تَوزّع المشهد أمس بين البيت الأبيض الذي شهد لقاءَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة سعد الحريري، وما صَدر عنه من مواقف عنهما يُنتظر أن تكون لها تداعياتها على الواقع السياسي الداخلي لجهة ما يمكن أن تلقاه مِن ردود، وبين جرود عرسال حيث أحرَز «حزب الله» في اليوم الخامس من معركته ضد «جبهة النصرة» مزيداً من التقدّم، مقترباً من إنهاء المرحلة الأولى من معركة تحرير الجرود من هذا التنظيم الإرهابي الذي بات على مساحة 10 في المئة فقط، قبل أن يستعدّ الحزب للمعركة ضد «داعش»، في وقتٍ أكّد قائد الجيش العماد جوزف عون عدم السماح بتحويل المخيّمات ستاراً للإرهابيين، كاشفاً أنّ 50 إرهابياً خطيراً هم بين الموقوفين بنتيجة دهمِ المخيّمات. وسيكون للأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله إطلالة إعلامية مساء اليوم يتحدّث فيها عن المعركة التي يخوضها «الحزب» إلى جانب الجيش اللبناني في جرود عرسال، ويتطرّق إلى المواقف السياسية والمحلية والإقليمية والدولية إزاء هذه المعركة.
في البيت الأبيض أكّد ترامب أنَّ «لبنان على الخط الأمامي لمحاربة الإرهاب وما أنجزه الجيش عظيم». وقال في مؤتمرٍ صحافي مشترك مع الحريري: «شاهدنا التقدم في لبنان، وهذا أمر ليس سهلاً في الوقت الذي يحارب فيه على جبهات عدّة». وأضاف: «إنَّ صمود الشعب اللبناني في وجه الإرهاب عظيم، والجيش اللبناني هو المدافع الوحيد الذي يريده لبنان».

واعتبَر ترامب بعد لقائه «أنّ «حزب الله هو تهديد للدولة اللبنانية، وللشعب اللبناني وللمنطقة برمَّتها»، معتبراً أنّ «هذا التنظيم يواصل تعزيز ترسانته العسكرية مما يهدد باندلاع نزاع جديد مع اسرائيل».

ودان «دعم ايران للحزب، وما يقوم به في سوريا من دور عسكري الى جانب قوات النظام السوري»، مشيراً الى «أنّ «حزب الله» يقوم بدعم من ايران، بتأجيج كارثة إنسانية في سوريا»، مشدداً على انّ «مصالح «حزب الله» الحقيقية هي مصالحه الذاتية ومصالح راعيته ايران، ومنذ سنوات عدة تعتبر واشنطن «حزب الله» «تنظيما ارهابياً».

وردّاً على سؤال في شأن فرضِ عقوبات على الحزب قال ترامب: «سأعلن عن قراري في وضوح خلال الساعات الـ24 المقبلة»، مضيفاً: «لديّ اجتماعات مع بعض مستشاريَّ العسكريين ذوي الخبرة الواسعة وآخرين، لذلك سأتّخذ قراري خلال وقتٍ قصير».

وأشاد «بما يقوم به الجيش اللبناني من حماية لحدود لبنان ومنعِ تنظيم «الدولة الاسلامية» وارهابيين آخرين من ايجاد موطئ قدم لهم في لبنان». وقال انّ «جيش الولايات المتحدة فخور بأنّه ساهم في هذه المعركة وسنواصل القيامَ بذلك».

الحريري

بدوره، أكَّد الحريري أنَّ «الدعم الأميركي للجيش اللبناني والقوى الأمنية سيستمر، ولبنان ملتزم بقرارات مجلس الأمن، بما فيها القرار 1701»، مشيراً إلى أنَّه «ناقش مع ترامب الضغط الذي يعاني منه لبنان في ظلّ وجود مليون ونصف مليون نازح سوري».

ولفتَ إلى أنّه «أوضَح لترامب نظرةَ لبنان في معالجة أزمة النازحين على أرضه، بدعم المجتمع الدولي، وناقشنا الجهد الذي يقوم به لبنان للحفاظ على استقراره السياسي والاقتصادي في ظلّ محاربة الإرهاب».

وقال: «شكرتُ الرئيس ترامب على دعمه الجيشَ اللبناني والقوى الأمنية، ودعمه لوجود (قوات) «اليونيفيل» على حدودنا الجنوبية، وسيكون لي اتصالات واجتماعات للتوصل الى تفاهم حول العقوبات الصادرة عن الكونغرس».

