة، بل ستوجه دعوات إلى شخصيات سياسية أخرى قريبة من واشنطن، كرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
وتلفت مصادر مطّلعة على اللقاء إلى أن الحريري اعتبر أن لبنان هو البلد الوحيد الذي يضم سنة وشيعة ولم يحصل فيه أي نوع من القتال، وقد تم تجنيب المواضيع الخلافية لأجل الحفاظ على الاستقرار. أما في موضوع سلاح حزب الله ونشاطه العسكري، فأكد الحريري أنه جزء من أزمة إقليمية، ولا يمكن حلّه إلا ضمن الإطار اللبناني، لأن لبنان غير قادر على ذلك، ويريد الحفاظ على الاستقرار.
وتكشف المصادر عن وجود تشدد كبير لدى البيت الأبيض والكونغريس تجاه حزب الله، إذ ركّز الطرفان في مخاطبتهما الحريري، على ضرورة الحصول على ضمانات بعدم وصول السلاح المقدم للجيش إلى حزب الله. ما يؤشر إلى تخفيض حجم المساعدات. وفيما حاول الحريري إقناع ترامب بالإقلاع عن هذا القرار، تمسكت وزارة الدفاع الأميركية بموقفها المغاير، والذي يتركز على مساعدة الجيش والقوى الأمنية في عملها ضد الإرهاب، مع خضوع ذلك لعملية مراقبة دقيقة.
وقد سمع الحريري استعداداً أميركياً لدعم الجيش، ولكن ليس هناك صورة واضحة بعد لكيفية ترجمة ذلك، خصوصاً بعد تخفيض موازنة المساعدات. ولا تخفي المصادر أن زيارة الضباط من الجيش اللبناني إلى مليتا، أثارت اعتراضات أميركية كثيرة، وقد دفعت ثلاثة من أعضاء الكونغريس إلى تقدم مذكرة تطالب بوقف كل أشكال الدعم للجيش اللبناني. لذلك، هناك إصرار وتشديد أميركيين على وجوب عدم حصول أي تنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله في ما يحصل في عرسال. وتلفت المصادر إلى أن واشنطن تدعم الجيش في عملياته ضد الإرهاب، وتريد تزويده بالمساعدات لأجل محاربة الإرهاب، ولكن بشرط عدم التنسيق مع حزب الله.
أما في خصوص اللاجئين السوريين، فهناك تقارب بين وجهتي نظر الأميركيين والحريري بشأن حلّ هذه المعضلة، إذ هناك توافق على وجوب تولي الأمم المتحدة مسألة توفير المناطق الآمنة لضمانة عودة آمنة للاجئين إلى سوريا.
وتبقى المسالة الأهم هي المتعلّقة بالعقوبات على حزب الله. فقد وصل القانون إلى مرحلة الإقرار. وفيما تلفت المصادر إلى إمكانية إحداث تعديلات بسيطة وروتينية قبيل إقراره، ترددت معلومات عن عدم احتوائه، حتى الساعة، على أي إسم له علاقة بحركة أمل أو بالتيار الوطني الحر. وتشير المصادر إلى أن الحريري لا يريد الدفاع عن حزب الله، وهو سيطالب بتحديد الأسماء التي تشملها العقوبات، لا أن تبقى بصيغة تعميمية، بمعنى أن تشمل كل من يتعاون مع الحزب، لأن هذا التعميم سيضرّ بلبنان وقطاعيه المالي والإقتصادي.
حاول الحريري استشراف آفاق المرحلة المقبلة وفق الإستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط. لمس تشدداً كبيراً في المواقف المعلنة ضد طهران، والتي تشير إلى وجوب تحجيم نفوذها في سوريا وتحجيم حلفائها في المنطقة ككل. لكن حتى الآن ليس هناك أي صورة واضحة لتطبيق ذلك، لاسيما أن الواقع الميداني يعطي صورة معاكسة توحي وكأن إيران تحقق إنتصارات. هذه الأسئلة يجيب عنها بعض الأميركيين، بأن الامور تحتاج إلى مزيد من الوقت. ويعتبرون أن خلال شهرين ستتغير أمور كثيرة، بناء على الإتفاق الأميركي الروسي، الذي سيحجم إيران في سوريا على غرار إبعادها عن الجبهة الجنوبية. ويتوقع هؤلاء أن يتم إبعاد إيران عن الحدود العراقية، وتحجيمها وحصرها أكثر، على أن يترافق ذلك مع إقرار قانون العقوبات ضد حزب الله في شهر أيلول.