إعلان العلاقات الإعلامية في حزب الله عن كلمة متلفزة للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مساء اليوم، كان المؤشر على أن معركة الجرود انتهت، وأن نصرالله سيخرج ليعلن النصر. أراد حزب الله ذلك، بعد التقدم الميداني الذي أحرزه، على مدى خمسة أيام في جرود فليطة وعرسال. ويعتبر الحزب أنه استطاع تحقيق أهدافه بفترة قياسية، وبوقت أقل مما كان متوقعاً. ووسط المعارك، استمرّت الوساطات والمفاوضات. وهذا ما أراده الحزب منذ اليوم الأول. أول الشروط التي وضعها الحزب، هو أنه يرفض أي مفاوضات سوى إنسحاب النصرة من الجرود إلى إدلب. لكن أبو مالك التلّي رفض ذلك، وتواصل مع قيادة النصرة في إدلب، وكان بث فيديو جديد لأسرى الحزب لدى الجبهة.
اعتبر الحزب أن الجواب سلبياً. وثمة من قال، إن الحزب تكبّد أكثر من عشرين قتيلاً في الجرود، ولا يمكن أن يرضخ لشروط النصرة، لأجل ثلاثة أسرى رغم أهميتهم وتقديرهم إنسانياً ومعنوياً. لذلك، رفض التنازل، وأعطى مهلة محددة للتلي لأجل تقديم جوابه النهائي على خيار واحد لا غير، وهو الانسحاب. انقضت المهلة، فجدد الحزب هجومه مدعوماً بكثافة نارية هائلة، باتجاه المنطقة التي حصر فيها عناصر النصرة، بين وادي حميد والملاهي. وعلى الإثر عادت الوساطات وتفعّلت، فاشترط الحزب على التلّي إعلان الاستسلام ووقف القتال، والاستعداد للانسحاب، لأجل وقف النار، والبدء بالتفاوض بشأن الأسرى لدى الطرفين، وبعض المعتقلين في سجون النظام السوري، وبعض الجثث. ردّ التلّي بإيجابية غير نهائية أو حاسمة، وفهمت وكأنها كسب للوقت.
هذه المساعي أدّت إلى تخفيف منسوب العمليات العسكرية، حتى شهدت الجرود لفترة لا بأس بها، هدوءاً خرقته بعض القذائف الصاروخية التي طالت بعض التحركات للجبهة. وحتى ساعات ما بعد منتصف الليل، بقيت الجبهات هادئة، فيما كانت النصرة تستعد للانسحاب، بعد إنجاز ترتيبات معينة، وتقديم الجواب النهائي لحزب الله. كان الحزب يضع في حساباته كل الاحتمالات، بمعنى أن انسحاب النصرة وارد، وكذلك رفضها الشروط. بالتالي، استمرار المعركة. ويشدد الحزب على أن أمام التلّي إما الانسحاب أو الاستسلام وتسليم نفسه أو الموت.
وانطلاقاً من منطق النفس عزيزة، يرجّح أن يلجأ التلّي إلى الهرب، فيما السؤال يبقى هو كيف حصل ذلك، وعلى أي أساس، وهذا أكيد ما ستحمل الإجابة عنه الأيام المقبلة. المهرب الوحيد لدى التلّي سيكون العبور عبر المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، لأجل الإنتقال إلى الداخل السوري. بالتالي، هو يريد الحصول على الأمان من التنظيم، الذي يناصبه العداء. وتتحدّث معلومات عن أن داعش اشترط على التلّي مبايعة علنية له للسماح له بالانتقال إلى معاقله مع مسلّحيه، فيما لم يتم تأكيد ذلك.
في سياق آخر، فإن الإتفاق مع سرايا أهل الشام، لا يزال سارياً، وهو قيد التنفيذ، إذ تشير مصادر السرايا إلى أن انتقالهم إلى القلمون الشرقي سيحصل خلال أيام قليلة، على أن يحتفظوا بسلاحهم، فيما مصادر قريبة من الحزب تقول إنهم سيبقون في وادي حميد، تحت سيطرة الجيش، ريثما تتم تسوية أوضاعهم لاحقاً مع النظام السوري لمن يرغب في ذلك، مقابل أن يصبحوا خارج القتال مقابل حصولهم على الأمان، ومقابل منع توجه أي من عناصر النصرة إلى المخيمات.
أما بالنسبة إلى وضع اللاجئين في مخيمات وادي حميد، فقد تحدّثت معلومات عن معاناة عاشوها طوال الأيام الخمسة. ويقول الشيخ محمد قاسم برو، عضو الهيئة الشرعية في القلمون لـ"المدن": "نحن منذ خمسة أيام محاصرون، ونتعرض لقصف من النظام السوري وحزب الله، وخصوصاً مخيم وادي الزعرور الذي جرى استهدافه بالقصف، من مسافة نحو كيلومتر". ويؤكد برو أنهم يمكثون تحت الأرض، داخل مقالع الحجر. ويلفت إلى أن المعارك بعيدة عن مخيم وادي حميد نحو أربعة كيلومترات، وأن هذه المخيمات أصبحت خالية من الطعام والشراب. ويذكّر بعمل الهيئة لأجل الإفراج عن العسكريين المختطفين لدى جبهة النصرة، داعياً الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي إلى مساعدتهم.
ويلفت برو إلى أن هناك مفاوضات تجري مع المسلحين، ولكن نحن ليس لدينا أي علاقة بهم، نحن نريد التدخل لأجل إنقاد الآلاف من المدنيين، ويجب إيقاف القصف لحماية المدنيين. وتشير مصادر متابعة إلى أنه في ساعات الليل جرى التوصل إلى إتفاق حول مسألة المدنيين، وهو يقوم على احتمالين، إما إدخال المساعدات الغذائية والطبية لهم، أو السماح بانتقالهم إلى داخل الحزام الأمني الذي يفرضه الجيش اللبناني حول بلدة عرسال، إلى أن تهدأ الأمور في الجرود، ويعودون.