في مجلس الأمن

وتزامناً مع موقف ترامب، حذرت المندوبة الاميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، في إفادتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة في شأن الحالة في الشرق الأوسط، من مخاطر التهديد الذي يشكله «حزب الله» على الشعب اللبناني. وانتقدت بشدة موقف مجلس الأمن من النزاعات في الشرق الأوسط، قائلة: «مجلس الأمن كثيرا ما يجعل الشرق الأوسط أكثر تعقيداً مما هو عليه في الواقع.

فهو يتحامل على إسرائيل، ويرفض أن يعترف بأن أحد المصادر الرئيسية للنزاع والقتل في الشرق الأوسط يتمثل بإيران ومليشياتها الشريكة، حزب الله اللبناني».

وقالت: «حزب الله منظمة إرهابية. وبكلماتها، فهي مكرسة لتدمير إسرائيل. وهذا الحزب يسعى مع راعيه الإيراني إلى تدمير كل أنحاء الشرق الأوسط».

وأضافت: «للاطلاع على طبيعة الحزب الحقيقية علينا أن لا ننظر أبعد مما يقوم به نيابة عن الديكتاتور السوري (الرئيس بشار الأسد)، فهو يرسل رجاله إلى سوريا وهم المسؤولون عن بعض أكثر الحملات دموية».

ولفتت إلى أن الحزب «يستعد لشن حرب في المستقبل، وأن تكديس حزب الله غير المشروع للأسلحة يعرض الشعب اللبناني لخطر كبير.. أقل ما يتوقعه الشعب الأميركي من مجلس الأمن هو الاعتراف بالتهديدات الواضحة التي أمامنا».

وتساءلت: «كيف يمكنني أن أشرح للأميركيين أن هناك منظمة إرهابية تعد رجالها وترساناتها للحرب، ولكن الأمم المتحدة ترفض حتى أن تشير إلى الحزب بالاسم، هذا يجب أن يتغير، وعلينا أن نظهر للحزب أنه لا يستطيع أن يفلت بأسلحته غير المشروعة». ولفتت إلى «الدور المهم» لقوة (اليونيفيل) في الجنوب، واعتبرت أن «هناك ما هو أكثر بكثير مما ينبغي على اليونيفيل القيام به للمساعدة في منع نشوب نزاع آخر»

حرب الجرود

على جبهة جرود عرسال أفاد «الاعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله» ليلاً انّ مقاتليه تابعوا تقدّمهم وأحكموا السيطرة على مرتفع سرج الخربة وطلعة النصاب ومرتفع النصاب وعقبة نوح شرق الجرود، ودمّروا ثلاث آليات وقاعدة اطلاق صواريخ موجّهة تابعة لـ«جبهة النصرة». وتحدّث الاعلام الحربي عن مقتل 17 مسلّحاً من «النصرة» في المعارك أمس.

ورجَّح مصدر متابع للعمليات العسكرية، أن تنتهي المرحلة الثانية من جرود عرسال فجر الأحد بإحكام الطوق على من تبَقّى من مسلحي «النصرة» ويبلغ عددهم 120 مسلحاً في منطقة وادي حميد - مدينة الملاهي، لتبدأ المرحلة الثالثة والتي تقضي بفتح خطوط الاتصال لتأمين انسحاب المسلحين مجرّدين من اسلحتهم في اتّجاه الداخل السوري. ورأى المصدر أنّ المسلحين سيرضخون في النهاية نتيجة الوضع الميداني وانهيار خطوطهم الدفاعية.

بدوره، أكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ أيّاً مِن مسلحي «النصرة» لم يدخل الى مخيمات النازحين في وادي حميد ومدينة الملاهي، مشيراً الى دخول 150 مسلحاً فقط من «سرايا أهل الشام» بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة والذين ستَجري مفاوضات لتأمين إنسحابهم منها. وقال إنّ الجيش عزّز إجراءاته الأمنية لمنع أيّ محاولة لأبو مالك التلي أو مسلّحيه للهروب عبر عرسال.

وفي الموازاة، واصلت الأجهزة الأمنية اللبنانية توقيفَ الخلايا الإرهابية وأعلنت قوى الأمن الداخلي عن تفكيك «خلية نائمة» بعد عمليات دهم في بيروت والبقاع، كانت تنتظر تعليمات نهائية من تنظيم «داعش» الارهابي.

قائد الجيش

وفي السياق، أكد قائد الجيش «أنّ وحدات الجيش المنتشرة على الحدود الشرقية، تستهدف دائماً وفي أيّ وقت من الأوقات، مواقع المجموعات الإرهابية وتحرّكاتها وخطوط تسلّلِها بالأسلحة الثقيلة، الأمر الذي أدّى تباعاً إلى محاصرتها وتضييق الخناق عليها إلى الحدّ الأقصى».

وأوضَح «أنّ جهد الجيش يتركّز حالياً على حماية أهالي عرسال والقرى الحدودية ومخيّمات النازحين من محاولات تسَلّل الإرهابيين، كذلك يقوم أيضاً، وبالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية الصليب الأحمر اللبناني، بتقديم المساعدات الطبّية والغذائية للنازحين.

وتحدّث عون خلال تفقّدِه قيادة القوات الجوية في عين الرمانة، عن «وجود 50 إرهابياً خطيراً من بين الموقوفين، بعضهم من الرؤوس المدبّرة والمشاركين في اختطاف العسكريين والهجوم على مهنية عرسال خلال أحداث آب 2014». وأكّد «أنّ الجيش ومع التزامه الدقيق بمعايير حقوق الإنسان، لن يجعل من المخيمات ستاراً للإرهابيين، يمكّنهم من التخطيط في الخفاء والإعداد لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل».

برّي

واستغرَب رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره الاصواتَ التي تصدر عن بعض القوى السياسية اعتراضاً على العملية التي ينفّذها «حزب الله» في جرود عرسال ضد المجموعات الارهابية، مقدّراً في هذا السياق موقفَ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط واعتباره المنطقة محتلة.

وأسفَ بري «لتضييع البعض البوصلةَ في هذه المرحلة». وقال: «أعود وأكرّر، جرود عرسال منطقة يحتلّها الارهابيون، و«حزب الله» يعمل على تحريرها، ولا يمكن إغفال الدور الذي يقوم به الجيش في تلك المنطقة. ولأنها منطقة محتلة، فإنّ «حزب الله» يخوض هذه المعركة نيابةً عن كلّ لبنان وعن جميع اللبنانيين، وأقلُّ الواجب هو دعم هذه المعركة ضد إرهاب يهدّدنا جميعاً بتفجيرات وعبوات وكلّ ما إلى ذلك من أدوات قتلٍ وتدمير».

الجسر

وفي غمرة التطورات الميدانية في الجرود، وبعد بيان كتلة «المستقبل» الذي رفض إعطاءَ «شرعية سياسية أو وطنية للقتال الذي يخوضه «حزب الله» في منطقة السلسلة الشرقية تحت أيّ حجّةٍ كانت»، وبعدما استعرَت حرب البيانات والمواقف على مواقع التواصل الاجتماعي بين مناصري تيار «المستقبل» و«حزب الله»، سألت «الجمهورية» عضوَ لجنة الحوار الثنائي بين «المستقبل» و«الحزب» النائب سمير الجسر عمّا إذا كان قد تَحدّد أيّ موعد جديد لاستئناف الحوار بين الطرفين والمعلّق منذ مدّة طويلة، ومدى انعكاس ما يَجري سلباً على التقدّم الذي حقّقه هذا الحوار على صعيد تخفيف التشنّج وإزالة الاحتقان، فأجاب: «لم يتمّ تحديد أيّ موعد، وهنا أتساءل: هل إنّ الحوار اليوم يوقِف القتال في الجرود؟ وهل يعيد الدور الى الدولة اللبنانية؟ فعلى رغم ندرةِ التعليقات الرسمية على ما يجري في جرود عرسال، لكن وبصريح العبارة لا أعتقد أنّ أحداً يوافق على مشاركة الدولة اللبنانية بالسيادة ومصادرة القرار السياسي والعسكري. فهناك أساسيات لا يجوز اللعب بها، وكلّما تساهلنا بها انتكَسنا».

وإذ أسفَ الجسر للسجال الحاصل، قال: «هذا يعكس واقعَ الحال عند الناس، فهم قلِقون ممّا يجري. صحيح أنّه بمقدار ما هم قلقون من الارهاب، كذلك هم قلقون على مصادرة السيادة اللبنانية. فأمنُ البلد يحقّقه فقط الجيش اللبناني والقوى الامنية، وليس أيّ أحد آخر، وهذه مسألة مبدئية، لأنه إذا تمّ التنازل عن السيادة اليوم، فما المانع من أن يتمّ التنازل عنها غداً وبعد غد؟».

ورَفض الجسر مقولة «إنّ الجيش لا يستطيع خوضَ معركة الجرود»، ولفتَ الى انّ «موقفنا من الارهاب معروف، ونحن مع محاربته لكنّنا حذّرنا من تداعيات مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية على أمن البلد، وذلك قبل نشوء «داعش» وأخواتها».

ضغوط لإمرار البواخر!

من جهةٍ ثانية، لم يحجب ضجيج معركة الجرود «الضجيجَ الكهربائي» الذي انبعَث في الساعات الماضية من مداخن بواخر الكهرباء، بعد صدور تقرير إدارة المناقصات حول هذه الصفقة، ووجدت فيها بعض الثغرات الجوهرية غير المطابقة للأنظمة والأصول التي يفترض ان تُعتمد في موضوع المناقصات.

ولعلّ الثغرة الاساس تتمثّل في انعدام مبدأ المنافسة الذي يفترض ان يتوافر، بسبب وجود شركة واحدة، هي نفسُها الشركة التركية التي يبدو انّ المناقصة أُعِدّت على قياسها. وبالتالي فإنّ انعدام المنافسة في هذه الحال يَحول دون فضّ العرضِ المقدّم من الشركة التركية، وإدارةُ المناقصات أكّدت في تقريرها عدم جواز فضِّ العروض نظراً لوجود عارض واحد.

وكما بات معلوماً، فإنّ إدارة المناقصات سلّمت نسَخاً من تقريرها الى كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب، وكذلك أحالته الى وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل الذي يفترض ان يُعدّ تقريراً بهذا الشأن ويَرفعه الى مجلس الوزراء وفقَ ما جاء في القرار الصادر عن المجلس منذ اسابيع، وقضى بإحالة الملف الى ادارة المناقصات لدرسه ووضعِ تقرير في شأنه.

على أنّ اللافت للانتباه أنّ الأمر، بدلاً من أن يسلك مسارَه الطبيعي، ويعكفَ الوزير المعنيّ على إعداد التقرير تمهيداً لرفعِه الى مجلس الوزراء، تفاعلت المسألة الى حدٍ غير مسبوق. وعلمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة انّ جهة سياسية نافذة في السلطة، جيّشَت حملة مداخلات عنيفة وضغوطاً على إدارة المناقصات لحملِها على تغيير تقريرها وفضِّ العرضِ المقدّم من الشركة التركية (karpowership)، على رغم وجود مخالفة قانونية نظراً لانعدام المنافسة. والغريب في الأمر أنّ تلك الحملة شارَك فيها وزراء حاليّون ونواب وغيرهم ممّن ينتمون الى جهة سياسية نافذة، والعلامة النافرة هنا أنّ بين هؤلاء من يُعتبرون رجال قانون؟!

وعلمت «الجمهورية» أنّ بعض المشاركين في حملة الضغط على ادارة المناقصات ادَّعوا في اتصالاتهم مع الادارة أنّهم يتحدثون باسمِ «مرجع كبير» وأنّ هذه هي رغبته، إلّا أنّ هذه الحملة لم تؤثّر في قرار الإدارة التي واجهت حملة الضغوط بموقف صلب مفادُه: «أقطعُ يدي ولا أُخالف القانون بفتحِ عرض ماليّ وحيد».

وتوازَت هذه الحملة مع بيان صدر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ردّت فيه على ما ورد في الإعلام حيال ملف استدراج عروض بواخر الكهرباء، وأشارت الى «أنّ الملف لا يزال في سياق استكمال إجراءات تنفيذ قرار مجلس الوزراء القاضي بفضّ العروض المالية ووضعِ تقريرٍ عن الملف بكامله».

إلّا أنّ السؤال الذي يحضر هنا، هو ما الذي حملَ الامانة العامة لمجلس الوزراء على إصدار هذا البيان؟ ومن أوعَز بذلك؟ علماً أنّ هذا البيان الذي أغفَل الاشارة الى إنجاز ادارة المناقصات لتقريرها، لم يحدّد في المقابل اين تُستكمل إجراءات تنفيذ قرار مجلس الوزراء، مع الإشارة الى انّ التقرير لم يُحَل إليها، بل الى الوزير المختص الذي تسَلّمه من وزير الطاقة قبل ايام، وعلى وجه التحديد يوم الجمعة من الاسبوع الماضي.

وسألت «الجمهورية» بري رأيَه في هذا الامر، فأكّد تلقّيه تقرير إدارة المناقصات بكلّ تفاصيله وما انتهى اليه، وقال: «هذا الموضوع، وبعد تقرير ادارة المناقصات، اصبح في عهدة مجلس الوزراء، الذي يعود له القرار النهائي في هذا الشأن، ولا شيء غير ذلك». واستغرَب حصول مداخلات وضغوط لإمرار هذا الملف.